عندما سألني الصديق فريد بوكرومة مدير مسرح قسنطينة، عن إعطائه اسم مخرج لإنتاج عمل جديد مع المسرح لم أتردد لحظة في ذكر اسم هارون كيلاني، ورغم أن العمل المقرر انجازه لم يكن قد تم اختياره بعد، وكان. وتم في نهاية المطاف إقرار نص عبد الكريم برشيد “يا ليل يا عين”.
وجاء هارون وتم الانجاز وكان لي مشاهدة العرض يوم الاحد ١٦ من ديسمبر الفارط، والتقيت الصديق هارون لكننا لم نجلس ولم نتحدث، فقط تم التصافح وداخل القاعة والسؤال عن الصحة والأحوال لان العرض، كان على وشك أن يبدأ، وفجأة، تطفئ الأنوار يعم الظلام إنه الليل، الليل بكل ما يحمله من معاني ومن الإحالات العديدة، والعرض عنوانه يا ليل يا عين، لماذا الليل ولماذا العين، الليل هو ليل الفساد ليل الفقر ليل التخلف، القتل، النفاق، السرقة، الخوف، والعين هي التي لا تغمض، ترى، تراقب
تكشف الفساد، وتعري ما قد نحال إخفاءه إنها الكاميرا التي تلتقط كل شيء وتكشف كل شيء، حي من الأحياء في مدينة ما في نقطة ما من العالم، يسوده الفقر، يعم فيه التخلف في جزء منه ويعيش جزاه الآخر حياة البذخ والترف، هي فروق اجتماعية بين الجزأين.
يمارس سكان جزء منه حياة الفساد ويمارس الجزء الثاني حياة النفاق ولا حتى تحت أسماء مختلفة شخصيات مطحونة يقتلها الفقر تلجأ إلى الاحتيال، وتمارس ما يمكنها من الحصول على، قوتها تنافق تشحذ وقد تسرق وحتى تقتل، عالم يسود فيه كل شيء، وحلال فيه كل شيء، الشعوذة والتستر تحت لحاف الدين، عالم حاول هارون إجلاءه وحاول جاب الله تجسيده سينوغرافيا، لكن الحي المقسم إلى جزأين يختلفان يحتاج إلى أشياء كثيرة لم يكن أمام جاب الله سوى اختيارها في بانوهات يمكن اللعب بها لإعطاء المطلوب من الفقر ومن البذخ أي تؤدي، ما هو مطلوب في الجزأين، وكان على هارون الكيلاني استغلال ذلك واللعب في إطاره، وقد استغله بشكل أفقي وعمودي كذلك مع استخدام الأضواء المتغيرة حسب المكنة.
عرف هارون كيف يستغل الركح وتوزيع الأمكنة، أمكنة اللعب امتاز ببعض الذكاء في ذلك واستخدم بعض فانتازيته في السعي إلى الوصول إلى غرضه وتقريب، الفكرة من المتفرج إلى حد انك تشعر أحيانا وكأنك في عالم افتراضي من خلال توظيف البانوهات وتشكيلياتها واللعب بالأضواء وتلويناتها، وصخب الموسيقي أحيانا وهدوءها أحايين أخرى هو الليل ومأربه ودسائسه وعبثيته واحتفالية ناسه هل هو ليل الإرهاب، الذي تنتهي المسرحية بأحد تفجيراته أم هو التحذير منه.