أحدثت النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في الجارة الشرقية تونس “زلزالا” سياسيا لم يكن أحد من الخبراء والمراقبين يتوقعه قبل أيام قليلة فقط، فمن بين عشرات المترشحين يتقدمهم رؤساء حكومة سابقين ورئيس جمهورية ووزير دفاع فضل التونسيون منح أصواتهم للمترشح قيس سعيد وهو أستاذ جامعي متقاعد ورجل أعمال مثير للجدل نبيل القروي.. فهل سيفتح الدور الثاني لرئاسيات تونس الباب لتجربة تونسية فريدة من نوعها في المنطقة ؟؟.
أظهرت النتائج الرسمية التي جمعتها “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” في تونس، أمس الإثنين، تواصل تقدم المرشحين قيس سعيد، ونبيل القروي، وعبد الفتاح مورو على الترتيب بعد فرز 39 بالمئة من الأصوات، وجاء ذلك في بيان نشرته وكالة الأنباء التونسية الرسمية نقلا عن الهيئة.
وكشفت النتائج عن حصول المرشح المستقل قيس سعيد على 18.9 بالمئة، ومرشح حزب “قلب الأسد” القابع في السجن بتهم بـ”فساد” نبيل القروي على 15 بالمئة، ومرشح “حركة النهضة” عبد الفتاح مورو على 13.1 بالمئة، وتعد هذه النتائج متوافقة حتى اللحظة مع ما نشرته وكالة “سيغما كونساي” لسبر الآراء من نتائج غير رسمية للانتخابات استنادا إلى استطلاع خروج المواطنين من اللجان.
وبخصوص أرقام المشاركة والمقاطعة فإن نسبة التصويت بلغت في هذه الرئاسيات 45% في الداخل، و27.4% في الخارج، بحسب ما أعلنته الهيئة العليا للانتخابات.
وقد شكلت النتائج الأولية للانتخابات التونسية التي قدمت للدور الثاني شخصيتين “مغمورتين” من الناحية السياسية صورة مدهشة لم تكن في الانتظار، وأعطت صورة كاملة عن واقعية الديمقراطية على الطريقة التونسية، نتائج استطاعت أن تفرض منطقا آخر بديل عن منطق الأحزاب الحاكمة والمعارضة بإسلامييها وعلمانييها ويمينها ويسارها وأجنداتها ودور مؤسسات الدولة وتأثيرها في المشهد، فالتجربة التونسية منذ 2011 أثبتت أنها فريدة من نوعها، في شكلها ومضمونها عن تجارب عربية غرقت في الخلافات والصراعات التي وصلت إلى حد إراقة الدماء كما يحدث ليس بعيدا عليها في جارتها الجنوبية ليبيا.
• إجماع على معاقبة التونسيين للطبقة السياسية الحاكمة
هذه النتائج التي لم تكن في الحسبان والتقديرات وحتى التخمينات، لديها ما يبررها حسب بعض المراقبين للشأن السياسي في الجارة الشرقية، مرجعين ذلك إلى فشل الطبقة السياسية التي تولت تسيير المرحلة الانتقالية وخمسة سنوات الأخيرة خاصة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي.
ووفق الكاتبة والإعلامية التونسية خولة الفرشيشي فإن الانتخابات الرئاسية في تونس “شكلت مفاجأة حقيقية للنخب والأحزاب ولقد عصفت بكل الانتظارات وأسقطت رموزا بالضربة القاضية”، وأضافت الفرشيشي في تصريح لـ”الجزائر” أن “الشعب التونسي الذي وصفه الخاسرون بالغبي والجاهل هو شعب واع وذكي عاقب جميع من تسببوا في إضعاف قدرته الشرائية وتردي الأوضاع الأمنية”، لتؤكد المتحدثة ذاتها بأن “الشعب انتصر على “السيستام” الذي لعب كل أوراقه وجيّش الإعلام والمثقفين ودفع المليارات من أجل مرشحه الذي لم يصل حتى إلي المرتبة الثالثة”، وتابعت الفرشيشي بأن الشعب التونسي “غاضب وسيواصل غضبه وسنرى نتائج هذا الغضب في الانتخابات التشريعية التي قد تعصف بمستقبل بعض الأحزاب الكبرى وكما نجح قيس سعيد في الوصول إلى الدور الأول بأريحية سنرى أيضا وجوها جديدة في البرلمان أتى بها الشعب من أجل معاقبة بعض الرموز القديمة”.
وفي اتصال “الجزائر” مع حمزة زايت الصحفي الجزائري المتواجد في تونس لتغطية الانتخابات هناك، فإن أغلب التونسيين –وفقه- “في دهشة من النتائج”، معتبرا أنهم “لم يتوقعوها خاصة بالنسبة لقيس سعيد”، ومن جهة أخرى، فسر زايت صعود نبيل قروي للدور الثاني بسبب “حبسه من طرف رئيس الحكومة التونسية والمرشح الحالي للرئاسيات يوسف شاهد، حيث قام مناصروه وهم كثر بالانتقام من الشاهد عن طريق التوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع”.
ويرى حمزة زايت الذي يتابع الرئاسيات التونسية عن قرب فإن المرشح ورجل الأعمال نبيل القروي القابع في السجن حاليا بتهم فساد “شعبوي نوع ما وهو الأمر الذي خدمه في الانتخابات حيث أنه كان يقوم بجولات إلى المناطق الريفية ويقوم بتوزيع المعونات للناس خاصة الفقراء”، أما قيس سعيد، يقول حمزة زايت أن ما يتردد في الكواليس فإنه “يلقى تزكية من حركة النهضة الممثل لتيار الإخوان في تونس”.
وقد نوهت عدة تقارير دولية بالانتخابات الجارية في تونس، واعتبرتها مثالا يحتذى به في طريق الديمقراطية بالنسبة لدول المنطقة، وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن انتخابات الرئاسة التي أجريت في تونس، الأحد، “علامة فارقة في طريق تونس للتخلص من آثار 22 عاما من الديكتاتورية وتحقيق الديمقراطية، بالرغم من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد والهجمات الإرهابية التي تشهدها بين كل وقت وآخر”.
وذكرت الصحيفة الأمريكية، في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، أن تونس “عملت على أن تظل بلد الانفتاح السياسي، وربما نموذجا للبلاد الأخرى في الشرق الأوسط والتي يعاني أغلبها من الحروب والانقسامات الطائفية”.
من جانب آخر، قال فاروق بو عسكر، نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، بأن موعد الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها سيكون إما يوم 29 سبتمبر الجاري أو 6 أكتوبر المقبل وعلى أقصى تقدير يوم 13 أكتوبر.
إسلام كعبش