سيكون الناخب الجزائري اليوم على موعد مع انطلاق سادس حملة انتخابية للانتخابات التشريعية في ظل التعددية السياسية التي انطلقت في 1989. وستنزل إلى الميدان 940 قائمة تمثل أكثر من 50 حزبا إلى جانب مستقلين في فضاء يشمل 54 دائرة انتخابية تتوزع على ولايات البلاد الثمانية والأربعين إضافة إلى الدوائر الانتخابية الخاصة بالمهجر.
رحلة شاقة
إنها إذن رحلة شاقة على مدى ثلاثة أسابيع سيخوضها المترشحون بحثا عن أصوات الناخبين ضمن وعاء يحتوي أكثر من 23 مليون مسجل تستعمل فيها كما جرت العادة جميع وسائل الإقناع السلمية سواء تلك التي يؤطرها القانون العضوي الخاص بالانتخابات أو تلك التي أصبحت توفرها التكنولوجيات الحديثة للاتصال ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي.
كل الظروف مهيأة
وتذكر وزارة الداخلية والجماعات المحلية، الجهة المخولة بتنظيم الانتخابات، أن مصالحها وفرت جميع الوسائل الضرورية لإنجاح الحملة الانتخابية ضمن اللوجيستيك الشامل الخاص بالعملية الانتخابية برمتها، فإلى جانب اللوحات الخاصة بالملصقات الإشهارية للمترشحين جندت جميع القاعات التي تتوفر عليها البلديات والولايات وقطاعات الثقافة والشبيبة والرياضة لتأوي تجمعات ولقاءات القوائم المترشحة في الميدان مع فتح استثنائي للساحة العمومية للعمل الجواري للمترشحين. وتحرص وزارة الداخلية على أن يتاح المجال لذلك وفق ترتيبات إدارية وأمنية كما جرى العمل بها خلال الاستحقاقات الماضية كما جرى توزيع الفضاءات عن طريق القرعة التي أشرفت عليها الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات.
يضاف إلى النزول الميداني والاحتكاك المباشر بالناخبين النزول الإعلامي، بحيث تجند التلفزيون العمومي والإذاعة الجزائرية منذ أول أمس لتسجيل مداخلات المترشحين عبر قنواتهما لتكون جاهزة للبث ابتداء من هذا الصباح وتتوزع المداخلات من حيث الحجم الساعي على ثلاثة أصناف، مداخلات صغيرة ب5 دقائق ومداخلات متوسطة ب10 دقائق ومداخلات طويلة ب15 دقيقة. وقد تم توزيع المداخلات على الأحزاب المشاركة والقوائم الحرة بحسب مدى تواجدها في مجموع الدوائر الانتخابية، فحضور الأحزاب في الإذاعة والتلفزيون لن يكون متساويا بل متفاوتا وفق عدد القوائم التي نزل بها هذا الحزب أو ذاك.
وبالإضافة إلى المداخلات الرسمية لممثلي القوائم المترشحة سيحظى رؤساء الأحزاب السياسية المشاركة بتغطية إذاعية وتلفزيونية يومية تحت أعين الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات مراعاة للإنصاف في الحجم الساعي الموزع على الأحزاب. وعادة ما تخصص الإذاعة والتلفزيون العموميان ما لا يقل عن دقيقتين لكل رئيس حزب في النشرات الإخبارية المسائية بالخصوص.
القنوات الخاصة تدخل على الخط
غير أن ما جد في هذا الموعد الانتخابي دخول القنوات الخاصة على الخط وقد وضعت وزارة الاتصال وسلطة الضبط السمعي البصري ضوابط لمشاركتها في تغطية الحملة الانتخابية لاسيما من خلال المذكرتين اللتين أرسلهما وزير الاتصال حميد قرين إلى مسؤولي وسائل الإعلام ولاسيما السمعية البصرية عشية انطلاق الحملة الانتخابية إلى جانب اللقاءات التنسيقية التي عقدتها هيئة زواوي بن حمادي مع هيئة دربال لضبط تدخل القنوات التلفزيونية الخاصة الخمسة المرخص لها بتغطية الحملة الانتخابية وسط تساؤل حول دور القنوات التلفزيونية الأخرى التي لم يرخص لها كمكاتب. يضاف إليها موائد النقاش التي سينشطها المترشحون وممثلو الأحزاب السياسية والتي هيأت لها القنوات الإذاعية حيزها الزمني سواء منها القنوات المركزية الأربع أو الإذاعات الجهوية في 48 ولاية التي ستحتضن بدورها موائد نقاش للمترشحين في مختلف الدوائر الانتخابية.
وعلى الفايسبوك معركة أخرى
يضاف إلى تعدد القنوات التلفزيونية، فعكس المواعيد السابقة، ستعرف مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما موقع الفايسبوك زخما كبيرا من العمل الإعلامي والدعائي الخاص بالحملة الانتخابية فقد بدأ الانتشار مبكرا في هذه الفضاءات من خلال إنشاء صفحات خاصة بالمترشحين والأحزاب. وبالنظر إلى الطابع التفاعلي لمواقع التواصل الاجتماعي التي تتمتع بحرية أكبر وبعدم محدودية الحيز المكاني والزمني فإنه ينتظر أن يحتد النقاش الذي سيخرج عن سيطرة هيئة دربال.
من يقنع الناخبين؟
ينتظر أن تحشد الأحزاب المشاركة في استحقاق الرابع من ماي كل طرق إقناع الناخبين. ويبدو أن معركتها ستكون على جبهتين، الجبهة الأولى هي ضمان أكبر مشاركة ممكنة في هذا الاستحقاق والجبهة الثانية هي استمالة أصوات المشاركين لدعم قوائمها من أجل الحصول على عدد معتبر من المقاعد. وترى الأحزاب المشاركة من موالاة ومعارضة أن ضمان مشاركة أكبر للناخبين مؤشر على مصداقية العملية الانتخابية التي دخلوها ودليل على أنها تحظى بتأييد أغلبية الناخبين مما يبرر المشاركة أمام موجة المقاطعة من جهة والعزوف عن الانتخابات منذ سنوات من جهة أخرى. غير أن الطريق طويلة وشاقة باعتراف كل الأحزاب بما فيها أحزاب الموالاة فالظرف الاقتصادي الذي حلت فيه التشريعيات صعب للغاية أمام تضاؤل مداخيل المحروقات وإمكانية إقناع المواطن بأن ثمة بصيص أمل في التغيير عن طريق الانتخابات ليست كبيرة فضلا عن أن الأعراف الانتخابية في الجزائر كانت تقدم عادة الانتخابات التشريعية على أنها الانتخابات الأقل جذبا للناخبين أمام تراجع الطابع الإيديولوجي في خطاب الأحزاب وتفاوت إدراك المواطن لدور النائب البرلماني بعدما رسخت في الأذهان أن دور النائب يقتصر على تزكية القرارات الحكومية لاسيما “القرارات المجحفة” لقانون المالية. ويضاف إلى صعوبة المهمة رسوخ قناعة لدى الناخب أن تشكيل قوائم المترشحين تم في غرف مظلمة وتخللها الفساد والرشوة وشراء الذمم وهو ما سيؤثر سلبا على اختيارات الناخبين.
احسن خلاص