هدد اللواء المتقاعد الليبي خليفة حفتر في تصريح خطير الجزائر بالحرب، بسبب ما سماها “استغلالها الأوضاع الأمنية في ليبيا”، وأخرج الموقف الأخير لقائد ما يسمى بالجيش الليبي سوء نوايا هذا العسكري المتقاعد تجاه الجزائر التي تقوم منذ سنوات بجهود دبلوماسية مضنية في سبيل إحلال السلم والمصالحة في هذا البلد الجار.
• حفتر يصفي حساباته الداخلية بالحديث عن الجزائر
بثت قناة “الجزيرة” الإخبارية فيديو يبرز اللواء خليفة حفتر أمام جمع من مؤيديه في شرق ليبيا يقول فيه “إنه أبلغ السلطات الجزائرية بقدرته على نقل الحرب في لحظات إلى حدودها، وإن السلطات الجزائرية اعتذرت وأخبرته أن دخول قوات تابعة لها إلى ليبيا عمل فردي سينتهي في غضون أسبوع”، وأعطت مختلف القراءات لهذا التصريح المفاجئ في توقيته أن اللواء الليبي يحمل بكلامه تهديدا مباشرا للجزائر التي تظل واقفة على مسافة واحدة بين مختلف أطراف الأزمة في الجارة ليبيا وتعمل وفق جهود دبلوماسية مضنية على دفع جميع الفرقاء الليبيين ما عدا المجموعات الإرهابية للحوار والمصالحة الوطنية، وتعمل الدبلوماسية الجزائرية في إطار دول جوار ليبيا وكذلك بمفردها على محاولة إقناع أطراف الأزمة الليبية بضرورة الحوار السياسي لتجاوز الخلافات والعمل على توحيد الدولة الليبية، وسبق لوزير الخارجية عبد القادر مساهل أن سافر إلى ليبيا والتقى العديد من القبائل المحلية شرقا وغربا إضافة إلى لقاءه في شرق البلاد حفتر، كما دعمت الجزائر مؤتمر باريس الذي جمع رأسي الأزمة رئيس الحكومة فايز السراج واللواء حفتر، وصرح الوزير الأول أحمد أويحيى الذي مثل الرئيس بوتفليقة في ذلك الموعد أن “الجزائر تشيد بمخرجات الحوار الليبي في باريس”.
ومن المعروف أن خليفة حفتر المدعوم من عدة أطراف دولية أجنبية وعربية سبق أن نسبت إليه تصريحات عدائية ضد الجزائر، متهما إياها بـ “محاولة سرقة ثروات بلاده مع بعض البلدان الأخرى”، ورغم كل هذه المواقف السلبية الصادرة من حفتر لم تبد الجزائر أي موقف سلبي تجاهه حيث أنه في 18 ديسمبر 2016 زار حفتر الجزائر والتقى وزير الخارجية عبد القادر مساهل والوزير الأول آنذاك عبد المالك سلال، ورد عليها وزير الشؤون الخارجية مساهل بزيارة إلى شرق ليبيا التقى فيها حفتر في 18 أفريل الماضي، لمحاولة إذابة الجليد بين الطرفين.
وحسب مراقبين فإن ما زاد من سوء العلاقة بين الجزائر والعسكري الليبي المتقاعد خليفة حفتر هو رفض الجزائر وقف العمل بالاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة بالصخيرات المغربية الذي انبثق منه حكومة السراج، في حين أكد خليفة حفتر نهاية العمل بالاتفاق، ورفض السلطة التابعة لحكومة الوفاق الوطني التي يدعمها المجتمع الدولي برئاسة فايز السراج، كما أن وجود مسلسل سياسي أممي متسارع في ليبيا يرفضه حفتر يشكل تهديدا مباشرا عليه وبالتالي فإن موقف هذا الأخير ضد الجزائر هو محاولة لتصفية حسابات داخلية بإخراج “بعبع” خارجي لأنصاره في شرق ليبيا.
• خبراء يردون على تصريحات اللواء الليبي
ورفض الخبير الأمني عمر بن جانة في تصريح لـ “الجزائر” ما أدلى به اللواء الليبي من ادعاءات ضد الجزائر، قائلا “أنفي أن تكون تصريحات خليفة حفتر بخصوص توغل أفراد من الجيش الجزائري داخل الحدود الليبية معلومات صحيحة”، مؤكدا أن عقيدة الجيش الوطني الشعبي “واضحة وهي ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”.
ودعا العقيد المتقاعد عمر بن جانة اللواء الليبي خليفة حفتر إلى “احتواء الحرب الداخلية في بلاده قبل التهديد بنقلها إلى الجزائر”، مقدرا في السياق ذاته تصريحاته “بعيدة كل البعد عن اللباقة الدبلوماسية”، خاصة أن حفتر رقم مهم في معادلة الأزمة في الجارة ليبيا.
ومن جهته، أكد أحمد ميزاب المستشار في القضايا الأمنية أن تصريحات خليفة حفتر “تهدد الاستقرار الإقليمي في المنطقة”، مشيرا في اتصال مع “الجزائر” أن حديث حفتر عن الحرب هو في حد ذاته “لعب باستقرار وأمن المنطقة”.
وأكد أحمد ميزاب أن الجزائر رغم كل الضغوط التي فرضت عليها من طرف دول كبرى “لم تقحم جيشها في المستنقع الليبي”، متسائلا “كيف لحفتر أن يدلي بتصريحات مثل هذه في وقت أن الحدود الليبية ليس لديه أية سلطة عليها”، مبرزا في السياق ذاته “كميات الأسلحة والذخيرة التي تحاول المجموعات الإرهابية إدخالها إلى التراب الوطني لتهديد الأمن القومي الجزائري”.
ومن جانب آخر، دعا المستشار في الشؤون الأمنية أحمد ميزاب أنه “لا بد من عدم الانسياق كثيرا وراء مثل هذه التصريحات خاصة إذا عرفنا هوية الجهة التي سربت فيديو حفتر (في إشارة إلى قناة الجزيرة القطرية) خاصة أن هناك جهات تبحث على إشعال النيران في المنطقة من أجل تصفية حسابات مع أطراف الأزمة الليبية”.
ويرى كاتب الدولة لشؤون الجالية في الخارج سابقا حليم بن عطاء الله أن “حفتر بدل أن يوجه كلامه إلى فرنسا وبعض الدول العربية التي تتبنى الحل العسكري لتأزيم الوضع الليبي”، قام بافتعال أزمة مع الجزائر لكسب ود أنصاره وجنوده في شرق ليبيا من جهة، وكذلك توجيه رسالة من دول تدعمه للجزائر.
وأكد الدبلوماسي بن عطاء الله في تصريح لموقع “سبق برس” أن “مليشيا حفتر تتواجد غالبيتها في شرق ليبيا بعيدا عن حدود الجزائر، وهو ما يجعله غير مؤهل لخوض صراع عسكري مع جيش دولة بحجم الجزائر فما بالك بتجسيد تهديده بنقل الحرب من جهة إلى أخرى”.
• حركة مجتمع السلم تطالب الحكومة بالرد على حفتر
وفي السياق ذاته، قال رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري أن “المشير الليبي خليفة حفتر مسنود جيدا من قبل مصر والإمارات”، مضيفا إلى أنه “لا يقفه إطلاقا في الأعراف الدبلوماسية وإلا لما كان تجرأ على الجزائر”، وأشار مقري خلال منشور له على صفحته في مواقع التواصل الإجتماعي أن “الجزائريين لا يمكنهم إطلاقا أن يتحملوا ما قاله حفتر أمس، على اعتبار أنه تعد خطير يجب على الجزائر أن ترد عليه”.
ومن جانبه، شدد ناصر حمدادوش القيادي في ذات الحزب، أنه “مهما تكن خلفيات وأسباب خرجة اللواء المتهالك والمتهافت خليفة حفتر، وهل هي تتقاطع مع حسابات أنظمة أخرى، وهو الذي يجر في تاريخه ذل الانخراط في التدخل الأجنبي، ومحاولة الوصول إلى الحكم على ظهر الدبابة، وبأجندات فوق وطنية لليبيا، فإن تصريحاته الأخيرة اتجاه من له حق الجوار، بحجم ورمزية الجزائر هي جرأة غير مسبوقة، وهي غير مقبولة، ولا يمكن أن تكون مبررة مهما تكن الظروف والأسباب”، وأضاف حمدادوش في منشور على صفحته في “الفايسبوك” “فهو آخر من يحقّ له الحديث عن التدخل الأجنبي، وإعطاء الدروس في السيادة الوطنية للبلدان”.
واعتبر القيادي في “حمس” ناصر حمدادوش أن “هذا الانقلابي الذي سلم بلاده لقوى أجنبية متورطة في العبث بالبلاد العربية فسادا، لا يمكن أن تكون خرجاته البهلوانية إلا مستهجنة من كل الجزائريين، أمام هذه الحالة العدوانية بالتطاول على الجزائر، دون مراعاة حق الجوار والأعراف السياسية والديبلوماسية”، مختتما كلامه بالقول “ومع ذلك فإنه من حق الجزائر أن تدافع عن نفسها، وتحافظ على عمق أمنها القومي، والوقوف بحزم في وجه حركة السلاح والجماعات المسلحة العابرة للحدود”.
إسلام.ك