يشن الجزائريون بين الفينة والأخرى حملات مقاطعة تستهدف المنتجات التي ترتفع أسعارها في الأسواق، لعل أشهرها حملة “خليها تصدي” التي مست سوق السيارات التي عرفت ارتفاعا غير مسبوق، خاصة عقب انطلاق تركيب السيارات بمختلف العلامات، ثم “خليه يفوح” أو “خليه يربي الريش”، التي سعت لخفض أسعار الدواجن، ومؤخرا حملة “خليه للشوادا” التي تهدف لخفض سعر الموز الذي قفز في يومين من 500 دج إلى 700، ووصل في بعض الأسواق إلى 800 دج، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات عن الجهات التي تبادر بهذه الحملات وأسباب تفاعل الرأي العام معها في وقت قصير، ومدى نجاحها ونجاعتها في زعزعة الأسعار.
المقاطعة.. رد فعل على الارتفاع المفاجى للأسعار
من أجل الحصول على إجابات واضحة، رصدت “الجزائر”، آراء العديد من المواطنين الذين كانوا من بين المؤيدين للحملات التي شنت في وجه العديد من المنتجات، أهمها “خليها تصدي” و”خليه للشوادا” ضربا لسعر الموز، و قالت ع.رندة، التي تتسوق دائما، أن ارتفاع أسعار المنتجات على اختلافها يضرب جيب المواطن في كل مرة لكنه يقتنيها مجبورا في بعض الأحيان رغم سعرها الخيالي لكن حل وقت أن يواجه الأمر كون المواطن الأخير ضمن حلقة الاستهلاك، و أضافت، إطلاق مثل هذه الحملات سيذكر بعض التجار الذين يتناسون القدرة الشرائية للمواطن البسيط، و يبحثون عن ربحهم فقط، فيصبح المواطن يشاهد و لا يقتني ما يريد لضعف قدرته، كما لم تنفي تأييدها لكامل هذه الحملات وتجاوبها معها حيث أنها تمتنع عن اقتناء الكماليات إلا بعد توفيرها لكل الضروريات و التي لا يتجاوز سعره الخيال، و عبرت على أنه يجب الإشهار بهذه الحملات حتى تكون الاستجابة على المستوى الوطني و تكرارها كلما عرفت إحدى المنتجات تضخما في الأسعار حتى يتكبد هؤلاء الخسائر و تتضح لهم معاناة المواطن الذي يعمل من أجل توفير المادة الغذائية -على حسب قولها-.
ويبقى مزاج المواطن البسيط يتقلب بتقلب سعر المنتجات الغذائية، و عبر بعض المواطنون الذين رصدتهم جريدة الجزائر في أسواق الخضر و الفواكه على أنه في بعض الأحيان و نظرا للغلاء قد يتم الاستغناء عن بعض المواد، في حين عبرت إحدى ربات البيوت، على أنها شخصيا إن كانت تحتاج فعلا لمنتجات مرتفعة السعر فإنها تكتفي بشراء كمية قليلة في انتظار تدني الأسعار، و عبر أحد المواطنين على أنه في بعض الأحيان يقوم بمقاطعة بعض المنتجات نظرا لسعرها الخيالي كما يحدث مع فاكهة الموز .
و في هذا السياق، صرح الحاج الطاهر بولنوار، رئيس الجمعية الوطنية للتجار و الحرفيين الجزائريين، على أن ارتفاع سعر الموز، راجع إلى تعليق رخص استيراده من الخارج ما خلق تذبذبا في تواجده في السوق المحلية، وأكد على أن سعر الموز سينخفض نظرا للتعليمة الوزارية التي أصدرتها وزارة التجارة و المتعلقة بإلغاء رخص استيراد الموز .
المقاطعة تكسر مضاربة التجار
تعتبر حملة “خليها تصدي”، إحدى أشهر وأعنف حملات المقاطعة بالجزائر التي استمرت أشهرا عديدة بداية سنة 2018، وهي حملة أطلقها مجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وساندها المجتمع الجزائري على نطاق واسع، حيث سعت لمساواة سعر السيارات المصنعة محليا مع السيارات المستوردة نظرا لارتفاع سعرها بشكل خيالي، و تمكنت من تحقيق نجاح غير معهود ما ساهم في زعزعة سعر السيارات في ظرف وجيز ، إذ هوت على سبيل المثال سيارة “بيكانتو” بفارق تجاوز الـ 50 مليون سنتيم، هذا بعد أن كانت 189 مليون سنتيم وهي سابقة من نوعها، كما كان الهدف واضحا من خلال الحملات التي أطلقت آخرها تلك المتعلقة بفاكهة الموز، إذ يعزم الكثيرين على خفض سعره الذي وصل إلى حدود الــ 700 أو الــ800 دج.
مصطفى زبدي لـ”الجزائر”: “المقاطعة ترسخت في ذهن المواطن الجزائري”
كشف مصطفى زبدي، رئيس جمعية حماية المستهلك في تصريح لـ الجزائر “، أن هذه الحملة، ثقافة رسخت في ذهن المواطن الجزائري، و أصبحت سلاحا قويا في مواجهة المضاربين و الذي رضخوا في بعض الأحيان إلى الحملة و أخفضوا من سعر المنتجات. و أشار في نفس الحديث أن منظمته أطلقت مبادرات خاصة بعض الحملات منها حملة مقاطعة الدواجن “خليه يفوح” و “خليه يربي الريش”، شهر أوت المنصرم، حين قارب سعر الدجاج سعر 500 دج بسبب كثرة الإقبال عليه من طرف المواطنين والمطاعم ومحلات الأكل السريع، مقابل تراجع كبير في إنتاجه بسبب ارتفاع درجات الحرارة حيث أدت بالكثير من مربي الدواجن إلى التوقف المؤقت على النشاط، بسبب ظروف الإنتاج التقليدية، ثم تبين أن هناك فارق 50 بالمائة بين أسعار سوق الجملة و المحددة من طرف تجار التجزئة.
كما أطلقت المنظمة حملة لمقاطعة الأسماك بعد بلوغه سعر 800 دينار جزائري للكيلوغرام الواحد في وقت سابق.
وعن حملة “خليه للشوادا” التي أطلقت قال زبدي: “لم نسعى لإطلاق حملة مقاطعة الموز لأنه مادة ثانوية وليس أساسية ويعتبر من الكماليات، لكن نظرا للإلحاح الشديد والمنقطع النظير من قبل المستهلكين وباعتبارها قضية مبدأ، عقب وصول سعر الموز إلى حد 800 دينار في سابقة تاريخية لم يسبق لها مثيل و بالمقارنة مع الدول الأخرى فإن سعره في الجزائر هو المرتفع بالنسبة لباقي الدول، أطلقنا المبادرة التي وجهنا فيها رسالة قوية للمستوردين بأن يوجهوا منتجهم للقردة، ويكفوا عن نهب جيوب المواطنين.
المكافأة لكشف المستور… وفضح المتلاعيبن
أكد رئيس منظمة حماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي في وقت سابق، أن حملة المقاطعة خطوة مفيدة في مثل هذه الظروف، لأن التاجر سيكون مضطرا لخفض السعر خوفا من كساد وفساد منتوجه، وقال إن حملات المقاطعة وصلت إلى مشاركة الزبون في فضح كل التجاوزات، مشيرا إلى الحملة الأخيرة التي قادتها المنظمة والمتعلقة بمحاربة بارونات الحليب وذاك بعد تخصيص مبالغ مالية من 5000 دينار إلى 20 ألف دينار لكل من يفضح أي تجاوز غير قانوني ببيع الحليب أتت بثمارها، حيث تلقى العشرات من الصور والفيديوهات لموزعين يبيعون الحليب على الطرقات، وكذا سرقة وتحويل هذه المادة الأساسية.
حملات المقاطعة تؤثر على التجار
وعلى بعد صعيد أخر كشف معظم التجار على أن حملات المقاطعة التي أطلقها بعض الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى أثرت بشكل كبير على حركة البيع لديه بنسبة كبيرة، وفي هذا السياق قال عمي محمد التاجر ان حملة المقاطعة تؤثر بشكل كبير على مردودهم وذلك بسبب الانقطاع المواطنين عن شراء المنتوج فبدلا من شراءه 20 صندوق من الفاكهة أصبح يشترى 10 فقط مما يساهم في تراجع نسبة ربحه
مواقع “الاحتجاج الاجتماعي”…. !
لا يختلف اثنان في كون ظهور مواقع التواصل الاجتماعي قد أثر بشكل كبير في نواحٍ عدة من حياتنا. ولها الفضل الأكبر في تطوير ميكانيزمات العملية التواصلية بين أفراد المجتمع الواحد وأيضا بين أفراد المجتمعات المختلفة والتي تفصل بينها الآلاف من الكيلومترات. فهي إذا تذهب في اتجاه تقريب ما أبعدتْهُ الجغرافيا وتسعى إلى تيسير ما يعسّره الواقع.
إذا لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مقتصرة على التسلية ونسج العلاقات الاجتماعية وتسويق المنتجات إلكترونياً فحسب، بل تخطّته إلى ميادين أوسع، عزّزها التطور السّريع الحاصل في هذا المجال، وبات الفضاء بمثابة “بورصة افتراضية” تؤثر في العمليات الاقتصادية وتُروض الأسعار على مقياس التفاعل، حتى صار بإمكانها تلميع صورة شركة على حساب أخرى أو مصدر إفلاس مؤسسات ومتعاملين اقتصاديين بكل سهولة.
هذه الظاهرة، المستفحلة حديثا على المنصات الاجتماعية، بات تأثيرها واضحا على السلوك الاقتصادي والاستهلاكي، ولعل أبرزها حملة مقاطعة شراء السيارات التي بلغت ذروتها، أبدت الجهات الرسمية اهتماما غير مسبوق بها، بعد ما اعترف أصحاب مصانع تركيب السيارات في عدة مناسبات بحجم الضرر الذي لحق بهم بسببها.
وانتقلت حمى المقاطعة أيضا إلى أسواق السيارات المستعملة، التي لم تنج هي الأخرى من الارتدادات التي أحدثتها الحملة على أسعار السيارات، وهو ما أكده المواطنين، الذي أوضحوا أن الأسعار تشهد انهيارا مستمرا ولم تتعاف رغم مرور ما يقارب 4 أشهر من انطلاق الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي .
فلة-س- ياسين سوداني