لماذا التضارب في التصريحات حول رفع سياسة الدعم من عدمه بين وزير المالية عبد الرحمن راوية وزميله في الحكومة وزير الداخلية نور الدين بدوي ؟
هذه ليست أول مرة نشهد فيها تضارب في التصريحات بين وزراء الحكومة الواحدة. حيث سبق أن شهدنا تناقضا في القرارات بين وزير ووزير آخر وإذا حاولنا إعطاء قراءة لهذا التضارب فإنه يرجع إلى عدم وجود تنسيق بين وزراء الحكومات المتعاقبة. إضافة إلى عدم وجود تصور وإستراتيجية للجهاز التنفيذي حيث أن كل وزير يقوم بعمله لوحده في ظل حكومة تشتغل بدون مشروع ومن دون مخطط واضح وحتى بدون ورقة طريق.
ما تقوله كلام خطير، كيف لحكومة تم الموافقة على مخططها من طرف البرلمان بغرفتيه لا تملك مخطط عمل كما تقول ؟
كلامي حقيقة موجودة على الميدان، فلو كان للحكومة مخطط واضح ستكون هناك توجهات موحدة بين الوزراء ولا نسمع هذه التصريحات المعاكسة لبعضها البعض. ما يمكن أن أقوله هو أن الجهاز التنفيذي اليوم، ظهر بأنه لا يملك برنامج عمل وغير ممتلك لرؤية استشرافية. ونحن نشهد وزراء كل واحد منهم يقدم رؤيته لحل الأزمة وكأنه كل وزير يسير قطاعه بمخطط أحادي.
في رأيك ما هو مكمن خلل التنسيق الحكومي ؟
السبب واضح ويتمثل في أننا لا نمتلك اقتصاد، كل ما لدينا هو شبه اقتصاد مبني على ثروة واحدة مركزة في المحروقات. هذه الثروة قدمت لنا في السابق بحبوحة مالية سمحت لنا في صرفها في مشاريع اجتماعية لكن عندما انخفضت المداخيل جراء تهاوي سعر برميل النفط دخلت الحكومة في صراع داخلي متعلق بآليات مواجهة وتسيير الأزمة. ومخطط عمل الحكومة الحالية هو عبارة على ورقة لتسيير الأزمة فقط، يمكن أن أصفه بـ ” البريكولاج ” ويمكنني القول أن كل القرارات على الأقل المتخذة منذ ثلاثة سنوات على المستوى الحكومي قدمت لامتصاص الأزمة من خلال ضبط الواردات وتخفيض النفقات ولكنها فشلت في النهاية. لأن العجز في الميزان التجاري والمدفوعات يتفاقم سنويا. في ظل غياب مخطط واضح يهدف إلى بناء اقتصاد حقيقي سنشهد المزيد من هفوات أعضاء الحكومة. والحل في رأيي ليس في تعديل حكومي لأن أي حكومة ستعين في ظل هذا المنهج لن تخرج عن عمل سابقاتها.
هل لوزير المالية عبد الرحمن راوية صلاحيات تخول له الحديث عن رفع الدعم الحكومي للمواد الأساسية ؟
القرار الذي أفصح عليه وزير المالية يكون من الضروري اتخاذه في مجلس وزاري برئاسة رئيس الجمهورية، ولم أفهم ما الذي دفع عبد الرحمن راوية لإطلاق هذه التصريحات خارج البلاد ( أطلقها في اجتماع بين وزراء المالية العرب وصندوق النقد الدولي بدبي بحر هذا الأسبوع )، على الأقل كان من واجبه الإشارة إلى الأمر من الجزائر خاصة أن الموضوع لديه علاقة بالقدرة الشرائية للمواطن وباستطاعته خلق اضطرابات اجتماعية كبيرة. ولا بد من توجيه السؤال للوزير راوية شخصيا.
والسؤال الذي نطرحه أيضا هل تم تدارس مشروع رفع الدعم الاجتماعي في مجلس حكومي أم أنه قرار أحادي الجانب ؟
. أم أن لديه ورقة طريق لوقف العجز في الميزانية من خلال رفع الدعم الحكومي الذي يكلف حوالي 17 مليار دولار سنويا في ظل عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات ؟.
كان لا بد من معالجة هذه المسألة في إطار وزاري وبعد الموافقة على الخطة يتم تطبيق القرار تدريجيا لكن كما قلت سابقا هناك خلل في التنسيق الحكومي في ظل غياب ورقة طريق واضحة واستراتيجية عمل لدى الحكومة. خاصة أن العمل الحكومي الجيد هو الذي يأتي في ظل تنسيق دقيق لعمل جميع القطاعات الوزارية.
هل حسبكم ستتجه الحكومة لتنفيذ خطة الرفع التدريجي للدعم خلال سنة 2019 خاصة أن هذه السنة تشهد موعد سياسي مهم وهو الانتخابات الرئاسية ؟
لا أعتقد أن الحكومة ستغامر لتنفيذ قرار مثل هذا قبل أفريل 2019. وأظن أن كل ما له علاقة بالجبهة الاجتماعية سيتم تأجيله لما بعد هذا الموعد الانتخابي. ويتم تسيير المرحلة بما هو متوفر من ميزان الصرف. ولا بد من الإشارة إلى أنني من الداعيين إلى تطبيق ” دعم مستهدف ” يكون موجه إلى الجزائريين من أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط وكذلك فإن رفع الدعم التدريجي لا بد أن يتبعه إعادة النظر في سلم الأجور. رفع الأجور ليست صدقة وإنما إلزامية اقتصادية دافعنا عليها. وعلى الحكومة أن تعمل على رفع القدرة الشرائية للمواطن وإيجاد بدائل لتحصيل الأموال ليس على حساب المواطنين من خلال الرفع من قيمة الضرائب وتقليص الدعم. أنا شخصيا من الداعيين إلى وضع ميكانزمات أخرى قبل مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي ويكون رفع الدعم بطريقة تدريجية ووفق دراسة شاملة ومخطط لامتصاص آثاره وانعكاساته على الجبهة الاجتماعية. ما يمكن قوله أن هذا المخطط ليس بالسهل لأنه عبارة على ورشة كبيرة لا بد أن تتعامل معها الحكومة بذكاء خاصة أن الوضع المالي للدولة أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين.
حاوره : إسلام كعبش