يبدو أن عصر التوتر السياسي قد ولى بين الجزائر والمغرب، باستعداد الطرفين للدخول في مواجهات اقتصادية أغلب معاركها حول أسواق القارة الإفريقية بعد أن اقتنع كل منهما بضرورة تنويع اقتصاده، بفعل المتغيرات العالمية.
يدور سباق غير معلن بين الجزائر والمغرب من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية ويراقب كل منهما الثاني عن كثب حيث أن كل استثمار يستقطبه أحدهما، يتابع بانتباه شديد في الطرف الثاني، وذلك بعد أن اقتنع كل منهما بضرورة تنويع اقتصاده ، فالصراع العسكري القديم قد ولى، ليحل محله صراع اقتصادي محض، وذك بفعل المتغيرات التي تدور في الساحة العالمية ومستجداتها والتي يلعب فيها الاقتصاد ولغة المال والأعمال دورا بارزا في تغليب كفة دول على حساب أخرى.
وتسعى الجزائر إلى فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية بعد تراجع إيرادات النفط، الذي يشكل المصدر الأول لإيرادات الدولة، وهو ما خلف صعوبات اقتصادية ومالية.
رهان على الأسواق الإفريقية
وتجد الجزائر نفسها متأخرة في التحرك في أسواق القارة السمراء لتضمن لنفسها مواطئ قدم فيها، فكان اختيار المنطقة الافريقية مهما، في استقطاب عدة دول نظريا في انتظار الجوانب العملية، ولعل أهم خطوة في هذا التكتيك هو منتدى الاستثمار الإفريقي الدولي الذي جاء كنتيجة لرغبة من الدولة في تغيير النمط الاقتصادي للبلاد بفتح باب الاستثمار الاجنبي وتشجيعه، وشارك في المنتدى خلالها أكثر من 2000 متعامل اقتصادي العام الفارط، واعتبرته الجزائر رهانا للإلقاء بكامل ثقلها الاقتصادي في أسواق إفريقيا مع تحول الأنظار إلى جهات أخرى .
وتسابق الجزائر الزمن للتقرب من السوق المشتركة لإفريقيا الشرقية والجنوبية، مع إمكانية فتح منطقة حرة للتبادل التجاري مع افريقيا.
كما تحاول أن تتفاوض حول اتفاقيات تجارية مع مالي والنيجر وكذا مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وتقود هذه الاستراتيجية شركات جزائرية رائدة في مجالاتها، حيث فتحت مفاوضات رسمية لنقل استثمارات جزائرية لشركات عمومية مثل سونالغاز، اتصالات الجزائر، الخطوط الجوية الجزائرية للدول الافريقية، إضافة إلى استثمارات شركة سوناطراك، المتواجدة في كل من النيجر، تشاد، موزمبيق، ليبيا وزمبابوي. والحال نفسه ينطبق على القطاع الخاص مثل مجمع سيفيتال ورائد التكنولوجيا كوندور.
وتعول الجزائر على بنى تحتية كبيرة في مقدمتها الطريق العابر للصحراء الرابط بين الجزائر ولاغوس الممتد على طول 9400 كلم، وهو المشروع الذي يجسد التكامل الافريقي بربطه بين سبعة دول افريقية هي الجزائر، مالي، تونس، تشاد، نيجيريا، بوركينا فاصو والنيجر .
ومشروع أنبوب غاز غرب أفريقيا، الذي يمتد من نيجيريا إلى الجزائر مرورا بالعديد من دول غرب أفريقيا سينقل الغاز إلى أوروبا.
المغرب يحرز التقدم الأكبر
تمكن المغرب على الصعيد الاقتصادي من الزحف في القارة الإفريقية، بامتلاك استثمارات ضخمة في عدد من الدول على رأسها كوت ديفوار، غانا، السنغال، رواندا، نيجيريا وإثيوبيا..
ويطمح هدا البلد الجار إلى الحصول على موطئ قدم في تصنيع وتصدير قطاعات معينة، والأكيد أن المغرب لا يتحرك بدون استشارة من مستشاري الملك من اليهود، فالمتابع لنوعية خريطة تواجد المملكة داخل القارة يعكس العمل الذي يقوم به مستشارو الملك، فبلدان كنيجيريا وإثيوبيا وكوت ديفوار لا تمثل انعكاسا اقتصاديا فقط، فهي دول لها بعدها التاريخي والحضاري ولها رمزيتها.
وأعلنت المغرب مند ايام عن افتتاح مدينة صينية تحتضن نحو 200 شركة صناعية، باستثمارات تقدر بنحو 10 مليارات دولار.
كما تمكن المغرب من استقطاب شركات “بوينغ” الأميركية و”بيجو” و”رونو” الفرنسيتين لصناعة السيارات، ما جعله يستحوذ على الحصة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية بدول المغرب العربي في الأعوام الثلاثة الأخيرة .
وتتوقع وزارة الصناعة والتجارة والاستثمارات المغربية، أنه بالإمكان إنتاج مليون سيارة بحلول عام 2020، وتوفير 160 ألف فرصة عمل..
كما سعى المغرب إلى جذب شركة فولكسفاغن الألمانية، حيث حضر مسؤولون بالشركة إلى المملكة من أجل التعرف إلى فرص الاستثمار، غير أن الجزائر تمكنت من استقطاب الشركة، بهدف تجميع السيارات بطاقة إنتاجية تصل إلى 100 ألف سيارة في العام الحالي
وعمدت كذلك الشركة الجزائرية للسيارات إلى إطلاق مشروع لتركيب السيارات بولاية تيارت، مع المجموعة الكورية “هيونداي. ”
وقبل ذلك كانت “رونو” الفرنسية قد أطلقت مشروعاً لتركيب السيارات في وادي تليلات بولاية وهران، غير أن المركبات المنتجة فيه موجهة فقط للسوق المحلية.
الحسابات الإقتصادية تتجاوز السياسة
قال الدكتور بشير مصطفى ، خبير السياسة الاقتصادية، أن ما يفرق المغرب عن الجزائر في السياسة الاقتصادية هو أن المغرب اعتمد على نموذج النمو المتعدد القطاعات، ونجح في فك ارتباطه بالفوسفات حيث وجه اهتمامه نحو المزايا التنافسية في الخدمات والسياحة، ثم فتح قطاعات السيارات والصيد البحري والسياحة والفلاحة.
واضاف الخبير الاقتصادي ان المغرب شجع على الاستثمار المحلي الذي جلب الاستثمار الأجنبي، فالاستثمارات الوطنية هي القاعدة والأصل وليست نتيجة.
أما في الجزائر فقد اعتمدت سياسة مبنية على قطاعين مند الاستقلال، وهي مخالفة تماما للنموذج المغربي الذي اثبت نجاعته وفعالياته.
واعتمدت الجزائر على قطاع الصناعات المصنعة، وقطاع المحروقات أو الاقتصاد الريعي ، لكن وبفعل تراجع أسعار النفط ، وفشل هذه السياسة تداركت الجزائر الأمر ووافق الرئيس خلال جويلية 2016 على تغيير النمط الاقتصادي وفتح باب للشراكات الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل، ومن المنتظر أن تثمر نتائج هدا التغيير في غضون 6 الى 8 سنوات المقبلة، ولعل اهم مثال على دلك الشراكة الفلاحية مع الامريكيين في ولاية البيض التي تبشر بمستقبل واعد للفلاحة في الولاية.
و انتقد بشير مصيطفى رأي الخبراء الدين يعتبرون أن قاعدة 49.51 التي تعتمدها الجزائر تعرقل تقدم الاستثمارات، مستدلا بالشروط والقيود التي تفرضها دول أخرى مثل دول الخليج.
وأضاف أن الشركات الامريكية والفرنسية والبريطانية لا تزال شريكا مهما للجزائر في مجال النفط ، على الرغم من الخضوع لنفس القاعدة الاقتصادية.
بينما أشارت دراسات اقتصادية حديثة إلى أن المحفزات المغربية تبدو أكثر إغراءًا للمستثمرين الأجانب، خاصة في ما يتعلق بحصص الملكية، وهي المتعلقة بقاعدة 49 بالمائة من رأسمال المشروع التي تعتبر حصة للأجنبي مقابل 51 بالمائة منها للدولة.
وانتقد رجال اقتصاد آخرون عدم استقرار البلاد سياسياً بعد مرض الرئيس، وهو ما جعل الأجانب يتخوفون من الوضع .
وانتقد خبراء آخرون في الجزائر النهج الاقتصادي معتبرين أن 60% من الاستثمارات الأجنبية في الجزائر لا يزال مقتصرا فقط على قطاع الخدمات، لا سيما اتصالات الهاتف النقال، فيما يبقى قطاعا الصناعة والزراعة الحلقة الأضعف.
وأجبر الهبوط المستمر لأسعار النفط في الجزائر خلال الفترة الأخيرة على تجميد مشاريع استثمارية هامة في الجزائر..
ودفعت هذه الظروف الحكومة إلى البحث عن بدائل لتنويع الاقتصاد، لكن الشركات الأجنبية تطالب بالعديد من التسهيلات في ما يتعلق بالتملك وتحويل الأرباح للخارج، وهي قيود لا تزال الجزائر تتمسك بها.
ونقل موقع “كل شيء عن الجزائر”دراسة تفصيلية عما يقدمه المغرب من مغريات للمستثمرين الأجانب مشيدا بالموانئ الحديثة التي شيدها، والمناطق الصناعية الموجهة للتصدير، والتحفيزات التي يوفرها، منها تحفيزات ضريبية لمدة خمسة أعوام، ومنح المستثمرين حرية تحويل الأرباح …
وتسعى الجزائر في المقابل لاستغلال علاقاتها الواسعة مع مختلف البلدان الافريقية وحضورها الدبلوماسي القوي في مختلف هياكل الاتحاد القاري ونسجها لتحالفات استراتيجية مع البلدان النافذة في القارة على غرار جنوب إفريقيا ونيجيريا.
اضافة الى المساعي الحكومية والبعثات الى مختلف دول القارة، بعضها برئاسة عبد المالك سلال، وأخرى تولاها وزراء وفاعلون اقتصاديون. و اعتبر خبراء أنه على الرغم الجزائر تتفوق على المغرب من خلال اريحية وجودها في مختلف مفاصل صنع القرار الافريقي غير أن المغرب يحاول أن يتجاوز بعض المواقف السياسية مع دول في القارة لربط علاقات اقتصادية معها.
وبذلك يحتدم التنافس بينهما من أجل بسط النفوذ في القارة السمراء ،و يزاحم من خلالها كل واحد منهماالآخر في مختلف مناطق القارة..
رفيقة معريش