غادر الرئيس التركي طيب رجب أردوغان أمس، الجزائر، بعد زيارة دامت يومين، أثمرت بإبرام اتفاقيات شراكة في عدة مجالات، كما اتفق الطرفان الجزائري والتركي على رفع مستوى التبادل التجاري إلى أزيد من 5 مليار دولار وإقامة منطقة تبادل حر بينهما، إضافة إلى تفعيل اللجنة الاقتصادية المشتركة التي لم تجتمع منذ 2002، وهي خطوات حسب المراقبين جد هامة بالنسبة للجزائر خصوصا وأن أنقرة أصبحت بالفعل قوة اقتصادية وهي فرصة للجزائر للاستفادة من خبرتها ودعمها، ومهمة أيضا لتركيا التي تريد اليوم البحث عن سوق جديدة لها، غير أنهم يؤكدون على ضرورة أن تكون قبل هذا رؤية إستراتيجية واضحة للاقتصاد الوطني حتى تتكلل هذه الشراكة بالنجاح وتساهم في تطوير الاقتصاد.
يرى خبراء في الاقتصاد أن الخطوة التي قام بها الطرفان الجزائري والتركي، والكم الكبير من الاتفاقيات التي وضعت قيد الدراسة، إضافة إلى أخرى أبرمت في عدة مجالات، سيما منها الصناعية والدفاعية، هي في غاية الأهمية لكلا البلدين، وهي تؤكد تغلب الجانب الجو اقتصادي على الجيو سياسي في هذه العلاقات كون زيارة أردوغان للجزائر كانت زيارة اقتصادية بالدرجة الأولى ثم تأتي القضايا السياسية في الدرجة الثانية حسب الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى، الذي قال في تصريح لـ”الجزائر”،أمس، إن “تركيا اليوم توجد في منطقة تعاني مشاكل كبيرة وكثيرة، سواء ما تعلق بحدودها مع سوريا والعراق، أو لتوتر علاقاتها مع السعودية والإمارات ومصر، ومع اليونان”، وأضاف أن تركيا “أصبحت شبه محاصرة من هذه الدول وكذا من الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، وتدرك جيدا أن الحل للخروج من هذا الحصار هو التوجه نحو إفريقيا، ولأجل ولوج إفريقيا فبوابتها المنطقة المغاربية والجزائر بالتحديد، التي تمتلك حدود مع 7 دول”.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن تركيا “تمتلك إستراتيجية اقتصادية واضحة، وهي تدرك جيدا ماذا تفعل وإلى أين تتجه، لدى فهي تعتمد في الشراكات مع الجزائر وحتى مع دول أخرى على التصنيع –الصناعات التحويلية- النسيج، الآلات، غير أن ما يعاب على الجزائر والذي قد يمنعها من الاستفادة بدرجة كبيرة من هذه الفرصة مع تركيا، هي غياب الرؤية الإستراتيجية، فالرؤية الاقتصادية للجزائر غير واضحة، والتوجه الصناعي غير واضح”، ويرى بن يحيى أنه “يجب على الجزائر استغلال هذه الفرصة التي أتيحت لها مع الشريك التركي الذي يعاني اليوم بعض المشاكل ويبحث عن مخرج، وأن تستفيد -أي الجزائر- من خبرته في مختلف المجالات التي تفوق فيها كالخدمات و النقل و مختلف الصناعات من نسيج و صناعات تحويلية و غيرها، وأيضا تستفيد من التكنولوجيات التي يتمتع بها هذا البلد خصوصا أن 90 بالمائة من خبراته مكتسبة من أقوى اقتصاد في أوروبا وهي ألمانيا بحكم القوة العاملة التركية في ألمانيا والتي نقلت خبرتها إلى بلدها الأم، غير أنه قال إنه على الجزائر أن تضع رؤية واضحة لاقتصادها.
ويرى خبراء آخرون أن التطور الكبير الذي تشهده العلاقات الاقتصادية بين البلدين يعد فرصة لخروج الجزائر من مأزق التبعية للمحروقات، خاصة وأن النموذج التنموي التركي ناجح إلى حد كبير جعل من بلده قوة على جميع الأصعدة، وعلى الجزائر أن تستفيد منه.
الدعوة إلى إنشاء منطقة تبادل حر بين الجزائر وتركيا
وبالعودة إلى نتائج الزيارة، فقد تم مساء أول أمس عقد اجتماع لمنتدى رجال الأعمال الجزائري التركي، و الذي حضره الرئيس التركي و الوزير الأول عبد العزيز جراد، دعا خلاله أردوغان لإنشاء منطقة تبادل حر بين الجزائر و تركيا “في أقرب الآجال”، و قال أنه سيتم اتخاذ العديد من التدابير في هذا الشأن “بشكل سريع”، وانه “من الضروري البدء دون تأخير في مفاوضات لإنشاء هذه المنطقة “.
وأوضح الرئيس التركي إنه “من شأن منطقة تبادل حر بين الجزائر و تركيا أن تزيل العقبات بين المستثمرين من البلدين لإنجاز مشاريع مشتركة سواء في الجزائر أو تركيا”
وأكد أردوغان أن بلاده تصبو إلى تحقيق استثمارات مهمة مع الجزائر، و أعلن عن قرار البلدين عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة التي لم تجتمع منذ 2002.
تسهيلات لتنقل الأشخاص بين تركيا والجزائر
من جانب آخر أعلن الرئيس التركي عن “تسهيل تنقل الأشخاص بين البلدين والرفع من عدد التأشيرات الممنوحة”، حيث قال “نحن لسنا مثل الدول الأخرى التي تنظر إلى الجزائر على أنها سوق للمنتجات و لا نفكر فقط في بيع منتجاتنا بل نصبو إلى تحقيق استثمارات مهمة أيضا”.
و في هذا الصدد، أشار الرئيس التركي إلى أن حجم استثمارات الشركات التركية في الجزائر يفوق 3.5 مليار دولار سمحت بخلق أكثر من 30.000 منصب شغل لليد العاملة الجزائرية, مذكرا بوجود 377 مشروع استثماري تركي بالجزائر مما يجعل الجزائر تحتل المركز الثالث من حيث تواجد الشركات التركية في العالم.
الجزائر تدعو رجال الأعمال الأتراك إلى الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية
من جانبه، أكد الوزير الأول عبد العزيز جراد خلال إشرافه، رفقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على اختتام منتدى أعمال جزائري-تركي، أن الحكومة ستعمل على تشجيع التعاون الثنائي وجعل الاستثمار والمستثمرين قاعدتين صلبتين لتعاونها مع هذا البلد الصديق.
و دعا جراد رجال الأعمال الذين كانوا حاصرين بقوة في المنتدى إلى الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية في الجزائر معربا عن قناعته بأن هذه القطاعات “ستستقطب اهتمام رجال الأعمال الأتراك واهتمام الصناعة التركية عموما”.
و تتمثل هذه المجالات-يضيف الوزير الأول- في و الصناعات الصغيرة و الخفيفة و التكنولوجيات الحديثة و المؤسسات الناشئة و الزراعة و الري و السياحة معتبرا إياها “مجالات واعدة سيكون فيها للتعاون الجزائري التركي مساهمة أكيدة”.
كشف عن أن المنتدى أتاح “دراسة عدد كبير من الاتفاقيات الهامة” وأنه “تم الاتفاق بالإجماع على أن عددا منها قد بلغ من النضج ما يسمح بتطبيقها في أقرب الآجال”.
وسيكون الاجتماع القادم للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني، الذي سينعقد بالجزائر خلال هذه السنة، “فرصة لتكريس عملنا المشترك”.
وكشف الوزير الأول عن “ورشة كبيرة” جزائرية-تركية سيشرع فيها لوضع “تأطير جديد” للعلاقات التجارية الثنائية ضمن آلية تكفل زيادة حجم التبادل بما يخدم مصلحة البلدي.
للتذكير، كان الرئيس التركي قد حل بالجزائر أول أمس الأحد صباحا، رفقة كبار المسؤولين الأتراك إضافة إلى وفد مكون من 150 رجل أعمال، و استقبل من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وكبار المسؤولين في الدولة و تمت مباحثات بين الطرفين، وقد غادر الرئيس التركي الجزائر صبيحة أمس متوجها الى غامبيا في إطار جولة افريقية، وكان في وداع بمطار هواري بومدين رئيس الجمهورية، ووزيرة الثقافة مليكة بن دودة، والسفيرة التركية في الجزائر ماهينور أوزدمير غوكطاش، ومسؤولين آخرين من كلا البلدين.
رزيقة.خ