يظهر مخطط الحكومة الجديدة المصادق عليه من قبل مجلس الوزراء الأخير مدى حجم الاهتمام الكبير الذي سيوليه عبد المجيد تبون للجماعات المحلية، من خلال دفع الأميار والولاة نحو المشاركة جبرا في المجال الاقتصادي وجعلهم يلعبون دورا أساسيا في بعث حركية الاقتصاد الوطني من خلال إدماج كل من البلدية والولاية في مجهود التحول نحو اقتصاد متنوع، متحرر تماما من الريع البترولي.
ويكشف مضمون مخطط الحكومة من أجل تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية الصادر في جوان 2017 اطلعت “الجزائر” عليه، عن عزم جدي للسلطات العمومية على إشراك الولاة ورؤساء البلديات في دفع عجلة الاقتصاد عبر إعداد قانون إطار يتعلق بقانون المالية، من خلاله يتم مراقبة صرف المال العام والاعتمادات المالية الضخمة التي تخصص سنويا لمختلف القطاعات في إطار قانون المالية السنوي، وبموجبه سيتم محاسبة البلدية والولاية بشكل دوري كل ثلاث سنوات، على البرنامج الذي سطره الوالي ورئيس البلدية، وهو ما ينبئء بأن الحكومة صوبت جزءا من توجهاتها نحو الجماعات المحلية ما يفسر منحها في المخطط الجديد صلاحيات أكبر للتحصيل الضريبي ومواصلة التطهير الجوهري لمناخ الأعمال قصد تحرير الاستثمار والمؤسسات من القيود التي تكبحها والتي كثيرا ما اشتكى منها المستثمرون.
بالمقابل تم اقتراح بنود جديدة تدفع بعجلة مناخ الأعمال و تشجع الاستثمار، تضمنت تذليل الصعوبات فيما يخص العقار الصناعي من خلال المطالبة بالتعجيل في دراسة الطلبات على آن يكون منح هذا العقار وتسليم التراخيص الإدارية عائقا، ناهيك عن ترقية العرض المحلي في مجال العقار الاقتصادي التابع لأملاك الجماعات الإقليمية من خلال تهيئة المناطق المصغرة ومناطق نشاطات قصد تشجيع استحداث المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لاسيما لفائدة الشباب حاملي المشاريع، وفي الوقت نفسه تشدد الحكومة على تعزيز متابعة المستثمرين ومرافقتهم من قبل الجماعات الإقليمية عبر توفير ظروف جاذبية الاستثمارات المباشرة خصوصا منها تلك المشاركة في نقل التكنولوجيا واستغلال الموارد الطبيعية للبلاد وإحداث مناصب الشغل، مع تخفيف الإجراءات في مجال تشجيع الاستثمار وتعزيز قدرات الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار على تسيير ومتابعة الاستثمارات، ناهيك عن تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة و تشجيع تنمية الصادرات خارج المحروقات من خلال إطار يحافظ على توازنات ميزان المدفوعات للبلاد، وكذا إعطاء الأولوية في مجال الاستثمار نحو ترقية المؤسسات المصغرة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال وضع تدابير تشجيعية وتسهيلية و تحفيزية لتطوير هذا النوع من المقاولاتية.
سندات حلال بدل الاستدانة الخارجية أو طبع الأوراق النقدية
ويكشف ذات المخطط عن اعتماد الحكومة تمويل بديل يضمن توفير موارد مالية إضافية في ظل ضائقة مالية تعيشها الدولة منذ نهاية 2014. وسيتم اعتماد تمويل مطابق للشريعة الإسلامية من خلال إعداد إطار قانوني خاص بالسندات السيادية للتمويل من النوع التساهمي. ويضمن هذا التمويل هوامش ربح من خلال حيازة أسهم في المشاريع العمومية بدل اعتماد نسب فوائد بنكية لتحقيق مردودية الأموال الموظفة في إطار هذا النوع من السندات.
وتتجه الحكومة من خلال المخطط إلى البحث عن كيفيات تحفيز أصحاب الأموال النائمة الرافضين التعامل مع النظام المالي التقليدي الذي يوظف رؤوس الأموال مقابل نسب فوائد. فيصعب جلب هذه الأموال من خلال عرض سندات سيادية بنسب فوائد معدومة في ظل ارتفاع المؤشر العام للأسعار سنويا (نسبة التضخم) الذي يضعف القدرة الشرائية للأموال الموظفة دون مردودية. وعلى هذا الأساس وجب إعداد إطار قانوني يضمن إنجاح العملية كتأسيس صندوق استثمار جديد يتكفل بالعملية أو منح هذه الصلاحية للصندوق الوطني للاستثمار .
ومن خلال سندات التمويل التساهمي السيادية، يمكن شراء أسهم في مشاريع عمومية تضمن تحقيق هوامش ربح سنوية لموظف أمواله فيها لمدة متفق عليها، يتم عند انقضائها تسديد كامل الأموال لصاحبها مقابل تنازله عن أسهمه للدولة، بعد أن استفاد من هوامش ربح سنوية (وليس نسب فوائد) طوال هذه المدة. ويشبه هذا التمويل صيغة الانجاز والاستغلال ثم التحويل (BOT) الملائمة لإقامة المنشآت القاعدية الكبرى كالموانئ والطرق السريعة، ويتم اللجوء إلى هذه الصيغة كبديل للتمويل عبر الخزينة العمومية.
وقد اهتدت الحكومة لصيغة التمويل غير التقليدية ذاتها تبعا للتخلي عن خيار الاستدانة الخارجية وفق أوامر رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء الأخير. فبعد أن أصبح تمويل المشاريع العمومية انطلاقا من خزينة الدولة مستحيلا، جراء تراجع مداخيل المحروقات وتآكل الموارد المالية لصندوق ضبط الإيرادات، كان لزاما على الحكومة أن تجد البدائل.
وقد تحاشت حكومة عبد المالك سلال قدر المستطاع اللجوء إلى الاستدانة الخارجية رغم توصيات المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، وهذا تجنبا لشبح تفاقم الديون الخارجية التي أثقلت كاهل الدولة في تسعينيات القرن الماضي. فما عدا القرض الذي تحصلت عليه الجزائر نهاية السنة الماضية من البنك الإفريقي للتنمية المقدر قيمته بـ 900 مليون يورو لم تقدم الحكومة على اللجوء مرة أخرى للسوق المالية الدولية لتغطية احتياجاتها.
وبدلا عن هذا، فضلت حكومة سلال البحث عن موارد مالية داخل الوطن محاولة منها تغطية جزء من عجز ميزانية الدولة، لكن جهودها لم تحقق نتائج مرجوة. فالسندات السيادية مقابل نسب فوائد التي تم إصدارها في افريل 2016 جمعت أقل من 570 مليار دينار يتم استغلالها لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات في حين يبلغ عجز ميزانية الدولة السنوي نحو 3000 مليار دينار. أما عملية التسوية الجبائية الهادفة إلى صيرفة رؤوس الأموال المتداولة في السوق الموازية، فقد أثبتت فشلها بدليل تمديد أجلها إلى نهاية 2017 عوض نهاية 2016.
وفي حال نجاح عملية إصدار سندات التمويل التساهمي السيادية، فإن الحكومة ستتحاشى ضخ سيولة نقدية إضافية في الاقتصاد الوطني عبر طبع مزيد من الأوراق المالية دون مقابل حقيقي للسلع والخدمات بهدف تمويل ما تحتاجه الدولة، ما سيضعف القدرة الشرائية للدينار ويفتح الباب لارتفاع الأسعار على مصراعيه.
عمر حمادي