على بعد 55 كم، غربي العاصمة الأردنية عمان، وعلى المنطقة الفاصلة ما بين الحدود الأردنية – الفلسطينية، تقع أكثر بقاع الأرض انخفاضاً عن مستوى سطح البحر بـ (417 متراً)، إنه “البحر الميت” الذي يعتبر من أكثر المناطق جذباً للسياحة العلاجية على مستوى العالم، وكان في القِدم يسمى “بحيرة لوط” (نسبة إلى قوم نبي الله لوط عليه السلام الذين سكنوا المنطقة).
الدراسات المتخصصة أكدت أن منطقة البحر الميت تتربع على رأس قائمة المناطق العالمية في السياحة العلاجية؛ نظراً لما تتمتع به من خصائص مناخية فريدة، سواء بخلوه من الرطوبة، وباحتوائه على عيون كبريتية جعلته مؤهلاً لعلاج العديد من الأمراض، وخاصة الجلدية منها، والتي تنتشر بصورة كبيرة، إذ يصل عدد المصابين بها في أوروبا وحدها إلى 25 مليون مريض. ويتمتع البحر الميت بطبيعة خلابة فريدة من نوعها، وغرابة عجيبة؛ تتجسد بعدم وجود كائنات حية فيه؛ لكثافة أملاحه دوناً عن بحار العالم الأخرى، إذ تعتبر نسبة الأملاح فيه أكثر بعشرة أضعاف عن بقية البحار والمحيطات، فضلاً عن امتيازه بأملاح كلوريد المغنيسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والبرومين، والعديد غيرها، وهو ما كان له الدور الرئيس في جذب السياح والزوار منذ عصور مضت. المثير في الأمر، أن شدة ملوحة البحر الميت تختلف باختلاف العمق، فيما تتميز منطقته بأن الشمس لا تختفي عن ملامسة سطحه نهاراً طيلة أيام العام، إذ يبلغ متوسط درجة الحرارة فيه 30.4 درجة مئوية، والأهم أن أشعة الشمس في المنطقة من النوع غير الضار بصحة الإنسان.
ويشتهر البحر الميت بالطين الأسود المشبع بالأملاح والمعادن، ليؤكد الخبراء أن ماء وهواء وتراب وشمس البحر الميت، هي العلاج الحقيقي والطبيعي للأمراض الجلدية كافة، حيث تحمل خواص لا تتوفر في الكون إلا في أرض البحر الميت. نتائج الأبحاث العلمية أثبتت أن نظام الاستشفاء الطبيعي بمياه البحر الميت، للعديد من المرضى، جاءت نتائجه إيجابية، وذلك عن طريق الاستجمام فيه والتعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية مرتين يومياً، على أن تكون الأولى بعد شروق الشمس والثانية قبل الغروب، حيث تتوافر الأشعة فوق البنفسجية طويلة المدى، والمعروفة بتأثيرها الفعال في علاج العديد من الأمراض الجلدية، وخاصة الصدفية. الدكتور زهير بشارات، اختصاصي الأمراض الجلدية ومدير منتجع البحر الميت العلاجي، أكد في حديثه لـ “الخليج أونلاين“، أن “أسرار البحر الميت عديدة ومن الصعب حصرها، لكن أهمها الشمس والهواء والماء، فالشمس تختلف عن غيرها؛ نظراً لأن الأرض منخفضة، ما يجعل أشعتها غير ضارة للمتعرض لها، لأن مسافة الجسم عن الشمس أطول من غيرها في أي مكان آخر“.
ويضيف: “أما الهواء، فهو يحوي نسبة أوكسجين عالية تعتبر العليا على مستوى العالم، وذلك لسببين؛ الأول انخفاض الأرض، والثاني وجود مادة البروم، والتي تنتج عن تبخر مياه البحر المالحة، ما ينعكس على الهواء ليصبح أكثر نقاوةً“. كما يعتبر الطين أو تراب البحر الميت، الأغنى على الإطلاق بالمعادن؛ فهو يحوي على 26 عنصراً هاماً لجسم الإنسان، منها: المغنيسيوم والبوتاسيوم والكالسيوم والبرومين والسفات والليثيوم والسرونتيوم واليود والحديد والسيدينيوم والكروم والزنك، وهو ما يحتاجه جسم الإنسان ليحسن أداء الدورة الدموية ويزيد من قدرته على التخلص من السموم، وتخلص هذه المعادن الجسم من الإرهاق وآلام الظهر، وتوفر للخلايا العناصر المهمة لتجددها. وقع الاختيار على منطقة البحر الميت، من قبل منظمة الصحة العالمية كمركز عالمي لعلاج الكثير من الأمراض الجلدية في عام 2011، ما يدل على أهمية المنطقة في مجال السياحة العلاجية، الأمر الذي دفع العديد من المواطنين في دول الخليج لقصد المنطقة الأكثر تميزاً على مستوى العالم، لتكون بديلاً عن غيرها من الدول الأوروبية التي لطالما شكلت محطة مهمةً من محطات السياحة الخليجية، لا سيما السعودية، فقد شهد العام الفائت 2014، وصول أكثر من مئة ألف سائح سعودي إلى المنطقة، لتبدأ معها السفارة السعودية في عمان استعداداتها هذا العام للتعامل مع الأعداد الكبيرة التي يتوقع أن تزور الأردن هذا الصيف.
أثبتت الدراسات العلمية، أن معالجة داء الصدفية (مرض جلدي) في منطقة البحر الميت، أدى إلى شفاء ما نسبته 70 إلى 85% من الحالات، ما شجع الأطباء على توصية المرضى بالعلاج في المنطقة، من الأمراض الجلدية المزمنة مثل الأكزيما، وثبت علمياً أن الأجواء الدافئة والغنية بالأوكسجين في منطقة البحر الميت تساعد المرضى الذين أجريت لهم عمليات في القلب على سرعة الشفاء. رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر الأردنية شاهر حمدان، قال لـ “الخليج أونلاين“: إن “الأردن يتمتع بالكثير من الأماكن السياحية العلاجية الغنية بالمياه المعدنية والطين النادر الذي جعل منه مقصداً للسياحة العلاجية، حيث توجد العديد من الأماكن والمنتجعات السياحية ذات الطابع العلاجي والاستشفائي المتميز على مستوى العالم، خاصة في منطقة البحر الميت“. وأشار حمدان إلى أن “مقومات السياحة العلاجية في الأردن تتنوع من مكان سياحي إلى آخر، فبعض الأماكن تتميز بوجود المياه والرمال المعدنية، وأخرى تتميز باستخدام مياه البحر الميت في الاستشفاء عن طريق الاستحمام في المياه والدفن في الرمال والطين“.