السبت , نوفمبر 16 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الحدث / ظاهرة التطرف والغلو  لدى الشباب التونسي

ظاهرة التطرف والغلو  لدى الشباب التونسي

           *الدكتور حبيب حسن اللولب

مقدمة

للحديث عن واقع الشباب التونسي اليوم لابد من تناول دوره الحيوي خلال فترة النضال الوطني والحركة الوطنية فترة الاحتلال الفرنسي التي امتدت من (1881-1956) م، ومساهمته في تحرير البلاد واسترجاع الاستقلال الوطني التونسي. أي على مدى خمس وسبعين سنة، بدءا بالمقاومة المسلحة العسكرية، ثم تغيير خطتها واسترتيجيتها بتبني النضال السلمي المتمثل في المقاومة السياسية والثقافية – التعليمية؛ بتأسيس الجمعيات والأحزاب (حركة الشباب التونسي سنة 1907) والجرائد (التونسي وغيرها) وإنشاء المدارس ونشر الوعي.. لأجل التطوع في جيش التحرير لتقوية المقاومة التونسية.

ومن المؤسسات التي لعبت دورا مهما وحيويا بهذا الخصوص جامع الزيتونة وفروعه العريقة والمتجذرة عبر التاريخ، إلى جانب المدارس والمؤسسات الخيرية التابعة للزوايا والطرق الصوفية.. حيث كان دورها بارزا في نشر التعليم والمعرفة والمحافظة على الهوية والحضارة العربية الإسلامية بتونس وباقي الدول المغاربية كالجزائر وليبيا، فعملت على تحصين الشباب التونسي والمغاربي وربطه بهويته الوطنية فضلا عن وقايته من التطرف.. وتوج كل ذلك الجهد لمتنوع باسترجاع الاستقلال التونسي في مارس 1956م.

لتعتمد الدولة الوطنية القطرية التونسية إجراءات وتعتمد قرارات عدة – عجزت فرنسا عن اتخاذها خلال فترة احتلالها للبلاد التونسية- ساهمت في نمو التطرف وتفشي ظاهرة الغلو والعنف للأسف. ضمن هذا المنظور وفي سياق التعرف على هذه الظاهرة الغريبة وغير النافعة، بل المهددة لاستقرار وسلامة المجتمع التونسي؛ تأتي هذه المقالة للتعرف على خلفية ظهورها وتناميها لدى الشباب التونسي؟ أسباب اعتماد السلطات التونسية لإجراءات إقصائية متطرفة ولدت تطرفا مضادا؟ النتائج والآثار المترتبة عن نمو الظاهر وتهديدها لسلامة الأفراد والمجتمع؟ سبل مقاومتها والإجراءات أو وصفة العلاج الممكنة لتخطي أثارها والتخلص منها؟

سنعتمد منهجي التقصي والتحليل في تتبع الظاهرة ورصد نتائجها وآثارها الخطيرة على الشباب التونسي مستفيدين من الدراسات والأبحاث العلمية والاجتماعية التي تناولت الموضوع والنتائج المتوصل إليها لعلاج الظاهرة ووقاية الشباب منها.

أولا- الجمهورية الأولى: دولة الاستقلال والشباب التونسي (1956- 2010) م

  • حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (1956-1987)م

ظاهرة التطرف والغلو والإرهاب دخيلة على المجتمع والشباب التونسي، وتعود جذورها إلى إدارة الاحتلال الفرنسي لتونس ودولة الاستقلال والمتمثلة في مشروع الرئيس الحبيب بورقيبة التحديثي-العلماني-اللائيكي؛ الذي تولى السلطة من (1956-1987) م، حيث بعد تغلبه على الجناح العروبي-الزيتوني بزعامة الأستاذ صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الدستوري وما عرف (بالأمانة العامة) بدعم من الحكومة الفرنسية، اتخذ عدة إجراءات وقرارات ضد الهوية والتراث العربي الإسلامي، وهو ما لم يعهده المجتمع التونسي المحافظ على اعتبار الأمر دخيلا؛ حيث عمل على محاربته ونضال من أجله خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وتمثلت في غلق مؤسسة جامع الزيتونة وفروعها وتفكيك التعليم الديني، وحل مؤسسات الزوايا والطرق الصوفية، وإلغاء الأوقاف، ومحاربة التدين، واستيراد مشاريع وأنظمة سياسية من الغرب بشقيها (الرأسمالي والاشتراكي- الشيوعي)، وإسقاطها على المجتمع التونسي دون تكييفها ومزاوجتها مع الهوية، والاستبداد بالحكم بالرئاسة مدى الحياة ما عرف (بالجمهورية- الملكية)، والإقصاء والتهميش بين الجهات، وكل هذا أدى إلى التقوقع والفشل والتصحر السياسي والثقافي والديني، وقاومت النخبة المتخرجة من الزيتونة والصادقية هذه السياسة، وحصنت الشباب من التطرف والغلو، وأخرت ظاهرة التطرف إلى حين.. لكن آثار ونتائج هذه القرارات ستظهر بزوال ورحيل هذه النخبة الوطنية، خلال فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي (1987-2010) م.

2-  حكم الرئيس زين العابدين بن علي (1987-2010) م

 تولى زين العابدين بن علي الحكم إثر انقلاب الأبيض على الرئيس الحبيب بورقيبة، بعد عجزه عن تسيير دواليب الدولة بسبب كبر سنه ومرضه من (1987-2010) ، وهو مواصلة لنظام السابق، وفي عهده ازداد الوضع أكثر سوءا، وأصبحت الساحة التونسية خالية من العلماء والمفكرين ورجال الدين، وإتباع سياسة أكثر تطرفا وغلوا واستبدادا وإقصاء وتهميشا ورفضا الأخر، وتجفيف منابع الهوية العربية الإسلامية من البرامج التربوية والتعليمية، منذ تولي الأستاذ محمد الشرفي الإشراف على وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، وتغلغل التيار الفرنكفوني اليساري المتطرف في المؤسسات الجامعية والتربوية ونشر كذلك ثقافة ما عرف” بالمهرجانات الفوكلورية والرياضة ”  واليانصيب “” PROMO SPORT”؛ مما أدى إلى تخريج دفعات متطرفة من اليمين واليسار، وأصبحت عرضة للاستقطاب والتجنيد من قبل قوى متطرفة، مما أدى إلى تنامي مشاعر الكراهية والرفض، وبقيت مكبوتة في انتظار تفجيرها، بحكم ضعف مستواها التعليمي والديني والثقافي، وأزداد الوضع سوءا ورداءة بانتشار الفكر المتطرف والغلو، بسبب التصحر السياسي والثقافي والتعليمي والديني، الذي عاشته البلاد التونسية، وعرفت عدة ظواهر( مثل عبادة الشيطان والتشيع والتمسح والإلحاد).

عرفت البلاد التونسية نتيجة لهذه السياسة، حراكا حزبيا وجمعويا لمقاومة الاستبداد وسياسة الرئيس زين العابدين بن علي أدى ذلك إلى اندلاع انتفاضات في عدة مناطق تونسية (المناجم والمتلوي، وبنقردان والقصرين…) انتهت بثورة الكرامة في جانفي 2011م.. وهروب الرئيس زين العابدين بن علي وسقوط نظامه. وما يمكن استنتاجه هو فشل الدولة الوطنية القطرية التونسية والجمهورية الأولى من (1956-2010)م، في تأطير الشباب والاستثمار في المستقبل وانتهت هذه المرحلة بتأسيس الجمهورية الثانية .

ثانيا- الجمهورية التونسية الثانية: الثورة التونسية

عرفت البلاد التونسية الانسداد الديمقراطي والتصحر السياسي والثقافي والديني لأكثر من نصف قرن، وقد اندلعت عدة انتفاضات وانتهت بثورة الكرامة التونسية في جانفى 2011، والتي جاءت كرد فعل على تراكمات تاريخية من الاستبداد والفساد والمحسوبية والإقصاء والتهميش، والمطالبة بالتنمية والديمقراطية والشغل والحوكمة الرشيدة، بتأسيس الجمهورية الثانية، وبتعاقب عدة حكومات (محمد الغنوشي والباجي القايد السبسي وحمادي الجبالي وعلي العريض والمهدي جمعة والحبيب الصيد ويوسف الشاهد)، وإجهاض المشروع الديمقراطي، اخترقت وحرفت الثورات والانتفاضات العربية من (2011-2012)، عن مسارها وأهدافها النبيلة وتمت عسكرتها، من  قوى داخلية وخارجية، وتحويلها إلى دول فاشلة والى فتن وحروب أهلية، واستخدمت سياسة العصا والجزرة، على طريقة “من ليس معنا فهو ضدنا” ووجدت المخابرات العربية وخاصة الغربية والأمريكية ضالتها،، وتسويق أطروحة المستشرقين بشأن عدم ملاءمة الديمقراطية للشعوب والثقافة العربية واعتبرت الديمقراطية خطا أحمر لا يسمح بها ولا يمكن تطبيقها على الشعوب العربية والإسلامية،  وهي تعتبرها منطقة انقلابات عسكرية ( التأييد والمشاركة في الانقلاب العسكري في كل من مصر وتركيا) وتجريب الأسلحة والمنظومات التعليمية، من أجل تخريب الانتقال الديمقراطي وسحق رموزه . وقامت بترويج خطاب الفوضى وعدم الاستقرار وساندتها شبكات التواصل الاجتماعي والجمعيات المشبوهة، في البلاد التونسية -العربية، وفي ظل فشل الدولة التونسية في الاستجابة للمطالب الاجتماعية، اتسع نطاقها وارتفعت مطالبها، ووجدت ضالتها وتربتها الخصبة لتطبيق أجندتها، بالتغرير بالشباب التونسي الذي كان  ضحية منظومة سياسية وتعليمية واستبدادية، وتجنيده وتسفيره إلى ساحات القتال في سوريا والعراق وليبيا، للجهاد في الظاهر ولكن في الباطن لتطبيق مشاريع لا ناقة له فيها ولا جمل، مثل مشروع الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزة رايس، وبعد تمرد تنظيم “القاعدة”، تأسست منظمة إرهابية جديدة “داعش” تحت إشراف مخابراتي ومنحها اسم “الدولة الإسلامية” لتشويه الاسلام والمسلمين وربطه بالارهاب والاجرام والسبي والنساء، ولوضع حد لانتشار الاسلام في أوروبا والعالم، وقد وصل عدد التونسيين في المناطق الساخنة والحروب إلى أكثر من 6 آلاف شاب وشابة.

شهدت البلاد التونسية ميلاد نشاط مكثف للحركات السلفية الجهادية، ومن بينها التنظيم المتطرف “أنصار الشريعة”، الذي تغلغل في الأحياء الفقيرة المحيطة بالعاصمة وفي المناطق الداخلية المُهمّشة، وأفلحت ونجحت في استقطاب عدد من الشباب المعطل، الذي يشكو هشاشة نفسية واجتماعية، وقد تم توظيفه في أحداث العنف.

ولمعالجة والتصدي لهذه الظاهرة اتخذت الحكومة التونسية منذ سنة 2012 عدة قرارات وإجراءات، للحد من تسفير الشباب التونسي إلى ساحات القتال؛ من قبيل منع الشباب التي تقل أعمارهم عن 35 سنة، وكذلك الفتيات – الا بترخيص من الولي- من السفر إلى الخارج. ومن أجل إنجاز المصالحة مع الشباب التونسي وفتح صفحة جديدة.. منح  الدستور الجديد – الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية التأسيسية يوم 26 جانفي 2014 بأغلبية الثلثين- عدة امتيازات ومكتسبات وحقوق باعتبارهم أسس المجتمع وعماده، ومستقبل البلاد و أمانها وازدهارها .

في الإطار صرح وزير الداخلية التونسي الهادي المجدوب لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية أن “السلطات الأمنية منعت منذ 2012 أكثر من 27 ألفا من الشبان التونسيين المشتبه بهم من السفر إلى مناطق النزاعات المسلحة في الخارج.” واعتبر أن منع المشتبه بهم من السفر من أهم الحلول التي اعتمدتها الداخلية التونسية للحد من سفر الشباب إلى بؤر التوتر والتحاقهم بالتنظيمات الإرهابية. وقد تمكنت أجهزة الأمن التونسي في سنة 2016 من تفكيك 245 خلية تسفير للشباب إلى بؤر التوتر خارج تونس، بينما كان العدد في حدود 100 خلية في سنة 2013، كما أوقف الأمن 517 عنصرا متورطا في هذه الخلايا.

وفي الإطار نفسه للأسف فقد أصبح الإرهاب شماعة لتخويف الدول والشعوب ولتصفية الحسابات بين بارونات الفساد والمافيا والمخابرات الأجنبية في تونس؛ التي اتهمت باغتيال كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي للإجهاز على الثورة والمسار الديمقراطي (انظر في هذا الإطار تصريح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بأن المخابرات الفرنسية قامت بعدة عمليات للحفاظ على المصالح الفرنسية)، وكذلك الأمر بشأن عملتي باردو وسوسة.. والكثير من العمليات الإرهابية التي حدثت بتونس.. والتي تحتمل العديد من القراءات والتأويلات (تحالف تيار الثورة المضادة والإرهاب) واستخدمت سياسة العصا والجزرة، على طريقة “من ليس معنا فهو ضدنا” .

وقد جاءت في مجملها كعمل منسق وممنهج لوأد المسار الديمقراطي وتدمير الاقتصاد التونسي وخاصة القطاع السياحي، وبث الدعاية المغرضة لتشويه سمعة الشباب التونسي، واتهامه بالإرهاب والإجرام. وكذلك الفتاة التونسية التي اتهمت في شرفها من خلال الترويج الإعلامي لموضوع  “جهاد النكاح” ( لا وجود له في الكتابات الإسلامية )، ولضرب وتشويه المفهوم السامي للجهاد بكونه دفاع عن كرامتها ضد الأعداء الخارجيين. وقد سعت الحكومة التونسية لاستدراك الوضع خاصة ما تعلق منه بالتكفل بمشكلة الشباب ومعالجة التطرف؛ عبر آليات إدماج هذه الفئة.  واقترحت على مجلس الشعب التونسي قانون التوبة، لمعالجة قضية الإرهاب وعودة التونسيين من المناطق الساخنة.. والذي مازال يراوح مكانه في ظل رفضه من قبل بعض الجمعيات والنقابات ذات التوجه العلماني اليساري خاصة. وضمن هذا ننوه وندعو للاستفادة من تجارب الأشقاء الجزائريين والمغاربة في بناء المصالحة الوطنية.

الخاتمة

في نهاية هذا البحث نبدي الملاحظة بتعقد وتشابك أسباب ظاهرة التطرف لدى الشباب التونسي، ووجود أسباب داخلية وخارجية ساهمت في استفحال الظاهرة تطرفا وإرهابا.. ونقترح لتفكيك الظاهرة وتجاوزها دخل المجتمع التونسي ما يلي:

إحداث مراجعة شاملة للمسار السياسي والمجتمعي وتقييمها، والاجتهاد في استخلاص النتائج والدروس الممكنة لإعداد استراتيجية ضمن قراءة استشرافية لواقع المجتمع والراهن من حولنا ثم الشروع في خريطة طريق واضحة للعمل، بتقديم الحلول المتاحة ضمن رؤية علمية متكاملة لا مجزأة للظاهرة. ونعتقد أن في مقدم خطوات ذلك، العمل على إحياء القيم المجتمعية التونسية الأصيلة؛ تلك التي تقوم على نبذ العنف وتحيي قيم التسامح والتعايش المشترك بين مكوناته وفئاته وإعادة الاعتبار للمؤسسات الدينية المتمثلة في الزوايا والطرق الصوفية (لكن شريطة تحديثها لتلائم العصر ونزع كل ما ألصق بها من شوائب وانحرافات) وجامعة الزيتونة لنشر الإسلام المعتدل المتصالح مع عصره وبيئته. ثم الشروع في إعداد خطة وبرنامج لإصلاح المنظومة التربوية باعتماد معايير الجودة في المناهج والبرامج التعليمية، ومصالحتها مع الهوية مع ضمن المزاوجة بين الحداثة والأصالة العربية الإسلامية.

وأخيرا وليس آخرا العمل على تجذير الفكر والممارسة الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي على  السلطة، وعلى كفالة حقوق الإنسان، واعتماد الحوكمة الرشيدة، وتعزيز تحقيق العدالة بين الجهات ودعم مكافحة الفساد والتخلص من المحسوبية والرشوة… بالموازاة مع ذلك العمل على تشجيع الشباب على الاندماج الاجتماعي والتفاعل مع مشكلته إيجابا من خلال انخراطه وتأطيره في العمل الجمعوي والنقابي والنشاط الحزبي السياسي.. وتبني الحوار معهم. ولنا في تجربة المصالحة الجزائرية والمغربية خير حافز ودليل لتعزيز هذا التوجه لصالح شبابنا، والسعي لخلق وتوفير مناصب الشغل ودفع مناخ الاستثمار لصالح الشباب ومنحهم الأولوية؛ سعيا لكسبهم واندماجهم ومساهمتهم في بناء المستقبل الواعد لهم ولمجتمعهم.

  • رئيس مركز(جمعية) البحوث والدراسات من أجل اتحاد المغرب العربي الكبير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super