تعود اليوم الذكرى الـ58 لانتفاضة الشعب الجزائري على غطرسة المستدمر الفرنسي، أين صنع الشعب يوم 11 ديسمبر 1960 ملحمة تاريخية ومفخرة للذاكرة الجزائرية يعترف بها العالم بعد أكثر من نصف قرن مرت عليها.
سجلت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 وحدة الشعب الجزائري وثباته حول أهداف الثورة التحريرية،حسب المؤرخين التاريخيين والذين أكدوا أن هذه المناسبة توثق مدى ترابط وتلاحم الشعب على غاية واحدة في ذاك التاريخ وهي الإستقلال أين كانت التضحية والصمود أمام آلة التقتيل الفرنسية هي الصورة المنقولة في كل شبر من أرض الجزائر.
التاريخ ذاكرة الشعوب
تاريخنا الجزائري حافل بالبطولات والأمجاد التي لا يمكن أن تنسى على حد قول المؤرخين “التاريخ ذاكرة الشعوب الحية” وذكر 11 ديسمبر 1960 واحدة من هذه التواريخ التي صنعت جزائر اليوم المستقلة والموحدة حل الثوابت الوطنية من دين ولغة وتاريخ وبعد 58 سنة ها نحن نستذكر تاريخ أجدادنا أين خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية يوم 11 ديسمبر 1960 لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة الجنرال ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزء من فرنسا في إطار فكرة الجزائر الجزائرية من جهة، وضد موقف المعمرين الفرنسيين الذين مازالوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية،وتؤكد التقارير التاريخية أنه بعد وقائع المظاهرات المساندة لسياسة ديغول يوم 9 ديسمبر، ومظاهرات المعمرين يوم 10 منه، جاء زحف المظاهرات الشعبية بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر ليعبر عن وحدة الوطن والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام،وخرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي الجزائر العاصمة عرفت ساحة الورشات (أول ماي حاليا) كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال وحياة جبهة التحرير، وعمت شوارع ميشلي (ديدوش مراد حاليا) وتوزعت هذه المظاهرات في الأحياء الشعبية في بلكور وسلامبي (ديار المحصول حاليا) وباب الوادي، والحراش، وبئر مراد ريس، والقبة، وبئر خادم، وديار العاد ، والقصبة، ومناخ فرنسا (وادي قريش)، كانت الشعارات متحدة كلها حول: “رفع العلم الوطني وجبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة وتحيا الجزائر”، وتوسعت المظاهرات لتشمل العديد من المدن الجزائرية وهران، الشلف، البليدة، قسنطينة، عنابة وغيرها حمل فيها الشعب نفس الشعارات ودامت المظاهرات أزيد من أسبوع،وكانت نتائج المظاهرات السلمية قاسية جدا حيث أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح بسقوط أكثر من 800 شهيد عبر كامل التراب الوطني، وأكثر من 1000 جريح، بالإضافة إلى قيام الشرطة الفرنسية بمداهمات ليلية واختطاف الجزائريين من منازلهم، واعتقال عدد كبير من المتظاهرين قصد التحقيق معهم، غير أن هذه الأحداث التاريخية الخالدة، مكنت جبهة التحرير الوطني من انتصار سياسي كبير وواضح، في إطار الرد على سياسة ديغول والمعمرين، حيث ألقى الرئيس فرحات عباس يوم 16 ديسمبر 1960، خطابا في شكل نداء، أشاد فيه ببسالة الشعب الجزائري وتمسكه بالاستقلال الوطني، وإفشاله للسياسة الاستعمارية والجرائم المرتكبة ضد المدنيين العزل.
و أكدت أيضا المظاهرات الشعبية حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية وفظاعته أمام العالم، كما عبرت حسب المؤرخين والعارفين بشؤون التاريخ الجزائري عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني والقضاء على سياسة ديغول المتمثلة في فكرة (الجزائر فرنسية) أما على المستوى الدولي فقد برهنت المظاهرات الشعبية على مساندة مطلقة لجبهة التحرير الوطني، واقتنعت هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها وصوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي.
كما ساهمت من جهة أخرى في اتساع دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم خاصة في العالم العربي، وخرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد، ودخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية وتعرضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب، الأمر الذي أجبر ديغول على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري، كما أقنعت تلك الأحداث هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها، حيث صوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية، ورفضت المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي، وأصدرت الهيئة الأممية في 20 ديسمبر لائحة، اعترفت فيها بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير.
وتأكد للعالم أن جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي للشعب الجزائري، لتتحقق بذلك رغبة المجاهد البطل كريم بلقاسم، الذي قال حينها مع بداية المظاهرات:”حان الوقت لكي تدوي صرخة بلكور في مانهاتان..”، وكان يقصد بذلك مقر الأمم المتحدة بنيويورك
المؤرخ عبد الستار حسين
“انتفاضة 11 ديسمبر 1960 لم تكن عفوية”
يرى المؤرخ عبد الستار حسين أن انتفاضة 11 ديسمبر 1960 محطة تاريخية لم تكن عفوية بل تندرج في صميم خطط جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني مستدلا بتأسيس قيادة الثورة أسابيع قبل هذه المظاهرات للجنة سرية عليا أعدت تقريرا بخصوص مدى قابلية الشعب للخروج إلى الشارع والانتفاض ضد المخططات الاستعمارية، من جهته أكد المجاهد بوروبي عبد القادر، الذي عرض شهادته الحية حول مظاهرات 11 ديسمبر والمواجهة الوحشية للاستعمار الفرنسي للمتظاهرين في أحياء مدينة الجزائر، مؤكدا أن هذه المظاهرات عمقت من التفاف الشعب الجزائري حول ثورته وقيادتها الأمر الذي عجل كما أضاف برضوخ الاستعمار الفرنسي إلى الأمر الواقع وقبول مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني باعتبارها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الجزائري أنا ذاك.”
رزاقي.جميلة