تعكس وثيقة مشروع ميثاق اقتصاد الماء, الذي سيعرض على الحكومة بداية مايو المقبل, وضعا “مقلقا” لمستوى وفرة و نمط تسيير المورد المائي في الجزائر, بفعل التغيرات المناخية و وضعية الهياكل و التسربات و التبذير, ما يجعل انتهاج استراتيجية جديدة للتكيف مع هذه المتغيرات خلال السنوات المقبلة مسألة “مصيرية”.
و حسب وثيقة المشروع , التي تحصلت وكالة الأنباء الجزائرية على نسخة منها, فإنه من الضرورة القصوى إشراك كافة القطاعات والمؤسسات والمواطنين في التحضير لمراحل ستكون الأصعب من حيث التغيرات المناخية, خاصة و أن التقديرات العلمية تشير الى الارتفاع المحتمل للمعدلات السنوية لحرارة الهواء ما بين +2 درجة مئوية و3 درجة مئوية مقابل الانخفاض في معدل التساقط و تدفقات الاودية وتعبئة وتجديد المياه الجوفية.
وتم إطلاق “مشروع ميثاق اقتصاد المياه” من طرف وزارة الموارد المائية وعرضه في إطار مشاورات موسعة مع جميع القطاعات والهيئات العمومية والمؤسسات و الجمعيات و المستهلكين, قصد تحديد الاسباب و الحلول المقترحة للحفاظ على موارد المياه و الذي يعد “مسؤولية الجميع” , حسبما أفاد به وزير الموارد المائية مصطفى كمال ميهوبي في مقدمة مشروع الميثاق.
وتؤكد الدراسات المنجزة بالجزائر, حسب نفس الوثيقة, أن معدلات التساقط تعرف عجزا كبيرا مقارنة بالسنوات السابقة بنسبة تبلغ 20 بالمائة (13 بالمائة في مناطق الغرب و 12 بالمائة في المناطق الوسطى والشرقية), بالموازاة مع انخفاض مستوى تدفقات الاودية ومساهمات السدود والحواجز المائية وتوجيه كميات كبيرة من المياه السطحية للري الفلاحي مما سيؤثر بشكل واضح على الاستخدامات الحالية.
ومن شأن هذه الوضعية أن تضاعف من حجم الضغط الممارس على المياه الجوفية والتي تعاني أصلا من الاستغلال المفرط, و الذي زاد من حدته انخفاض مستويات تعبئة هذه المياه نتيجة التغيرات المناخية.
ويستهدف ميثاق اقتصاد الماء الحفاظ على هذا المورد من خلال وضعه في صدارة كل مشاريع التهيئة المستدامة للإقليم ومكافحة كل اشكال التلوث والتبذير الى جانب تطوير ثقافة الاقتصاد في الماء عبر انظمة ووسائل مبتكرة تعتمد على التصميم البيئي على غرار البناء و الحنفيات والتجهيزات المقتصدة والتكنولوجيات المقتصدة, وتقييم مستويات الاستهلاك, التي تتدعم جميعها بمخطط اتصالي وتحسيسي يهدف أساسا للحفاظ على الماء.
وقدرت احتياطات الجزائر من مورد المياه خلال 2020, حسب الوثيقة, ب 2ر18 مليار متر مكعب, تم حشد منها ازيد من 41ر11 مليار متر مكعب لتزويد مختلف مستعملي الماء بنسبة تعادل 86 بالمائة من الامكانات المتاحة.
وبالمقابل انخفض معدل التساقط مقارنة بالسنوات الخمس الماضية بنسبة 20المائة, فيما عرفت السنة الهيدرولوجية 2019 -2020 عجزا في التساقط يقدر ب 30 بالمائة مقارنة بالسنة السابقة لها (2018 -2019 ).
ويشير البنك الدولي في تقاريره السنوية حول ضياع المياه إلى أن الدول السائرة في طريق النمو تفقد ما نسبته 40 إلى 50 بالمائة من المياه المنتجة في شبكات التوزيع بطرق مختلفة, وهو ما يعتبره مشروع الميثاق “وضعية خطيرة” .
2 مليار م3 مياه مسربة من قنوات التوزيع
وقدرت امكانات الجزائر من الموارد المائية المتجددة سنة 2020 ب 450 متر مكعب / السنة /مواطن, ما يجعل الجزائر بلدا “فقيرا من حيث المورد المائي” وهو ما وصفته وثيقة المشروع ب ” الوضع الأقرب إلى الأزمة” .
و يتعرض المورد المائي إلى الضياع نتيجة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية والتسربات المسجلة في قنوات توزيع مياه الشرب والتبذير في استعمال الماء الى جانب التلوث وتأثير التغيرات المناخية.
و يتم لحد الآن دراسة وتحليل الخسائر المادية للتمكن من تقييم نسب التسربات في قنوات التوزيع بالجزائر, حسب مشروع الميثاق, الذي اشار الى اعتماد نسب تتراوح بين 30 إلى 50 بالمائة كنسب التسرب في قنوات التوزيع في سياسات التخطيط.
وتم خلال سنة 2020 تخصيص 06ر4 مليار متر مكعب من المياه لتغطية الطلب على مياه الشرب مقابل حجم مياه مسربة من قنوات التوزيع تتراوح بين 22ر1 مليار متر مكعب إلى 03ر2 مليار متر مكعب, حيث أن جزء منها يمكن استرجاعه.
وتجاوز معدل استخراج واستعمال المياه في العديد من الطبقات الجوفية الكبرى للمياه في البلاد معدل تجددها, مما ترتب عليه “تملح ” المورد المائي , وتعريض استعمال هذا المورد “للخطر” مستقبلا.و لمواجهة هذه الوضعية يقترح مشروع ميثاق اقتصاد الماء التوجهات التي يجب اتباعها والأهداف المرجوة والتصرفات التي يجب تبنيها لتحسين وترشيد تسيير واستخدام الماء عبر كل ربوع الوطن بهدف الاقتصاد في الماء والحفاظ على نوعيته, من خلال مقاربة تطوعية لكل الفاعلين تصب في مجملها حول “حتمية” ترشيد استعماله وتأصيل تغيير التصرفات والسلوكيات السلبية اتجاهه.
وأج