تراقب دول الجوار دقيقة بدقيقة مآلات الحراك الذي تعرفه الجزائر منذ 22 فيفري الفارط، المطالب بوقف العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة وانسحاب الطبقة السياسية المتواجدة في الحكم منذ عقدين وفتح المجال لتغيير سلمي آمن يجنب الجزائر ما تعرضت إليه العديد من البلدان العربية بسبب موجات الربيع العربي.
من دون موقف الجارين ليبيا وموريتانيا اللذين يعيشان مخاضهما الانتخابي والسياسي الحاسم ويبقيا حاليا مشغولين بأمورهما الداخلية، فإن الجارتين الشرقية تونس والغربية المغرب تتابعان عن كثب وبحذر شديد التطورات الحاصلة في الجزائر قبل شهر عن رئاسيات موصوفة بأنها “محفوفة بالمخاطر”، نظرا للقرب الجغرافي والحدود المشتركة والتداخلات الاجتماعية بين الشعبين إضافة إلى التاريخ المشترك.
كانت تونس أول من عبر عن موقف رسمي من الأحداث الجارية في الجزائر منذ 22 فيفري إلى 1 مارس، حيث أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي استغل سؤالا في جنيف من صحفية سويسرية حول ما يقع في جارته الجزائر، فرد بدبلوماسية حذرة قائلا: إنه “ليس من حقه إعطاء الدروس لأي دولة”، متابعا أن الجزائر “دولة شقيقة حرة افتكت استقلالها بعد 130عاما من الاستعمار وهي بلد لحرية التعبير وفق حوكمة وخصوصية سياسة هذا البلد”. وذكر الباجي قايد السبسي في تدخله “ليس من حقي إعطاء الدروس لأي كان ولكن بالنسبة لتونس من حقي القول إنه يجب المضي قدما”.
وعبرت بعض القوى السياسية التونسية عن الأحداث الجارية بالجزائر، ولكن بدبلوماسية كبيرة تاركة قياداتها من الصف الثاني للتصريح حول أمر داخلي جزائري، وهو ما اتفق عليه كل الطيف السياسي التونسي من حزب “نداء تونس” إلى حركة النهضة إلى التيار اليساري المعارض الذي تمثله الجبهة الشعبية الذين عبروا وفق قيادات هذه التشكيلات السياسية على قلقهم مما يحدث بالجزائر، داعين الجزائريين إلى التوافق فيما بينهم وإيجاد حل مرضي يحفظ أمن الجزائر، ويعفيها من التدخلات الخارجية التي فعلت ما فعلت ببلدان المنطقة، وسيناريوهات سوريا وليبيا واليمن واضحة للعيان، ويرى طيف واسع من التونسيين أن الجزائر مرت بمرحلة صعبة في حقبة التسعينات، ستكون صمام أمان تقيها من أي تقلبات أمنية في المستقبل مثلما وقتها عام 2011 من رياح الربيع العربي.
ومن الواضح أن تونس التي سارعت لإرسال وزيرها للداخلية هشام الفراتي للقاء وزير الداخلية نور الدين بدوي في عز الحراك الشبابي في الشارع، تعي أن أي تقلبات سلبية لا قدّر الله في جارتها الغربية ستنعكس عليها بالنظر إلى دور الجزائر المحوري في دعمها اقتصاديا وأمنيا خاصة في الظرف الراهن الصعب اقتصاديا الذي تمر به حكومة يوسف الشاهد، إضافة إلى التعاون العسكري المشترك بين البلدين في مكافحة المجموعات الإرهابية الناشطة في الحدود المشتركة.
وعلى عكس تونس، تصر الرباط على تكتم كبير ولا تريد إبداء أي موقف منها بخصوص تطورات المشهد السياسي الجزائري، بحيث لا تريد أن تتورط لا من قريب ولا من بعيد في تأويلات سياسية لا تخدمها فيما بعد في علاقتها مع الجزائر، خاصة أن العلاقات بين النظامين ليست على ما يُرام، في حين يبقى الإعلام المغربي مسموح له بمتابعة التطورات الحاصلة في الجزائر التي تبقى حدودها مغلقة مع المغرب منذ 1994.
إسلام كعبش
تونس تتوجس والمغرب يترقب:
الوسومmain_post