للمرة الألف أقولها مهرجان وهران السينمائي طغى عليه الارتجال
حوار: صبرينة كركوبة
يواصل الناقد السينمائي عبد الكريم قادري، انتقاده للواقع السينمائي في الجزائر، معلنا عدم رضاه التام للبؤس الذي بات يتخبط فيه، في ظل التقاعس الكبير من المسؤولين، حيث تحسر من هذا الواقع، خاصة وأن الجزائر تملك تاريخا حافلا بالانجازات السينمائية، وهي من أكثر البلدان العربية حصدا للجوائز العريقة، وكان من المفترض أن ينعكس هذا الزخم على صناعة السينما بشكل عام.
قادري وفي حوار مع “الجزائر” قال أن الأفلام السينمائية اليوم باتت لا تقدم أي شيء لمدونة السينما، مشيرا أنه سبق وأن حذر كثيرا من خطورة هذا النوع من الأفلام في العديد ممن المناسبات، كفيلم “القديس أوغستين”، فيلم “بن باديس”…، مضيفا أن نفس الشيء سيحدث مع فيلم “أحمد باي”، لأنه أنتج بنفس آليات الفشل والتسرع التي أنتج بها فيلم “بن باديس” والذي لم يشارك في أي مهرجان.
عبد الكريم قادري لم يقف عند هذه النقطة فحسب وإنما تعدى ذلك، حين اعتبر أن مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، أصبح يقدم صورة سيئة عن الجزائر وواقعها السينمائي، وهذا لعدم تمكنه من إبراز الصورة الحقيقية للسينما العربية، لطغيان الارتجال، وعدم معرفة الواقع الحقيقي للسينما العربية والأسماء التي تصنعها، لهذا تحول مهرجان وهران في السنوات الأخيرة إلى زردة سينمائية، لا ينزل صنّاع السينما الحقيقيون منازلهم، غارق في سوء التنظيم.
في سياق آخر، تحدث قادري عن اختياره ضمن 76 ناقدا من مختلف دول العالم، لمشاهدة الأفلام العربية الروائية والوثائقية التي تم إنتاجها سنة 2018 عبر موقع”فيستيفال سكوب”، للنسخة الثالثة من “جوائز النقاد” السنوية، التي ينظمها مركز السينما العربية، وعن الأفلام الجزائرية المتواجدة في المسابقة، اعترف ذات المتحدث أن المشاركة الجزائرية صنعت الاستثناء بطريقة عكسية، والفيلم الجزائري الوحيد المشارك في مسابقة النقاد السنوية هو فيلم “ريح رباني” لمرزاق علواش.
في كل سنة تختار ضمن قائمة الـ76 ناقدا من مختلف الدول، لمشاهدة الأفلام العربية الروائية والوثائقية التي تم إنتاجها سنة 2018 عبر موقع”فيستيفال سكوب”، للنسخة الثالثة من “جوائز النقاد” السنوية، التي ينظمها مركز السينما العربية… كيف تم اختياركم؟
الجهة المنظمة لهذا الحدث تتابع كل ما يكتب وينشر في النقد السينمائي في العالم العربي، وطبعا أنا من بين الذي يكتبون وينشرون موادهم النقدية في العديد من المنابر المهمة في العالم العربي، سواء في الجرائد الدولية، المجلات الثقافية المنتشرة، أو المواقع الإلكترونية المتخصصة في هذا الشأن، وطبعا وكل كتاباتي النقدية هي مراجعات وقراءات للأفلام التي تصدر، ومن بينها الأفلام العربية، وعليه جاء إدراج اسمي في هذه القائمة، يعني الأمر لا يعدو ان يكون تحصيل حاصل ونتيجة لمعطيات معينة.
كيف يتم مشاهدة الأفلام وما هو تقييمك للأفلام العربية التي شاهدتها؟
معظم الأفلام العربية نشاهدها عادة في المهرجانات السينمائية الكبرى، مثل مهرجان الجونة السينمائي، أو مهرجان القاهرة، وغيرها من المهرجانات الأخرى، طبعا هناك أفلام أخرى ولأسباب ما لم نشاهدها، لهذا تم توفير موقع “فيستيفال سكوب” لاستكمال ما لم نشاهده، أو إعادة مشاهدة ما رغب فيه.
بالنسبة إلى التقييم، لم أصل بعد إلى هذه المرحلة، والتي تأتي عادة بعد استكمال مشاهدة جميع الأفلام، وتقديم التصويت قبل انعقاد مهرجان “كان” السينمائي بأيام، والجهة المنظمة لهذا الحدث هي من تملك صلاحية إعلان النتائج، وتقديم الجوائز إلى من فازوا في حفل يقام على هامش مهرجان “كان” السينمائي،
هل صنعت الأفلام الجزائرية الاستثناء مقارنة بنظيرتها العربية؟
أعتقد بأن الفيلم الجزائري الوحيد المشارك في مسابقة النقاد السنوية هو فيلم “ريح رباني” لمرزاق علواش، نعم المشاركة الجزائرية صنعت الاستثناء بطريقة عكسية، لهذا نجد فيلم وحيد يشارك فيها، على عكس بعض البلدان العربية الأخرى، التي دخلت بأكثر من فيلم، مثل المغرب وتونس ومصر وغيرها من البلدان العربية، بمعنى ان الأفلام الجزائرية غائبة في الأفلام الروائية القصيرة وكذلك الأفلام الوثائقية، ويعود هذا طبعا لغياب إنتاج الأفلام الفنية، على عكس الأفلام المناسباتية والمحلية.
بعيدا عن جوائز النقاد، نرى انك كثير التذمر عن الواقع السينمائي الجزائري… برأيك كيف يستقيم هذا الفن؟
اعتقد بأن السبب الحقيقي وراء تذمري الدائم عن واقع السينما الجزائرية هو المآل الذي وصلنا إليه اليوم، إذ بات من النادر جدا أن نشاهد فيلما جزائريا محترما، بالمقاييس الفنية للسينما، وأصبحت الأفلام التي تنتج غارقة في المحلية المقيتة، ولا تقدم أي شيء لمدونة السينما، وقد سبق وحذرنا من خطورة هذا النوع من الأفلام في العديد ممن المناسبات، حيث أثبت الوقت صدق ما حذرنا منه، قلنا بأن فيلم “القديس أوغستين” لا يقدم شيئا للسينما والتاريخ الجزائري، وقد حدث هذا فعلا، قلنا بـأن ما أنتج في قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لا يعدو أن يكون صرف أموال دون أي مقابل فني، وقلنا بأن الـ 40 مليار التي تم رصدها لفيلم “بن باديس” مضيعة للمال وإهانة للسينما الجزائرية، وكان الأجدر أن يتم توزيعها على 20 مخرجا جزائريا وفقا آليات مدروسة بعناية، كل مخرج يتحصل على 2 مليار، وان استطعنا أن نصنع ثلاث أفلام ناجحة من هذا الكم نكون قدمنا خدمة كبيرة للسينما الجزائرية، وصنعنا ثلاث مخرجين، لكن للأسف نفس الأخطاء نكررها دائما، وهذا ما سيحدث مع فيلم “أحمد باي”، لأنه أنتج بنفس آليات الفشل والتسرع التي أنتج بها فيلم “بن باديس” والذي لم يشارك في أي مهرجان، على عكس ما كان يصرح به أصحابها قبل العرض، أين جعلوا الناس تظن بأنه اكبر انتصار سينمائي للجزائر، لكنه كان أكبر خزي للسينما الجزائرية، وأصبح الآن نسيا، مثل عشرات الأفلام الأخرى التي نُهبت من خلالها الخزينة العمومية ولم تقدم في المقابل أي انتصار فني للسينما.
كنت قد كتبت منشورا على حسابك الشخصي على “الفيس بوك” أشرت فيه، أن الجزائر تفتقر لمهرجان سينمائي محترم كمهرجان القاهرة/مصر، الجونة/مصر، مراكش/المغرب، وقرطاج/ تونس… كيف ذلك؟ معنى ذلك أن مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، لم يرتقي بعد لمصاف هذه المهرجانات السينمائية؟
تملك الجزائر تاريخا حافلا بالانجازات السينمائية، وهي من أكثر البلدان العربية حصدا للجوائز العريقة، وكان من المفترض أن ينعكس هذا الزخم على صناعة السينما بشكل عام، وتسهيل خلق فعل سينمائي حقيقي، لكن للأسف هذا ما لم يحدث مطلقا، وأصبحت الجزائر في ذيل البلدان العربية التي لا تملك أي رؤى أو إستراتجية سينمائية عميقة، إذ ينظر لها على أنها عبث وعبئ على الثقافة، لهذا طغت السطحية، لأنه يتم الاعتماد على المتطفلين في خلق فعل سينمائي، وما الذي يمكن أن ننتظره من شخص لا يعرف شيئا على السينما، لا يحبها ولا يملك أي مرجعية عليها، لهذا نجد بان النتيجة كارثية على كل المقاييس، كان من المفترض أن يكون هناك مهرجان سينمائي عالمي مثل المهرجانات التي ذكرتها، رغم أن الجزائر من الناحية المادية أغنى منهم جميعا، لكن للأسف غياب الرؤى الثاقبة، وغياب الحسابات الثقافية الجادة جعلها تقيم كرنفالات سينمائية هنا وهناك، لا تقدم ولا تؤخر شيئا في السينما، بل تسيئ للجزائر، لا يجوز ان نعقد مقارنة بين المهرجانات المذكورة ومهرجان وهران، لأنه أصبح يقدم صورة سيئة عن الجزائر وواقعها السينمائي، وهذا لعدم تمكنه من إبراز الصورة الحقيقية للسينما العربية، لطغيان الارتجال، وعدم معرفة الواقع الحقيقي للسينما العربية والأسماء التي تصنعها، لهذا تحول مهرجان وهران في السنوات الأخيرة إلى زردة سينمائية، لا ينزل صنّاع السينما الحقيقيون منازلهم، غارق في سوء التنظيم، أقول هذا طبعا لان الغيرة تعتصرني على الفعل السينمائي في الجزائر، لكن أتمنى من قلبي أن نرى خلال الطبعة المقبلة مهرجان مختلفا عما رأيناه سابقا، أن نرى عرسا سينمائيا تكون الغلبة فيه للسينما.
في رصيدك الابداعي كتبا في مجال السينما… هل من مشروع كتاب مستقبلا؟
نعم هناك العديد من الإصدارات السينمائية التي تنتظر النشر، ومنها من تأخر نشرها، للعديد من الأسباب، لكن أتمنى أن ترى النور قريبا، من بينها كتاب “سينما الجمال” الذي سيصدر في احد الدول العربية، وكتاب “مدخل إلى السينما الجزائرية” الذي تأخر نشره وأتمنى أن يرى النور هذه السنة، كما أن هناك مخطوطات سينمائية أخرى تنتظر المراجعة والتدقيق قبل تقديمها لأي جهة ناشرة
كلمة أخيرة؟
يجب على المؤسسات الثقافية الجزائرية أن تنظر إلى السينما على أنها امن ثقافي، وأولوية يجب تحريك مياهها الراكدة والتعويل عليها لإظهار بعد الجزائر الثقافي والاجتماعي، يجب استغلال الموروث السينمائي الجزائري لخلق مستقبل واعد، تكون الغلبة فيه لما هو جيد ومشرق، ويجب أن يتم خلق فرصة للجميع، والاستماع إلى كل صوت يريد أن يطور السينما الجزائرية.