اختلفت الرؤى وقراءات نقابات التربية حول وثيقة مشروع إصلاح المنظومة التربوية الذي وزعته وزارة التربية الوطنية على الشركاء الاجتماعيين خلال الجلسات التقويمية الثنائية حول منهجية إصلاح المنظومة المقرر تنظيمها قريبا بعد دراسة الملفات المتعلقة بالانشغالات التي طرحتها نقابات التربية، حيث أكد وزير التربية الوطنية محمد واجعوط، أن الشريك الاجتماعي سيكون له كلمته للنهوض بالقطاع مع مجموع الفاعلين الآخرين في مختلف مستويات.
بوعلام عمورة:
“ندعو إلى اقتراح محاور جديدة عميقة”
كشف الأمين العام للنقابة الوطنية للنقابة الوطنية المستقلة لعمال التربية والتكوين “الستاف” بوعلام عمورة، أن “أعضاء النقابة عقدت عدة اجتماعات لدراسة مشروع إصلاح المنظومة التربوية والذي يحتل قلب الحدث، لكن جائحة وباء كوفيد 19 عطلت المشروع”.
وقال بوعلام عمورة في تصريح لـ”الجزائر” أنه “لا بد من معالجة عدة قضايا في إصلاح المنظومة التربوية وبشكل جذري وليس سطحي”، منتقدا المحاور التي تطرقت إليها الوزارة الوصية في مشروع إصلاح المنظومة التربوية التي اعتبرها سطحية وغير كافية للنهوض بقطاع التربية.
كما تطرق المتحدث ذاته إلى محاور وثيقة المشروع التي وصفها بأنها حصيلة لمحاولات إصلاحات سابقة كانت ولا تزال في قطاع التربية منذ عهد الوزيرة بن غبريط، مضيفا أن وزارة التربية “لم تتطرق إلى محاور جديد”، واسترسل الحديث “لكن نتفاءل من قرار وزارة التربية بإشراك الشريك الاجتماعي حيث أن الباب كان موصدا بين وزارة التربية الوطنية والنقابات وهذي المرة منحت الوزارة الفرصة لمناقشة وإثراء مشروع إصلاح المنظومة التربوية حسب خبرتهم في القطاع واعتبارا على أن لهم دور في تغيير المدرسة الجزائرية للأحسن”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “الجديد في قرارات وزارة التربية الوطنية التي استحسن لها أعضاء النقابة هو إشراك الأعضاء من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وكذا قطاع التكوين المهني”، وكشف أيضا عن أهم المحاور التي قدموها في شكل ملف تدرسها حاليا الوزارة الوصية مثل العنف المدرسي الذي بات يشكل خطرا على مصلحة التلاميذ والأساتذة معا وكذا المحيط المدرسي وواقع المدرسة الجزائرية، وتدني مستوى استيعاب للتلاميذ وكذا كفاءة التدرس، مرجحا ذلك إلى عشوائية التوظيف في قطاع التربية حيث اقرح اعادة انظر في طريقة نمط التوظيف في قطاع التربية بما فيهم الأساتذة مدراء التربية وضرورة تكثيف معاهد للتكوين.
فيما كشف عن عدم عن تلقيهم أي ردود حول مطالبهم التي تم رفعها إلى وزير التربية الوطنية، محمد واجعوط في إطار اللقاءات الثنائية التي نظمها مع الشريك الاجتماعي.
وقال بوعلام عمورة “لم يصلنا، في الوقت الحالي أي شيء من الوزير رغم تنصيب خلية على مستوى ديوان الوزارة في هذا الشأن للرد على انشغالات النقابات”، لافتا إلى أن “هناك ملفات تحتاج في حلها إلى تفكير وتشاور وبحث، في إشارة منه إلى ملفي القانون الأساسي والخدمات الاجتماعية والامتحانات الرسمية خصوصا الباكالوريا وتوقيت تدريس المواد الأساسية وإرجاع السنة السادسة ابتدائي”، داعيا الوزارة الوصية وحتى النقابات الأخرى إلى التحاور فيما يخدم مصلحة المنظومة التربوية وتجسيد الموضوعية بعيدا عن تعارض الآراء حسب المصالح الشخصية.
مسعود عمراوي:
“نأمل من واجعوط إعادة المدرسة الجزائرية إلى الحاضنة الوطنية”
ويرى البرلماني مسعود عمراوي، عضو لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية والأوقاف، في قراءة لمشروع إعادة اصلاح المنظومة التربوية، أنه “لا يمكننا الآن الحكم على هذا المشروع إلا بعد إعداد فريق العمل الذي تسند له العملية والالتزام التام بتجسيد الغايات والمرامي الكبرى للمدرسة الجزائرية التي حددها القانون التوجيهي للتربية الوطنية04/08، وحينذاك يمكننا الحكم على هذا المشروع”.
وأمل مسعود عمراوي في اتصال لـ “الجزائر”، من وزير التربية الوطنية، محمد واجعوط، أن “يعيد المدرسة إلى الحاضنة الوطنية من خلال إسناد المشروع لكفاءات وطنية”، حيث قال إنه “لا مانع بعد ذلك من إشراك خبراء أجانب من دول منظوماتها التربوية رائدة وناجحة”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “الإشكال لا يكمن أبدا فيما تتضمنه عناوين المشاريع الأولية لعمليات الإصلاح_أقول هذا بحكم التجربة _ فالمشكل الحقيقي يكمن في انعدام التقييم والتقويم الحقيقي للعمليات السابقة”، واستدل بمثال واقعي على ذلك ما أقدمت عليه الوزيرة السابقة بن غبريط لما عُيّنت على رأس وزارة التربية الوطنية، بدأت بعملية تقييم مرحلة التعليم الإلزامي التي بذل فيها المربون جهودا كبيرة انطلاقا من القواعد التربوية حيث تم تقديم 450 ملاحظة، فاستبشرنا خيرا، وفي الوقت الذي كنا ننتظر استمرار عملية التقويم لمرحلة لتعليم الثانوي للأخذ بالإيجابيات وتفادي السلبيات، تُفاجئنا الوزيرة بتنظيم ملتقى لإطارات التربية بثانوية الرياضيات يومي 20 و 21 جويلية 2014 حول التقييم المرحلي لإصلاح المدرسة، وبعد سنة يتم تنظيم ندوة وطنية لتقييم تطبيق إصلاح المدرسة عام 2015 بقصر الأمم بنادي الصنوبر حضرها أزيد من 800 إطارا من مختلف القطاعات والفعاليات للفعل التربوي، من مسؤولين إداريين وتربويين ومدرسين وأساتذة باحثين، بالإضافة إلى الشركاء الاجتماعيين حيث وزعوا على عشر10 ورشات”، وقال في الصدد ذاته “كنا ننتظر من هذه الندوة الوطنية التي ستفسح المجال لنقاش واسع لتقييم إصلاح المنظومة التربوية وإذا بنا نفاجأ بالادعاء بأن إحدى الورشات أوصت بضرورة التدريس باللهجات العامية، هذا الذي لم يحدث إطلاقا لأننا كنا من الحاضرين و توزعنا على كل الورشات، وإثر هذه الندوة تم توقيف عمليات التقييم والتقويم نهائيا، وضربت كل عمليات التقييم عرض الحائط”.
ما أوضح أنه “تم إدراج مشروع جديد كلية سمي بمناهج الجيل الثاني اعتمد فيه على ما يسمى بالخبراء الأجانب وكلهم مفتشون في التعليم الابتدائي ومن مدينة مرسيليا، وتم اختيار فريق عمل على شاكلتها ذي توجه تغريبي، أفرز لنا منظومة تربوية عرجاء”.
كمال نواري:
“المناقشة الفعلية للمنظومة التربوية ستكون بعد الدستور الجديد”
ويرى الناشط التربوي، كمال نواري، أن “مناقشة المنظومة التربوية تكون من الأحسن بعد صدور الدستور الجزائري الجديد الذي هو في مرحلة النقاش، على اعتبار أن القانون التوجيهي للتربية رقم 04/08 يبنى على الدستور الذي يهدف الى تحديد الأحكام الأساسية المطبقة على المنظومة التربوية التي تسعى الى تحقيق بعض الغايات و المهام والمبادئ التي يذكرها الدستور”.
وتساءل كمال نواري في اتصال مع “الجزائر” “قبل فتح نقاش وتقييم المنظومة التربوية أين المجلس الأعلى للتربية الذي يفترض أنه يحوي خبراء التربية المؤهلين لرسم خريطة التربية في الجزائر ؟”، في حين ثمن المتحدث ذاته المشروع وتناوله أهم المحاور التي اعتبرها “شاملة ملمة لكل ما يهم قطاع التربية والساحة التربوية في هذه الظروف منذ أن حظى بنسخة من مشروع تمهيدي لإصلاح المنظومة التربوية”، مشيرا أن “وزارة التربية الوطنية لم تترك أي مجال لم تناقش فيه بخصوص كيفية إعداد خارطة طريق للإصلاح الجذري للمنظومة التربوية أو عن طريق برمجة جلسات تشخيص وتقييم المنظومة التربية”.
وأبدى الناشط التربوي توافقه مع ما جاءت به الوزارة الوصية من قرارات تخدم القطاع، مضيفا أنه “أمر جميل أن نشرك الأسرة التربوية في إثراء النقاش حول المدرسة ولكن بحضور أساتذة ومفتشين لهم خبرة ودراية بجانب من جوانب الإصلاح كهيكلة مستويات التعليم.
ودعا كمال نواري إلى أن تكون هناك جلسات ولائية وطنية فقط بحضور خبراء القطاع في كل موضوع من المواضيع المطروحة للنقاش.
عبد الكريم بوجناح:
“إصلاح المنظومة التربوية يحتاج إلى تصور واقعي للمدرسة”
ومن جهته، أوضح الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال التربية، عبد الكريم بوجناح في قراءة تقويمية حول مشروع أرضية جلسات تشخیص وتقييم المنظومة التربوية لعام 2020، أن إصلاح المنظومة التربوية يحتاج إلى تطبيق معايير دقيقة، وتصور واقعي للمدرسة الجزائرية في مستوياتها التعليمية الثلاثة، وذلك باعتماد استراتيجية مدعمة، بنوايا سياسية حسنة للنهوض بالمنظومة التربوية.
وأشار عبد الكريم بوجناح أن ذلك “يتم تحت إشراف المجلس الأعلى للتربية والتعليم كخطوة أولى أساسية لضمان مشروع الإصلاح على المدى البعيد، بتزكية كل الشركاء الاجتماعيين والفاعلين الحقيقيين في تطوير وتطهير البيئة البيداغوجية والتربوية لتكون ذات جودة والنوعية”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “مقترحات وتصورات هذه الآليات يعتمد على جانب الوجيستي ومعلوماتي وخيرة بشرية مميزة”، مشيرا إلى مقترحات نقابة ” أسنتيو” التي عرضت جملة من الملفات، مشددة على أن يشمل مشروع أرضية جلسات تشخيص وتقييم المنظومة التربوية عدة مجالات على غرار سياقات الإصلاح ومرجعياته في التحديات والرهانات، التوجهات الاستراتيجية للإصلاح و برامج الإصلاح ومشاريعه، وكذا الكلفة المالية التقديرية الإصلاح المنظومة التربوية.
أما فيما يخص انطباع النقابة يقول عبد الكريم بوجناح أنه اذا ما نظرنا إلى هذا العمل باعتباره استصلاحا رأي إصلاح جزئي وغير جذري للنظام التربوي القائم بالعودة إلى إصلاح سنة 2000، كما أعلن عن ذلك هذا المشروع بكل وضوح في ديباجته ، فإنه ليس بالوسع إنكار المجهود الواضح الذي بذل في إعداد هذه الوثيقة التي تحتوي على عدة أفكار مهمة وإيجابية، مثل هيكلة مستويات التعليم ومثل التركيز على البيداغوجيا في محور كامل للبرامج والمناهج وغيرها.
وفي الصدد ذاته، أوضح الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال التربية “أسنتيو” أن “هذا الإصلاح الذي طال انتظارنا له نطالب ان يكون إصلاحا عميقا وجذريا ذو استراتيجية، مثمنا حرص وزير التربية الوطنية محمد واجعوط، على التنصيص لإعادة بناء المنظومة التربوية”.
ودعا بوجناح أن تكون دواعي الإصلاح ذو خلفية حداثية أصيلة للإصلاح التربوي والتأكيد على ضرورة الاستفادة من التراث الثقافي العربي المستنير ومن الارث الاصلاحي التربوي، والاعتزاز بالهوية العربية الإسلامية والأمازيغية الذي حتى وإن كان منصوصا عليه بوضوح في الدستور إلا أنه تم تجاهله في مشروع اصلاح المنظومة التربوية.
وشدد المتحدث ذاته على وجوب الاستفادة من التجارب التربوية الناجحة في العالم، والتي أوصيت بها النقابة في كل لقاءات الثنائية، أما بخصوص المضامين التي يجب ان يحتويها مشروع أرضية جلسات الاصلاح وتقييم المنظومة التربوية، يوضح الامين العام للنقابة أنه لابد من الرجوع لمرجعيات الاصلاح مثل الدستور الجزائري، الحرية والكرامة والعدالة والتشاركية، القيم الحداثية الأصيلة، وكذا الإرث الإصلاحي التربوي الوطني منذ إصلاحات التعليم السنة 1973، مع ما قد تثبت وجاهته وفائدته من الإصلاحات الموالية له، والرجوع إلى رصيد التجارب التربوية الناجحة والمتميزة عالميا.
وأشار المتحدث ذاته أن مختلف الجهود الإصلاحية مهما علت قيمتها أو انخفضت التي تمت في عهد الوزارات السابقة على لوزارة الحالية عدم تجاهلها طيلة مسار جلسات تشخيص وتقييم المنظومة التربوية، شدد على ضرورة تسطير أهداف مثل تحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومراجعة الخارطة المدرسية والحوكمة.
كما كشف لأمين العام للنقابة الوطنية لعمال التربية “أسنتيو” غياب التنصیص بوضوح مع استدعاء غير منهجي لمفهومي الجودة والحوكمة الرشيدة، وغياب احداثات مؤسسية استراتيجية، مثل المجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي سيكون ضمانة أدبية لحصول توافق وطني حول مضامين الإصلاح التربوي وتوجهاته الاستراتيجية، مشيرا انه بناء على ذات الوثيقة فان اي مدخل يتعين اختياره لإعادة الهيكلة الادارية المناهج والمقررات والطرائق والأساليب الكتب المدرسية، تكوين الاساتذة، وآلياته التقييم، وأدوات الحياة المدرسية، والزمن الدراسي شبكة التعلمات وضوابطها التوجيه المدرسي وتعيين الشعب الممكنة وخاصة شعبتي الرياضيات والتقني رياضي، ودور لتكنولوجيات المعلومات والاتصال الحديثة في مستقبل منظومتنا التربوية على المستويين العلمي والبشري وأي دور للمجتمع المدني من أجل التنمية المستدامة في الاصلاح التربوية.
أميرة أمكيدش