جريدة الجزائر اليومية الجزائرية
مقالات مشابهة
على الرغم من تطور الأبحاث العلمية في مجال الطب الحديث بمعظم دول العالم، إلا أن نسبة كبيرة من سكان البلدان النامية لا تزال تعتمد على المعالجين التقليديين للتداوي من خلال استعمال النباتات الطبية والأدوية العشبية، بالإضافة إلى ذلك، وعلى مدى العقود الماضية، ازدادت المصلحة العامة في العلاجات الطبيعية بشكل كبير في البلدان الصناعية، باللجوء إلى النباتات الطبية والأدوية العشبية كبديل للمواد المصنعة كيميائيا، بسبب تأثيرات هذه الأخيرة السلبية على الصحة ونتيجة لهذا التأثير زاد الطلب على المنتجات البيولوجية الطبيعية، مما أدى إلى تطور وتنوع أشكال منتجات الطب التقليدي تماشيا مع التنوع الثقافي والحضاري واختلاف المناخ والبيئة الجغرافية وحتى الفلسفية على نطاق واسع، في حين يبقى المشكل الرئيسي هو تقييم هذه المنتجات وضمان جودتها وكفاءتها لتحقيق سلامة المستهلك من خلال تسجيل وتنظيم تحديات كبيرة في وضع معايير للحد من المتاجرة بالأعشاب الطبية دون أخذ نتائج الأبحاث العلمية المقدمة في هذا الميدان بعين الاعتبار، كون النباتات الطبية مهمة للبحوث الدوائية وتطوير الأدوية، وليس فقط عند استخدام المكونات النباتية مباشرة كعوامل علاجية، بل أيضا كمواد خام لتركيب الأدوية أو كنماذج للمركبات النشطة دوائيا.
لذا ومن أجل ضمان حفظ وتوفر هذه النباتات يتوجب وضع تنظيم مستقبلي لاستخلاص مركباتها بطرق علمية ممنهجة ومتبعة بالتعاون والتنسيق على المستوى الوطني بين المؤسسات العلمية من جهة والحكومات والجهات المعنية بالحفاظ على صحة وسلامة المستهلكين من جهة أخرى.
أما على الصعيد الدولي فإن الوضع القانوني للتحضيرات العلاجية الطبيعية يختلف من بلد إلى آخر، فبعض الأدوية العشبية مقبولة بشكل جيد، بينما في حالات أخرى يمكن اعتبارها كأطعمة ولا يسمح تطبيقها على مستويات علاجية في البلدان النامية، ومع ذلك، غالبا ما تكون الكثير من المستحضرات أساسها النباتات المستخدمة تقليديا اعتمادا على المعارف القديمة المتداولة، لكن بدون معايير تشريعية تقريبا، وذلك لدمج هذه الأدوية العشبية التقليدية في التشريعات الصيدلانية. في حين أنه لتصنيف المنتجات العشبية على أساس الطب التقليدي، فالعوامل المستخدمة في النظم التشريعية تتضمن وصفا في دراسة الأدوية وفعاليتها الصيدلانية، تأثيرها العلاجي، والمكونات أوالمواد الفعالة وفترات الاستخدام، وكذا درجة سمية النبات إن وجدت، حتى يتم تمييزها بموافقات رسمية تسمح بتسويقها بعد تقييم علمي من قبل هيئة تنظيمية تحت اسم معتمد وغلاف يحتوي تأشيرا بمكونتها وطرق وأوقات وكذا حالات تناولها.
إن السوق الجزائرية في ضوء التغيرات الاقتصادية تشهد الآن تنافسا قويا في عرض مختلف الأعشاب ومنتجات الطب البديل ومستحضرات التجميل الطبيعية تحت طابع تجاري عنوانه “طبيعي 100 %”، والغرض من هذا هو جلب الفئة التي تهتم للمنتجات الخالية من التأثيرات الجانبية والملبية للحاجات الصحية حتى البسيطة منها. هذا الطلب المتزايد مع تزايد بعض الإعلانات الزائفة يجعل منها ورقة لعب رابحة يعتمدها بعض التجار ذوو ثقافة محدودة لتسويق المنتجات دون مراعاة معايير صحية أو متابعة طبية لمنع بعض المضاعفات والحد من الأضرار المحتملة على صحة المستهلكين وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة كالسكري ومرض ارتفاع ضغط الدم والأمراض الجلدية… وبهذا الشأن فإن الغياب التام للرقابة على السوق التجارية في الجزائر خاصة فيما يخص منتجات الطب البديل، يستلزم تدخلا مستعجلا وجديا على نطاق واسع لتغيير الوضع.
أولا بتبادل الخبرات الوطنية في صياغة السياسات المطبقة على منتجات الطب التقليدي وإدخال تدابير للموافقة عليها وتنظيمها، وثانيا بوضع الأسس لتحفيز البحث العلمي وتسهيل تبادل المعلومات بين المختبرات والمراكز الطبية ونشر النتائج العلمية المحققة على مستخلصات المواد الطبيعية ذات الفوائد الصحية لمعرفة مركباتها الكميائية ووظائفها البيولوجية وتحديد الكميات والجرعات الضرورية والمخصصة لمرض معين تفاديا لتأثيراتها الجانبية المحتملة. كما يتوجب في الوقت الراهن فرض تغطية تامة لسوق الأعشاب ووضع قوانين صارمة لمنع المتاجرة بالأعشاب الطبية دون وثاق تثبت فعاليتها وجودتها تكون خاضعة لمراجعة خبراء وباحثين في هذا الميدان.
مع التطور التكنولوجي الحديث في مجالات البحث الدقيق في الكيمياء النباتية، تتغنى الجزائر بتقنيات وآليات حديثة كالمركز التقني والعلمي في التحاليل الفيزيوكميائية، وكذا بمجموعة من الباحثين ذوي خبرات فائقة في هذا المجال، التي تسنح بوضع أسس لتحسين مجال الصحة بالاعتماد على الموارد الطبيعية المتوفرة نتيجة تنوع المناخ والبيئة من أجل تحقيق نموذج تحكم منظم لترخيص ومراقبة المنتجات في السوق المحلية، وإعداد وتصنيع وتسويق المنتجات الوطنية في بعض الأسواق الدولية.