يحمل ملف الحدود أهمية قصوى بالنسبة للسلطات في الجزائر، فبالرغم من الحدود المغلقة منذ أزيد من عشرين سنة مع الجارة المغرب، تبقى الحدود الشاسعة الأخرى مع بقية الدول الجارة تحمل صداعا مستمرا للحكومة بالنظر إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة وراءها خاصة في كل من ليبيا والنيجر ومالي مع انتعاش الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.
لا زالت الجزائر تتبنى نفس المقاربات بخصوص قضية فتح الحدود بصفة كاملة مع جيرانها بالأساس الجارة الغربية المغرب، حيث أكد وزير الخارجية عبد القادر مساهل في تصريحات صحفية على هامش الجامعة الصيفية لمنتدى المؤسسات ” الأفسيو “أن ” الأمن الجزائري قبل كل شيء “، ردا على سؤال يتعلق بالحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب، مشيرا إلى أن ” هذا الملف صعب جدا بالنظر إلى نشاط مجموعات التهريب وبخاصة تهريب المخدرات “. ورد وزير الخارجية على الانشغالات التي يطرحها رجال الأعمال والمصدرون بخصوص المعابر الحدودية المغلقة مع عدد من دول الجوار، مرجعا ذلك إلى ” أسباب أمنية، تقابلها تهديدات وصعوبات “، ومضيفا أنها ” تجعل الدولة تتعامل مع هذا الملف باعتبار أن الأمن الوطني يأتي قبل كل شيء “. وأضاف مساهل، قائلا إن “مشكل فتح الحدود مرتبط بعدة عوامل منها الجانب الأمني والهجرة غير الشرعية “، وموضحا أن “هناك عدة تحديات ينبغي رفعها في هذا المجال وعدة تهديدات وصعوبات تدفع إلى تسبيق أمن البلد “. كما أشار الوزير الذي يقود الدبلوماسية الجزائرية إلى أن الأوضاع على الشريط الحدودي ” ليست بالبساطة التي يتصورها البعض “. وفي هذا السياق، قال عبد القادر مساهل إن موريتانيا “هي الدولة الجارة الوحيدة التي لا يربطها بالجزائر مركز حدودي”، مؤكدا أنه سيتم ” لأول مرة فتح مركز حدودي على مستوى منطقة تندوف وذلك في سبيل ولوج السوق الموريتانية والسنغالية وكذا إفريقيا الغربية “.
وبخصوص إغلاق المعابر الحدودية الجنوبية مع كل من النيجر ومالي، قال مساهل إن ” الظروف الأمنية دفعت إلى هكذا قرار خصوصا مع تعاظم تجارة البشر والتهريب عبر الحدود “، لافتا إلى أن ” فتح معبر على الحدود الموريتانية سيساهم في تنشيط التجارة بين المستثمرين ودول أخرى مثل السينغال “. ودعا مساهل المستثمرين الجزائريين إلى الترويج للجزائر دبلوماسيا كوجهة بلد مستقر ومنفتح على المستثمرين الأجانب، وخصوصا في مجال السياحة وغيرها من القطاعات ، وفي هذا السياق، ذكر الوزير ان وزارة الخارجية وضعت أهم أولوياتها الدبلوماسية الاقتصادية، وهي تعمل على مراجعة المنظومة القانونية الخاصة بالاستثمار وضمان مصالح الشركات الجزائرية أثناء إبرامها للاتفاقيات مع الأجانب “.
في نفس السياق، سبق أن ذكر ” معهد واشنطن للدراسات الإستراتيجية ” في دراسة له حول الجزائر وجوارها الإقليمي أن انعدام الاستقرار الأمني في الحدود الجنوبية والشرقية الجزائرية ” عمق من التهديد الإرهابي وباقي التهديدات اللانمطية مثل تهريب الأسلحة والمخدرات والإرهاب والهجرة غير الشرعية “. مضيفا أنه ” والأخطر من ذلك هو اتحاد جماعات التهريب والجماعات الإرهابية، حيث أنه ووعيا منها بأن الظاهرة لا يمكن مكافحتها بشكل منفرد، كان لزاما على الجزائر أن تنتهج مقاربة متعددة الأطراف من خلال ترتيبات ثنائية بينها وبين ليبيا وتونس، حيث تتعاون مع ليبيا في مجال إعادة بناء جهازها الأمني ورفض التعامل مع الميليشيات وتنسيق عمليات مع القوات التونسية على حدودها الشرقية في حين رفضت الجزائر أي مشاركة مع الميليشيات الليبية “، وأبرزت ذات الدراسة أن التدخلات العسكرية أدت إلى ” وجود دول فاشلة مجاورة للجزائر وتهدد أمنها، هذا الهاجس الأمني دفع بالجزائر إلى اتخاذ إجراءات لحماية حدودها وهو ما تطلب رفع ميزانية الدفاع والأمن إلى 20 مليار دولار للعام 2014 مقابل 15 مليار دولار في 2013. هذه الميزانية الضخمة الموجهة للدفاع وتحديث منظومة السلاح وإن كانت طبيعية بالنظر إلى التحديات الجديدة، وخروج الجزائر من حصار مفروض غير معلن، تنظر إليها دول أخرى على أنها موجهة ضدها “.
ومن جهته، اعتبر أكرم خريف الخبير المختص في الشؤون الأمنية أن قرار غلق الحدود مؤقتا الذي تتبناه الجزائر لمواجهة الأوضاع الأمنية المتدهورة في الجوار ” قرار سيؤثر علينا اقتصاديا مع الوقت “، مشيرا في اتصال مع ” الجزائر ” أنه ” خيار حسن لمدة معينة لكنه ليس دائم “، مشددا على أن الغلق الدائم ” يؤدي إلى الركود الاقتصادي “، وأبرز كريم خريف أن ” الإستقرار الإقتصادي هو الأهم “.
إسلام كعبش