أصدر الروائي عبد الرؤوف زوغبي روايته الجديدة الموسومة “سماء مسجونة”، وذلك عن دار خيال للنشر والتوزيع.
وحسب الملخص الذي تحصلت عليه “الجزائر” فإن الرواية تتمحور حول حكاية امرأة قيّدتها أوراق متناثرة بشهودٍ على زاوية الغياب.. ورجلٌ تمرّد على غيومه الجافة حتى من قطرات ندى الفجر.. جمعهم صدفة قدرٍ يترنح على ضفاف الفوضى….! في البيئة الشرقية، حيث لا يُسمع فيها حنين ثكلى، ولا أنين امرأة حملتْ وتعبتْ وكدّتْ، يلتف كالأفعى حولها.. رجل لم تعرف الرحمة لقلبه طريقًا ولا للرأفة بين دفتيّ صدره مُتَّسعًا.. اقتاده الوهم لتغييب ضميره و وأد حقيقة إنسانيته وآدميته..كان يظنُّ أن الشعاع المنبعث عبر النافذة مجرد انعكاس لومضات شموع الغرفة..
ومما جاء في الملخص أيضا الذي كتبه المؤلف، غادر الكوخ غير مبالٍ بما حوله، و أخذ الطريق نحو مقهى القرية العتيق، دخل إليه مُتَّخِذًا مقعدًا تهاوى عليه بعدما استدار نحو سرواله ليرتِّب تعاريج محملتيه، و طلب من النادل أن يأتيه بكأس حليب وعلبة سجائر.. رمقه “سي مختار” – صاحب المقهى– بنظرة لا تخلو من الغضب بعدما رمى بجلبابه الطينيّ جانبًا و جلس على كرسيه الهزاز و راح يبرم شاربه الكث، ثم قال مُحدِّثا عَمّار بنبرة من السخرية والازدراء: إيه يا عمّار! متى وصلتك حضارة تعاطي المخدرات..؟
تلملم عمّار في مقعده وأطفأ رابع سيجارة يشعلها و قال: عَمِّي مختار.. هذه الدنيا تحملك على ظهرها، ثم تلفظك كأنّك نكرة لا تكاد تُذكر بعدما تعبث كيف شاءت لتلقيك في قمامتها دون ذِكرٍ أو حتى أثر أو بقايا ركام..!
فاطمة.. زوجة تعيش مرارة الحياة معه بعدما شرّدها و سلبها حتى أنفاسها وكلّ ذكرياتها الجميلة، ولم يتبقّ لها سوى أملها في الحياة (سلمى) ابنتها الصغيرة، رمز سعادتها وإكسير حياتها التي تكابد للعيش من أجلها فقط..! كانت بمثابة الباحثة عن هويّتها أو مكان تعيش فيه، و في وجدانها سُمٌّ قاتل و بقايا نبض.. صراع بين الحياة و الموت و شعور عميق بالضياع، لتقضي أيامها المقدّرة مع الموتى الأحياء أو السائرين إلى القبر..
في مجتمعٍ شرقي لا يأبه بوجود المرأة في مفاصله، تسري في عروقها مرارة الانكسار، تمشي إلى رحى النسيان، وتدري أنَّها إلى طيِّ النسيان تسير.. وأنَّ نهايتها الحتمية ستكون على يد العابث بروحها و التي أصبحت ممتنعة حتى عن مضاجعته الليلية بعدما أهلك جسدها الداء الخبيث الذي انتقل منه إليها وأنهك روحها، فيمر كل شيء خانق على عجل، تستعجل الصراخ داخلها بعد أن عرفت من طبيب القرية مصيرها المحتوم.. صراخها الذي تزفره كالحمم بصمت ليحرق تنهُّداتها و يرسم على شفتيها عنوانًا للقهر، فتنتابها ارتعاشة قوية تنخر جسدها، وكل حسرتها على فلذة كبدها.. من لها بعد رحيلها عن دنيا الفناء؟
الْتوَت مفترشة الأرض كأنَّها تعود لحضن أمها و لعل النوم يشهد خاتمتها.. غفتْ بعد نوبات سعال بشفاه ٍ باسمة وكأنَّها تقول.. سأعيش! لعلَّها تنسى بعض صراعها مع الداء اللعين تارة، و نكد العيش مع رجل ٍ يعاقر الخمر و المجون تارةً أخرى.. حلّ المساء، و عاد كل شيء كعادته، سماء ملبّدة بقطع الغمام، و حناجر تشدو أغاني الصيف هنا و هناك, و تلك النسمات الرطبة تلهو بالسنابل الخضراء تارة، و تداعب ماء الوادي تارة أخرى..يعلو في كل حين صوت العصافير و الخِراف العائدة بعد الرعي في المروج الخضراء إلى حظائرها، و الفراشات المحلّقة تتمايل بأجمل ألوانها وحلّتها، تتنسم أريج الصيف الهادئ في سكونه، حتى جاءت اللحظة التي لم تكن تحسب حسابها لتودِّع أترابها نحو سماء ظلَّتْ تسافر إليها بأوجاعها تاركةً خلفها كل آلامها وآمالها… إلى حيث السكينة الأبدية و الَّلاعودة..!
صبرينة كركوبة