الوقت الذي تتهيأ الجزائر لخوض منعرج هام في الحياة السياسية وهو الاستحقاق الرئاسي الذي كثر حوله الجدل حول انعقاده والمسار الذي ستأخذه الأحداث إلى غاية موعده المحدد دستوريا وهو أفريل من العام المقبل يتبادر إلى ذهن الرأي العام الوطني تساؤل جوهري هو: هل كان للجزائر أن تطرح مثل هذه التساؤلات وتعيش مثل هذا المأزق لو كان رجل مثل مهري أو بن بله أو أيت احمد على قيد الحياة. وبمناسبة حلول الذكرى الثالثة لوفاة القائد التاريخي للثورة التحريرية وزعيم أقدم حزب معارض الفقيد حسين ايت احمد ارتأينا أن نستطلع جملة من آراء المتابعين والناشطين والتصورات حول التوجيهات التي يمكن أن يعطيها واحد مثل أيت احمد لمواجهة الوضع الراهن فكانت لنا هذه الإجابات.
ناصر جابي باحث في علم الاجتماع السياسي:
“آيت احمد ترك فراغا سياسيا يصعب تعويضه”
اعتبر ناصر جابي الباحث والأستاذ في علم الاجتماع السياسي أنه في الذكرى الثالثة لرحيله تحس الساحة السياسية “بالفراغ الذي تركه الراحل حسين آيت احمد”، في ظل دعوات متتالية لبحث مخرج سياسي للأزمة التي تعيشها البلاد في الظرف الراهن.
وقال الدكتور جابي في اتصال مع “الجزائر” إن الراحل آيت احمد كان يطرح أفكارا سياسية قائمة على الشفافية وإشراك المواطن في مسلسل التغيير وطرح الأحزاب السياسية كقوة للنقاش حول مستقبل البلاد، وانتقد المتحدث حديث أحزاب الموالاة عن “الندوة الوطنية” في ظل ضبابية عامة تلف المشهد، مبرزا في السياق ذاته، أن آيت احمد طرح الشفافية كطريق لحل الأزمة ودعا إلى إشراك المواطنين والنخب على عكس ما يتم طرحه اليوم، من أفكار لا علاقة للمواطن بها، في ظل تسريبات تتحدث عليها الصحافة حول نقاط جدول أعمال هذه الندوة، من دون تأكيد رسمي.
وبخصوص حزب الراحل جبهة القوى الاشتراكية، الذي يعيش في الآونة الأخيرة جملة من الهزات التنظيمية، أوضح ناصر جابي أن أزمة “الأفافاس” كانت موجودة في حياة آيت احمد، وغطت عليها “شخصيته الكاريزماتية”، مرجعا ذلك إلى الثقافة السياسية الوطنية التي شرب منها آيت احمد مثله مثل باقي الشخصيات الوطنية كأحمد بن بلة وبومدين وغيرهم، واعتبر ناصر جابي أن الراحل لم يعمل داخل الحزب على فتح المجال لقيادات قوية تحل محله، وهذا أحد أسباب الأزمة التنظيمية في “الأفافاس”.
حسان فرلي الأمين الوطني المكلف بالاتصال سابقا، في جبهة القوى الاشتراكية:
أفكار آيت احمد لا تزال قائمة من أجل الحريات والديمقراطية
أكد حسان فرلي، القيادي والمكلف بالاتصال في “الأفافاس” سابقا، أن مشروع الراحل حسين آيت احمد “لا يزال مستمرا خاصة أن الرجل ناضل 70 سنة من أجل تحرير البلاد والعباد”، مؤكدا أن أفكاره “لا تزال قائمة”، خاصة أنه يعتبر أحد أعمدة النضال من أجل الحريات والديمقراطية في الجزائر.
مقران آيت العربي ناشط حقوقي وسياسي :
“مقترحات آيت احمد لم تؤخذ بعين الاعتبار من الجميع”
أبرز المحامي مقران آيت العربي أن أفكار ومقترحات الراحل حسين آيت احمد “لم تؤخذ بعين الاعتبار سواء من السلطة أو من المعارضة”، مبرزا في سياق حديثه، أن ما يتم طرحه في الساحة من مصطلحات كالندوة الوطنية والتوافق “لا علاقة لها بما كان يدعو إليه الراحل” منذ بداية مساره النضالي خلال الفترة الاستعمارية ثم البدايات الأولى للاستقلال الوطني.
ومن جهة أخرى، أثبت السيناتور السابق مقران آيت العربي أنه حتى حزبه جبهة القوى الاشتراكية “لم يعد يسير وفق برنامج مؤسسه الراحل”، لأنه كما قال “القيادة الحالية لم تعد تتبع الخط الأصيل لـ الأفافاس التاريخي”. يختم المتحدث كلامه.
محمد أعراب لحلو القيادي السابق في “الأفافاس”:
“آيت احمد لن يسمح بالمغامرة السياسية ولا بإعاقة الديمقراطية”
“كان الجزائريون، لمدة طويلة وما يزالون، كلما عادوا إلى الماضي السياسي لبلدهم يلتقون بهذه الشخصية الاستثنائية، شخصية حسين آيت احمد، في الكفاح السياسي الذي ظل يقوم به منذ أن كان عمره 19 سنة إلى آخر يوم من حياته نرى دوما درسا في الأخلاق السياسية ووفاء لمبادئ الحرية والديمقراطية برغم المحن، هذا الموقف الثابت كان يترجم في كل مرة بمبدأ أساسي وهو معارضة كل من يأتي لممارسة العنف على المؤسسات الشرعية والنصوص الأساسية لدستور نابع من الإرادة الشعبية، لا يتعلق الأمر بالنسبة إليه برؤية نظرية للممارسة السياسية إنما بترجمة هذه الرؤية بالبحث عن توافق ديمقراطي يحمله الشعب ومصالحة تاريخية حاملة للآمال، لهذا فرض على نفسه مبدأ أن لا يخضع أبدا لنداءات السلطة من خلال التضحية بمبادئ الوصول إليها وممارستها ديمقراطيا، هذا هو المبدأ الذي ينبغي أن نتأمل فيه في الوقت الذي لا يستطيع فيه بلدنا أن يغض الطرف عن ضرورة إحداث تغييرات جديدة محورها تغيير النظام السياسي، سنظل نحتفظ، من خلال خطابه، أنه ما انفك ينادي بالمعارضة لكل هيمنة سياسية وحذره تجاه الذين يريدون الاستمرار في السلطة من خلال الاستحواذ على الامتيازات السياسية والمادية، فالاشتغال بالسياسة بالنسبة لحسين آيت احمد، هو العمل لخدمة البلد والشعب مثل هذا المبدأ يقتضي أناقة سياسية.
لذلك حتى وإن كان مهيأ للنقاش مع شخصيات يفرضها الوضع إلا أنه لم يكن مستعدا للتواطؤ مع أجهزة مختصة في المناورة. هناك العديد من الجزائريين الذي يحزنون لغيابه ولفقدان صوته في الوقت الذي تتهيأ فيه الجزائر لمرحلة جديدة لا يمكن أن تكون إلا مرحلة تغيير بأتم معنى الكلمة بالبدء في وضع الأخلاق في قلب العمل السياسي وكذا النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتربوي، هناك العديد من الجزائريين الذين يتساءلون عما هي الإجابة التي يمكن أن يقدمها عن الوضع الذي تعيشه الجزائر الآن وستعيشه في المستقبل. ومهما نكن قد استمعنا إليه مطولا في الماضي إلا أنه لا يمكن أن نمتلك فن توقع ما كان سيختاره اليوم كخيار لمستقبل بلدنا. إن المبادئ التي ظل يرددها منذ الاستقلال بدءا من المجلس التأسيسي وضمن المعارضة التي أصبح رائدها دون منازع هي التي ستتحدث باسمه. ما هو مؤكد هو أنه لن يسمح أبدا بالمغامرة السياسية ولا بإعاقة الديمقراطية ولا بالمناورة السياسية. فمبدأ التوافق والمصالحة التاريخية كمثل أعلى لا يتجزآن عنده.
جمعها: إسلام كعبش