تشهد التعاملات التجارية تراجعا كبيرا في سنة كاملة، ما يهدد بغلق العديد من المصانع بسبب عدم قدرتها على تسويق منتجاتها، كما أن هذا الوضع يهدد أيضا بتخلي الكثير من التجار عن تجارتهم وغلق محلاتهم أو تغيير نشاطهم، والأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية كثيرة منها ما هو متعلق بالوضع السياسي، ومنه ما تعلق بالوضعية الاقتصادية للبلاد من تدني القدرة الشرائية و تراجع قيمة الدينار، ما يستدعي حسب الخبراء وضع استراتيجية اقتصادية واضحة وواقعية.
تعرف حركة البيع والشراء ركودا كبيرا منذ أشهر ولا تزال مستمرة إلى اليوم، فلا زبائن يشترون ولا حركية للمعاملات التجارية، وهو حال أغلب المعاملات التجارية في معظم المجالات وفي كل ولايات الوطن، ومن المصانع إلى تجار الجملة إلى التجار الصغار، الجميع يشتكي من الركود التجاري والاقتصادي، فلا زبائن يشترون ولا بضائع تسوق ولا نشاط في الأسواق و المحلات كما جرت عليه العادة، فالمتجول بهذه الأخيرة يدرك حجم التراجع المسجل في الحركية التجارية، وقد تسبب ذلك في خسائر كبيرة للتجار وحتى المصانع التي وجد عدد كبير منها نفسه مهدد بالغلق نتيجة كساد السلع وعدم قدرته على تسويقها نظرا لانعدام زبائن وانخفاض نسبة الاستهلاك، كما أن عددا كبيرا من التجار متخوفون من أن يكون مصير محلاتهم الغلق، حيث أكدوا في عدد كبير من ولايات الوطن أنهم ورغم محاولاتهم إنقاذ الوضع بتخفيض الأسعار حتى إلى نصف قيمتها، إلا أن هذه التدابير لم تنفع، وآخرون أكدوا لـ”الجزائر”، أنهم اضطروا إلى تسويق سلعتهم بأسعار مخفضة للغاية تصل أحيانا نسبة التخفيضات إلى 70 بالمائة في خطوة تسبق غلق المحلات وتغيير النشاط بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدوها.
والأسوأ أن هذا الوضع لا يمس نشاط بحد ذاته فقط، بل مس جميع النشاطات، من مصانع وتجار المواد الغذائية، إلى تجار الملابس والأحذية، إلى تجار الأجهزة الالكترومنزلية إلى تجار السيارات، كما أنه لم يقتصر على مناطق دون مناطق أخرى من الوطن، إنما هو تراجع شامل في كل ولايات الوطن.
ويرى مختصون أن لهذه الوضعية أسباب قوية، منها ما تعلق بالوضع السياسي العام في البلاد، ومنها ما تعلق بالوضع الاقتصادي وتدني القدرة الشرائية للمواطن.
فريد بن يحيى: “غياب الرؤية الاقتصادية وانهيار القدرة الشرائية سببا الركود التجاري”
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى في تصريح لـ”الجزائر”، أن هذا الكود التجاري والاقتصادي المسجل له أسبابه منها انهيار القدرة الشرائية للمواطن، وانخفاض قيمة الدينار إلى 24 بالمائة، مشيرا إلى أن هذا الأخير تسبب في تراجع القدرة الشرائية إلى 50 بالمائة، وقال إنه إذا “ما قمنا بمقارنة بين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ونظيره في أي بلد عربي أو من إفريقيا نجد أنها الأضعف”، حيث أشار إلى أن متوسط الأجر في الجزائر هو 286 دولار بينما في الأردن يزيد عن 1600 دولار، وحتى في فلسطين فمتوسط الأجر يبقى أفضل من الجزائر حيث يقدر بـ 680 دولار، أما في الإمارات و السعودية 8 آلاف بالنسبة للسعودية وأكثر من 3 آلاف بالإمارات، وشدد الخبير على ضرورة التوجه إلى “إعادة سياسة النقد من خلال طبع نقود جديدة لإعادة التوازن المالي”.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن الركود المسجل في المجال الاقتصادي ككل ناتج عن غياب عن نظرة اقتصادية واضحة وجدية وواقعية، و اعتبر أن مخطط عمل الحكومة لا يزال يفتقر إلى توضيح ووضع الآليات لأنه الآن “مجرد خطوط عريضة”.
مصطفى زبدي: “المعاملات التجارية قد تعرف نشاطا تدريجيا الأشهر القادمة”
من جانبه، قال رئيس منظمة حماية المستهلك مصطفى زبدي، في تصريح لـ”الجزائر”، أنه منذ السنة الماضية، “طرحت المنظمة مشكل تراجع المعاملات التجارية والركود الاقتصادي، وتخوف الكثير من المتعاملين الاقتصاديين من الخسائر والأضرار التي قد تلحقهم جراء ذلك”، وأضاف أن الوضع السياسي الذي ساد منذ بداية الحراك في فيفري2019، وباعتبار الفترة الحالية امتداد لتلك المرحلة، فقد أثر على تراجع نسبة الاستهلاك وتراجع أيضا في القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي تم تسجيل تراجع في المعاملات التجارية، غير أن زبدي أكد أن هذا الوضع “لن يطول وقد يكون هناك انفراج تدريجي مع تحسن الوضع السياسي، وإذا كانت هناك إجراءات سريعة من قبل الحكومة ضمن مخططها لخفض التضخم والعمل على استقرار الأسعار ورفع أجور العمال والموظفين”.
الحاج الطاهر بولنوار: “الوضع السياسي وكورونا تسببا في تراجع النشاط التجاري”
أكد رئيس جمعية التجار والحرفيين الجزائريين الحاج الطاهر بولنوار، أنه “تم بالفعل ومنذ أشهر انحصار وتراجع في النشاط التجاري بسبب الاضطراب السياسي الذي عاشته البلاد، إضافة إلى تراجع الاستيراد وخاصة من الصين بسبب انتشار مرض كورونا، إضافة إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين”، غير أنه اعتبر أن هذه المرحلة “سيتم تجاوزها في الشهرين القادمين وأنه لا خوف على نشاط التجار كما أنه لا خوف على التموين في الأسواق و المحلات”، تفاءل بولنوار بعودة تحسن نسبة الاستهلاك خلال شهر رمضان خصوصا مع الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة وعلى رأسها تلك التي اتخذتها وزارة التجارة والمتعلقة بـ”البيع الترويجي” والذي من شأنه أن يساهم في تسويق المنتجات التي قد تكون قد تكدست في فترة معينة لدى التجار وبأسعار تناسب المواطنين.
رزيقة.خ