تشهد الساحة الوطنية منذ مطلع السنة الجديدة 2019 حراكا اجتماعيا كبيرا تقوده النقابات العمالية في كل القطاعات على رأسها التربية والصحة والإدارة بعد هدنة دامت أشهرا. تحرك جماعي وصف بالمشبوه والسياسي على حد قول الوزير الأول، أحمد أويحيى، خاصة وأنه جاء تزامنا مع حدث سياسي هام تحضر له السلطة وهو الانتخابات الرئاسية التي لم ير لها الخيط الأبيض من الأسود وغموض كبير يميز الوضع.
تمر السلطة في الفترة الحالية بمخاض عسير، فمن جهة الضبابية في ملف رئاسيات أفريل القادم التي لم تر النور بعد، كون رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لم يضع النقاط على الحرف فيما يخص العهدة الخامسة، إلى جانب التهديد الأمني للبلاد وقضية المهاجرين والحراقة وهو الملف الذي تستغله أطراف دولية للضغط على الحكومة الجزائرية من خلال إطلاق تقارير مكذوبة في كل مرة، وما زاد الطينة بلة هو تسجيل حراك نقابي اجتماعي بداية جانفي الجاري وهي القطرة التي أفاضت الكأس، ورغم أن حكومة استبقت الوضع وأكدت على لسان أحمد أويحيى أن سنة 2019 لن تكون سهلة من أجل غلق الطريق أمام تحرك النقابات العمالية ودفعها لمواصلة الهدنة إلى حين ضبط الوضع السياسي الحرج.
تحرك أكثر من 12 نقابة في فترة زمنية واحد تحت شعار أنها مطالب لا تخرج عن سياق المطالب العمالية الاجتماعية، وصفه الكثير من المختصين في الشأن السياسي، بأنه حراك نقابي اجتماعي ملغم تزامنا والانتخابات الرئاسية، وبأنه ورقة ضغط على حكومة أويحيى مع اقتراب موعد الاستحقاقات الرئاسية مطلع أفريل المقبل، أين أنهت هذه الأخيرة هدنتها واستيقظت موحدة ومهددة بالتصعيد والاحتجاج، ما دفع لطرح ألف سؤال حول من يقف وراء النقابات الغاضبة؟ ومن المستفيد من تعفين الساحة الوطنية المريضة أصلا؟
والبداية كانت بتحرك أصحاب العمائم البيضاء على حد وصف وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، أين تحرك أكثر ألف إمام الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية جلول حجيمي ومطالبة رئيس الجمهورية بتحقيق مطالب وصفت بالتعجيزية ،ومارست النقابة الضغط على قطاع الشؤون الدينية والذين هددوا بالخروج إلى الشارع نهاية جانفي للمطالبة برفع الأجور ومراجعة القانون الأساسي لقطاع الشؤون الدينية، تهديدات لم يخف الوزير تخوفه منها ليرضخ في الأخير إلى سياسة التهدئة بدعوة الأئمة إلى طاولة الحوار وهو ما تحقق أمس الأول في انتظار ما ستفرج عنه اللقاءات المبرمجة طيلة هذا الشهر.
التكتل النقابي لقطاع التربية يقرر العودة للإضراب
حراك نقابي أخر يقوده التكتل النقابي المستقل لقطاع التربية الوطنية، والذي يضم ست نقابات تربوية ويؤطر أكثر من 430 ألف أستاذ، وفي اجتماعيه هذا الأسبوع قرر العودة إلى الإضراب بداية من يوم 21 جانفي المقبل، متبوعا باعتصام ولائي يوم 22 جانفي على مستوى المفتشيات، هذا وتمخض عن إجتماع النقابات المستقلة الست (الكلا، الكناباست، الستاف، السناباب، اسنتيو، اينباف) المنضوية تحت لواء التكتل النقابي، غالب خيار العودة الى تحريك عجلة الإضرابات في قطاع التربية بعد أشهر طويلة من التهدئة، ويأتي قرار التكتل وسط سكوت مطبق لوزيرة التربية نورية بن غبريت التي لم تبد لحد الساعة أية مبادرة للحوار مع الشريك الاجتماعي المصر على لائحة المطالب نفسها والتي تشدد على مراجعة القانون الأساسي للقطاع واحترام حرية النشاط النقابي وإعادة النظر في قانون التقاعد وتحسين الوضع الاجتماعي.
سيدي السعيد مغضوب عليه
حراك آخر يشهده قطاع الشبه الطبي ووصفه سيدي السعيد بالحراك السياسي وكان الأكثر حساسية خلال الأيام الماضية، حيث قادت نقابة الشبه طبي حركة احتجاجية قوية ضد الرجل الأول في الاتحاد الوطني للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد يوم 12 ديسمبر الماضي، وطالبت النقابة بتنحي سيدي السعيد بعدما وجهت له جملة من الاتهامات وفي مقدمتها استغلال الاتحاد لمصالحه الخاصة والعمل ضد مصلحة الطبقة الشغيلة، وهو الموقف الذي لم يبد سيدي السعيد أي رغبة في التجاوب معه واصفا المحتجين بـ”الحاقدين و المنافقين”. فيما ركز بيان سابق لقطاع الشبه طبي على أن أهداف حركتهم كانت اجتماعية بحتة.
06 آلاف عون نظافة ينتفضون
من جهتهم توعد عمال مؤسسة النظافة والتطهير “نات كوم” بالعاصمة، بتنظيم إضراب مفتوح الأيام القادمة تنديدا بسياسة التهميش والإقصاء التي ينتهجها مسؤولو المؤسسة، وكانت النقابة الوطنية المستقلة لعمال النظافة والتطهير قد رفعت جملة من المطالب إلى إدارة المؤسسة، بعد إضراب دام يوما والتي تتمحور حول مجمل المشاكل المهنية التي يتخبط فيها العمال. وفي ظل تعنت الإدارة في الرد عليها جاء قرار الإضراب كرد فعل لإلزامها على الالتفات إلى العمال وتحسين أوضاعهم داخل المؤسسة.
عدوى الإضرابات تنتقل إلى مدارس التكوين المهني
من جهتها عجلت الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع التكوين والتعليم المهنيين بإعلان تاريخ عقد الدورة العادية للمجلس الوطني يوم السبت القادم بالمقر الوطني لنقابة السناباب وينتظران تفتح دورة المجلس عدة ملفات عالقة وانشغالات التي لم يتم تسويتها بعد على غرار معالجة الاختلالات الواردة في مناصب الترقيات في ملف القانون الأساسي، وكذا معالجة التجاوزات التي تعيق العمل النقابي، مع فتح نقاش لكيفية الدفاع عنها وتحقيقها ميدانيا وتسوية ملف السكنات بصفة عامة، وكذا رفع التجميد عن منحة المصالح المقتصدية، وكذا الزيادة في الأجور خاصة للفئات الهشة، وتلوح ذات النقابة بخيار العصيان في حال لم تلبى مطالبها.
حملة “مليون توقيع” للمطالبة برفع الأجور متواصلة
هذا وأطلقت النقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية ” سناباب ” حملة وطنية للمطالبة برفع أجور العمال بما يتماشى مع القدرة الشرائية ، إضافة إلى مراجعة الضريبة على الدخل و إلغائها على المتقاعدين، ونظمت النقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية ” سناباب “المنضوية تحت لواء الكنفدرالية العامة المستقلة للعمال في الجزأئر ” CGATA” ورشة عمل لوضع إستراتيجية لحملة وطنية من أجل رفع الأجور ومراجعة الضريبة على الدخل وإلغائها على المتقاعدين تحت شعار ” كفانا .. تجاوزتوا الحد !
كنفدرالية النقابات المستقلة تتحرك في صمت
من جهته ينتظر التكتل النقابي المستقل، الذي يضم أكثر من 14 نقابة، اعتماد ملف كونفيدرالية النقابات المستقلة من طرف وزير العمل والتشغيل مراد زمالي، للحصول على الاعتماد و التي ستكون جبهة موحدة للدفاع عن مطالب الطبقة الشغيلة وهو التكتل الذي أزعج الحكومة حسب العديد من المتابعين، وللإشارة الكنفدرالية تم الإعلان عن تأسيسها في العاشر من نوفمبر الفارط والتي تضم ثلاثة عشر نقابة من مختلف القطاعات كالتربية الصحة التعليم العالي التكوين المهني الائمة والبريد والتي تنتظر حصولها على الاعتماد لتباشر نشاطها في إطار شرعي والمطالبة بحقوق العمال والموظفين خاصة ما تعلق الأمر بالتفاوض مع الحكومة حول الملفات الرئيسية على غرار حماية القدرة الشرائية ومراجعة قانون التقاعد وإشراكها في إعداد مشروع قانون العمل الجديد وكذا حماية الحريات النقابية.
الحكومة تلتزم الصمت
ورغم تحرك النقابات العمالية الذي وصف بالمشبوه رغم تسببه في غليان الجبهة الإجتماعية تلتزم الحكومة الصمت حيال الوضع عدى ما صرح به سابقا الوزير الأول أحمد أويحيى الذي وصف تحرك النقابات بالمناورات السياسية المرتبطة باقتراب الرئاسيات وكونه فرصة للضغط على الحكومة فقط، وهو نفس الموقف الذي ذهب إليه طاقمه الحكومي أين جاء على لسانهم أن عودة الحراك الإجتماعي في هذا التوقيت مدروس من طرف النقابات التي تربط تحقيق مطالبها باقتراب الرئاسيات ،أين تستغل هذه الأخيرة حسبهم الظرف السياسي الحساس الذي تعيشه البلاد من أجل الضغط على السلطة لتحقيق المطالب الاجتماعية، وهو ما ذهبت إليه وزيرة التربية نورية بن غبريط ووزير الشؤون الدينية محمد عيسى وغيرهم.
رزاقي.جميلة