في وقت يواصل الحراك الشعبي انتفاضته السلمية للجمعة السابعة على التوالي من أجل رحيل بقايا المنظومة التي خلفها الرئيس السابق، ترتفع أصوات في الساحة السياسية داعية إلى ضرورة العودة للمسار الانتخابي والذهاب في أقرب وقت إلى رئاسيات تعيد لمؤسسة الرئاسة دورها وتمنح الدولة متنفسا داخليا وخارجيا وتعيد هيكلة السلطة بشكل جديد لمراعاة التطورات الحاصلة.
رغم تسارع الأحداث مع تدخل قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي بعد الجمعة السادسة من الحراك من أجل تفعيل المادة 102 و7 و8 من الدستور التي تلتها استقالة فورية من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ثم جمعة سابعة منادية برحيل بقايا النظام، إلا أن بعض القوى السياسية استوعبت هذه اللحظات التاريخية التي تعيشها الجزائر حسب فهمها الخاص بها، مؤكدة على مسألة العودة بسرعة إلى المسار الانتخابي من دون تضييع المزيد من الوقت والجهد، وقد سبق لهذه الأطراف التقدم للانتخابات الرئاسية في 2014 و2019 قبل أن يتم إلغاؤها.
وترفض هذه الجهات الحزبية المرحلة الانتقالية التي يطرحها البعض في الساحة السياسية خاصة من نشطاء الحراك الشعبي الذين يأملون في إعادة بناء النظام السياسي من جديد، وليس بإعادة “رسكلته” بوجوه السلطة السابقة التي رفضها الحراك في استفتاءات شعبية عبر كل المدن الجزائرية خلال سبع جمعات متتالية منذ 22 فيفري الماضي. ويركز المنادون بضرورة العودة إلى الانتخابات على قضية احترام الدستور والامتثال لدولة القانون والمؤسسات وعدم فسح المجال للوقت لتستغل ذلك جهات قد تنقلب على المطالب الشعبية وتحولها عن مجراها.
وكان رئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، أول من شدد على أن توقيف المسار الانتخابي من طرف الرئيس السابق بوتفليقة “أدخل البلاد في منطق اللادستور، وجعلها رهينة شخص واحد”، ورأى حزب المستقبل أنه “ملتزم بالدستور وبالموعد الإنتخابي الذي يحدده”، مفيدا بأن رئيسه عبد العزيز بلعيد “باقي في الانتخابات الرئاسية وينتظر قرار المجلس الدستوري، وهناك محطة انتخابية لابد من احترامها حتى نبقى في دولة قانون”، ويعتقد المرشح السابق لرئاسيات 2014 أنه “لا يمكن تسيير الدولة بمراحل انتقالية، لابد من انتخابات نظيفة ونزيهة يحكمها الشعب”.
وفي السياق ذاته، أكد رئيس الحكومة السابق علي بن فليس في تدخلات إعلامية أنه مع الحل الذي يتجه نحو إعادة الروح للمسار الانتخابي، والعودة في أقرب وقت إلى تنظيم انتخابات رئاسية تحت إشراف هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات وبذهاب وجوه النظام القائم على رأسهم حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي، وحسب رئيس حزب “طلائع الحريات” بن فليس فإن تضييع الكثير من الوقت في المراحل الانتقالية من شأنه الإضرار بمطالب الحراك الشعبي الواضحة في الإصلاح والتغيير، ومن جهته طالب المرشح السابق للرئاسيات الجنرال المتقاعد علي غديري بـ”العودة إلى المسار الانتخابي، والأخذ بعين الاعتبار الملفات المودعة من قبل المترشحين الأوائل أمام المجلس الدستوري، وفحص قانونيتها، وكذلك فتح المجال لجميع المواطنين بالترشح لخوض الانتخابات الرئاسية”، وظل علي غديري في مختلف خرجاته الإعلامية متمسك بضرورة السماح للمواطنين لمراقبة عملية الانتخابات، وفتح مراجعة القوائم الانتخابية ليتسنى لأكبر عدد من المواطنين الإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات المصيرية التي تنتظرها البلاد.
على عكس هذه الشخصيات السياسية التي من الواضح أنها تبحث على مكانة لها في الخريطة السياسية المستقبلية مستغلة عدم فرز المشهد السياسي بعد استقالة الرئيس بوتفليقة وبقاء بعض رموز نظامه، وهذا من حقها بما أنها تمارس العمل السياسي الشرعي، فإن الحراك الشعبي الذي تحول في ظرف أسابيع قليلة إلى قوة تأثير كبيرة تسير خلفها كل قوى المعارضة وحتى القوى المكونة للسلطة، لديه تصور آخر للمرحلة المقبلة، وما رفض تطبيق المادة 102 من الدستور في الجمعة الأخيرة إلا دليل على أن المعارضة والحراك الشعبي في واديين متفرقين لا يلتقيان إلا في مسألة رحيل رموز النظام، أما مسألة المرحلة القادمة فهناك اختلاف تكتيكي بين الطرفين.
وبطريقة منطقية اختزل المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي الذي يعتبر أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي القضية في حالة القبول بتطبيق المادة 102 من الدستور فقط، فمعنى ذلك –حسبه- أن “رموز النظام هم من ينظمون مستقبلنا في حين أن هؤلاء هم الذين زوروا إرادة الأمة وأفسدوا الوطن ولا يمكن أن يكونوا جزء من الحل”.
إسلام كعبش