الأحد , ديسمبر 22 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الحدث / انتعاش العلاقات العربية- العربية بعد "إعلان الجزائر":
بين الدبلوماسية والإقتصاد.. بوصلة الجزائر تتجه نحو العمق العربي

انتعاش العلاقات العربية- العربية بعد "إعلان الجزائر":
بين الدبلوماسية والإقتصاد.. بوصلة الجزائر تتجه نحو العمق العربي

أخذت العلاقات الجزائرية مع الدول العربية بعدا جديدا، تميز بتكثيف الزيارات الرسمية وتقاربا ملحوظا في وجهات النظر المتعلقة بالقضايا العربية والإقليمية المشتركة، كما اتجهت بالمقابل نحو البعد الإقتصادي وفق قاعدة “رابح-رابح”.
تشهد العلاقات الجزائرية مع شقيقاتها من الدول العربية تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة، أرادت من خلاله الجزائر الانفتاح أكثر على المنطقة العربية وخلق علاقات تجمع بين التقارب الدبلوماسي وتعميق المنفعة الاقتصادية، من خلال البحث عن إقامة شراكات اقتصادية واستثمارات في مختلف المجالات الإستراتيجية وفق المنظور الجزائري والعربي، إيمانا منها بالقدرات والإمكانات التي تزخر بها المنطقة العربية من موارد طبيعية وقدرات بشرية قادرة على جعل اقتصادها من أكبر الاقتصادات بالعالم.
وقد تمكنت الجزائر في فترة وجيزة من تحقيق جزء من الأهداف التي تسعى لتحقيقها فيما يتعلق بعلاقاتها مع البلدان العربية، سواء من الجانب السياسي أو الاقتصادي الذي يشمل مجالات الاستثمار والتجارة.

تكثيف للزيارات والمشاورات
ركزت الجزائر في المجال السياسي على تكثيف الزيارات الرسمية، وتجلى ذلك من خلال الزيارات التي قام بها المسؤولون للبلدان العربية أو من خلال زيارات القادة والمسؤولين العرب للجزائر واللقاءات التي جمعتهم مع رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين في العديد من المناسبات الوطنية والدولية، علاوة على تنظيم الجزائر لـ”قمة لم الشمل” للجامعة العربية.
فمنذ مطلع 2022، قام الرئيس تبون بزيارات للعديد من الدول العربية سواء في إطارات زيارات رسمية، أو ضمن مشاركته في فعاليات لأحداث ومؤتمرات دولية احتضنتها دول عربية أو ضمن اللقاءات الثنائية التي جمعته مع القادة العرب بمناسبة انعقاد القمة العربية في نوفمبر الماضي بالجزائر، حيث زار كلا من الكويت وقطر في زيارتين رسميتين في فيفري الماضي، في حين استقبل الرئيس تبون الأمير القطري، تميم بن حمد آل ثاني في جوان الماضي، بمناسبة افتتاح الألعاب المتوسطية بوهران، وكان هناك لقاء آخر جمع القائدين في نوفمبر الماضي، بمناسبة حضور الرئيس تبون حفل افتتاح كأس العالم بقطر.
كما التقى الرئيس تبون عددا من الزعماء العرب خلال افتتاح كأس العالم بقطر ومنهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والعاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، الذي كانت له زيارة للجزائر في اليومين الماضيين، إذ أجرى مشاورات موسعة مع الرئيس تبون، إضافة إلى اللقاءات التي جمعت رئيس الجمهورية مع القادة العرب بمصر خلال قمة المناخ في نوفمبر الماضي.

القمة العربية.. لمّ الشمل والدفع بالشراكات العربية
وقد كانت القمة العربية في دورتها الـ31، التي انعقدت في الجزائر مطلع نوفمبر الماضي، من بين أهم المحطات التي أبرزت دور الجزائر في المنطقة العربية وثقلها، وشكلت فرصة للجزائر لإعادة توحيد الصف العربي والتركيز على القضايا التي تهم الأمة وفرصة للترويج للنظرة الجزائرية الجديدة، حيث ضم “إعلان الجزائر” العديد من الملفات التي لم تتوقف عند الوضع الداخلي للبيت العربي، بل شملت ملف إصلاح الجامعة العربية بتبني مقترحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الرامية إلى تفعيل دور جامعة الدول العربية وتعزيز مكانة الشباب والابتكار في العمل العربي المشترك وتكريس مبدأ انفتاح منظومة العمل العربي المشترك على المجتمع المدني.
كما أن القمة العربية تطرقت وبإسهاب كبير للشق الاقتصادي، حيث دعت إلى الالتزام بمضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية وللفرص الثمينة التي تتيحها، بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيدًا لإقامة الاتحاد الجمركي العربي.
وأكدت على أهمية تضافر الجهود من أجل تعزيز القدرات العربية الجماعية في مجال الاستجابة للتحديات المطروحة على الأمن الغذائي والصحي والطاقة ومواجهة التغيرات المناخية، وضرورة تطوير آليات التعاون لمؤسسة العمل العربي في هذه المجالات.

استثمارات وشراكات جزائرية-عربية واعدة
تحولت الجزائر إلى قطب جاذب للاستثمارات العربية وشريك اقتصادي مهم بالمنطقة العربية، واحتلت الجزائر هذه المكانة بفضل التوجه الاقتصادي الجديد ورغبتها الكبيرة في تنويع الشركاء والانفتاح أكثر نحو المنطقة العربية لعدة اعتبارات، فبالنسبة للشراكات والاستثمارات مع دولة قطر امتدت إلى قطاعات استراتيجية متعددة، كصناعة الحديد والصلب، قطاع الاتصالات، بناء مستشفيات، إضافة إلى وجود اهتمام من قبل رجال الأعمال القطريين باستكشاف فرص الإستثمار المتاحة في الجزائر، من خلال إنشاء شراكات وتحالفات تجارية بالبلدين، كما أن هناك رغبة مشتركة لدى ممثلي القطاع الخاص في البلدين لتعزيز التعاون وتهيئة المناخ الملائم، لتعزيز الاستثمارات المتبادلة التي تدعم التجارة البينية.
أما عن الشراكات الجزائرية الكويتية فتشمل مجال البنوك، ويتطلع البلدان إلى توسيعها لمجالات الزراعة والصناعة الصيدلانية والسياحة، أما الشراكات الجزائرية الأردنية فهي مميزة جدا في مجال الصناعة الصيدلانية، إذ استثمرت الكثير من الشركات الأردنية مباشرة في سوق الدواء بالجزائر، إضافة إلى العديد من الاستثمارات مع دول عربية أخرى كالسعودية، حيث وقعت على عدة اتفاقات استثمار لاسيما في الصناعة الكيميائية والصيدلانية والصناعة الغذائية، وكذا استثمارات مع الإمارات العربية المتحدة، حيث توجد نحو 15 مؤسسة إماراتية ناشطة في الجزائر، كما يؤكد مشروع مصفاة الألمنيوم الواقع ببني صاف بقيمة 5 مليارات دولار ومشروع إنتاج الحليب بتيارت ومشروع إنجاز محطة كهربائية (بقيمة 1 مليار دولار التوجه الجديد للإستثمارات الإماراتية بالجزائر.

المحلل السياسي، عبد القادر سوفي:
“التحولات الجديدة جعلت الجزائر قطبا جاذبا للفواعل العربية”
اعتبر المحلل السياسي، عبد القادر سوفي، أن التحولات الجديدة للسياسة الجزائرية جعلت منها قطبا جاذبا للفواعل العربية، كما أن مواقفها تجاه القضايا العربية غيرت الكثير من المفاهيم والقناعات.
ويرى سوفي أن “سياسات الجزائر الخارجية تجاه القضايا العربية أثرت على توجه علاقات الدول العربية إزاء العديد من القضايا”، وقدم مثالا حول مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث قال إن “الكثير من الدول التي كانت مؤهلة للذهاب نحو التطبيع تراجعت، وتلك المطبعة بدأت نظرتها تتغير تجاه هذه العلاقة بعد أن ثبت لها أن هذه العلاقات أتت بنتائج عكسية”.
وأضاف سوفي لـ”الجزائر” إن “بروز الجزائر بقوة وبصفة مفاجئة أتى بناء على مجموعة من المتغيرات الداخلية، أولا التحول في النظرة الداخلية بالنسبة لطبيعة العلاقات بين الحاكم والمحكوم، والتحول في طبيعة التوجه الاقتصادي وتفعيل الدبلوماسية بكل معطياتها، سواء كانت الدبلوماسية السياسية أو الاقتصادية أو الدينية”، واعتبر أن “هذه المسائل أعطت إضافة قوية”، إضافة إلى أن “الشراكات التي بنتها الجزائر هي شراكات ثابتة تبعث نحو الاستقرار والإستدامة”.
وأشار المحلل السياسي إلى القمة العربية في دورتها الـ31 التي انعقدت بالجزائر، حيث قال إنها “كانت نتاج العمل والحراك الدبلوماسي”، وأكد أن الدول العربية تنظر إلى الجزائر كقاطرة فعلية وليست دولة ندية أو دولة من الطراز الثالث أو تلك الدول من العالم الثالث التي تحاول أن تفلت بجلدها، إذ أن الجزائر تنتج الفعل والمحتوى وتقدر المجال الحيوي والعمق الإستراتيجي”. واعتبر سوفي أن الكثير من الدول العربية تبحث عن شراكات مع الجزائر.
ويرى المحلل السياسي ذاته أن “تغيير الجزائر لطبيعة نظرتها للعلاقات مع مختلف الدول نابع من براغماتية فبعد أن كانت علاقات الشراكة التي كانت تربط الجزائر بمختلف الدول وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وغيره غير مفيدة للجزائر ولا تصب في مصلحتها، أصبحت هناك نظرة مغايرة وبراغماتية في صناعات القرارات السياسية والاقتصادية والتجارية، لتجمع بين الأبعاد الثلاثة وهي الدبلوماسية، التنمية والبعد الأمني”.
وعن النظرة الجديدة للجزائر في علاقتها مع الدول العربية، يرى سوفي أن الجزائر تنظر للقدرات الهائلة للدول العربية وكيف يمكن تفعليها لصالح العرب، وجعل هذه البلدان قوة اقتصادية كبيرة تنافس كبريات الاقتصادات، لاسيما أن المنطقة العربية تسيطر على ممرات تجارية ولديها سيولة مالية، وتكتنز 70 بالمائة من احتياطات الموارد الطبيعية الموجودة في العالم، وهذا ما يؤهلها لأن تكون قوة اقتصادية كبيرة، غير أنه شدد على ضرورة أن يكون هناك اندماج عربي من خلال رفع حجم التجارة البينية، إعطاء الأولية للمنتوج العربي على الأجنبي.

أستاذ الاقتصاد، عبد الطيف بلغرسة:
“التوجه الإقتصادي للجزائر دفعها لتنويع الشركاء”
يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة عنابة، عبد الطيف بلغرسة، أن الجزائر حاليا تعمل على إعادة ربط علاقات اقتصادية وشراكة قوية مع الدول العربية بعدما تراجعت هذه العلاقات في فترات التسعينيات وبداية الألفية، لعدة أسباب إضافة إلى الفترات الصعبة التي مر بها عدد من الدول العربية والتي يطلق عليها بفترة “الربيع العربي”.
وأضاف بلغرسة في حديثه مع “الجزائر” أنه “بعد استقرار وضع أغلب الدول العربية أعادت الجزائر ربط هذه العلاقات خاصة في الجانب الاقتصادي، وهذا لعدة اعتبارات: أولا بالنظر للتوجه الاقتصادي للجزائر والذي يبحث عن تنويع الاستثمارات وتنويع الاقتصاد، فتوجهت نحو العديد من الدول العربية، لاسيما منها دول الخليج، حيث بنت استثمارات ضخمة مع قطر في قطاعات إستراتيجية كصناعة الحديد، إضافة إلى استثمارات أخرى مرتقبة مع عدد من دول الخليج في مجال البنوك والسياحة والصناعات التحويلية”.
وأشار بلغرسة إلى أن توجه الجزائر لخلق شراكات اقتصادية مع البلدان العربية يقوم على مبدأ الدخول في شراكة مع كل بلد عربي ضمن المجال الذي يتميز به، حيث أوضح أن لكل بلد عربي ميزة تنافسية في مجال أو عدة مجالات بعينها.
وقدم أمثلة في ذلك بالمملكة الأردنية التي لها ميزة في صناعة الأدوية والتكنولوجيا ومستوى الجامعات الأردنية والسياحة، وتونس لها ميزة تفضيلية في الزيوت والسياحة، والسعودية وقطر في مجال النفط والغاز وصناعة الحديد والصلب، والكويت في مجال البنوك، والسودان في المجال الزراعي والفلاحي خاصة منها تربية المواشي واللحوم الحمراء.
وأكد الخبير الاقتصادي ذاته أن الجزائر تنظر للدول العربية بنظرة خاصة، وتعمل على خلق شراكات تعود بالمنفعة على كلا الطرفين، والذي يمكن للجزائر أن تستفيد منه من خلال هذه الشراكة أو عن طريق بعث استثمارات جزائرية بالدول العربية في المجالات التي تتفوق فيها الجزائر، والتي تكون الدولة العربية المستضيفة للاستثمار بحاجة للخبرة الجزائرية، وفي جميع الحالات تعد هذه الشراكات بحسب بلغرسة “مفيدة” للإقتصاد الوطني.
رزيقة. خ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super