شهدت العلاقات الاقتصادية الجزائرية-التركية تطورا كبيرا خلال السنوات العشر الأخيرة، في انعكاس لطبيعة العلاقات التي تربط البلدين منذ سنوات طويلة والتي تتسم بالانسيابية والتوافق في الكثير من القضايا حسب الكثيرين من المتبعين والمختصين، من الذين أكدوا أنه يمكن رفع مستوى هذا التعاون الاقتصادي وحجم الاستثمارات أكثر بين البلدين في العديد من القطاعات الحيوية.
تحتل تركيا المراتب الأولى بين الدول الأكثر استثمارًا بالجزائر، إذ بلغ حجم الاستثمارات التركية بالجزائر إلى حد الآن 5 مليارات دولار، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أزيد من 4 مليار دولار، ويسعى كل من البلدين إلى رفع مستوى هذه الاستثمارات أكثر خلال السنوات القادمة، فالجزائر ترى في المستثمرين الأتراك فرصة لجذب المزيد من الاستثمارات، وبالتالي المزيد من فرص العمل، ورفع الإنتاج ما يعني مزيدا من الصادرات خارج المحروقات، ما يحقق تنويعا في الاقتصاد الوطني، في حين ترى تركيا في الجزائر بوابة نحو إفريقيا تفتح لها آفاق نحو هذه القارة.
الخبير الاقتصادي، فريد بن يحيى:
“هناك رغبة كبيرة لدى الأتراك للاستثمار وعلى الجزائر استغلالها”
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى، في تصريح لـ”الجزائر”، إن “هناك رغبة كبيرة لدى الأتراك في رفع حجم استثماراتهم بالجزائر، والتي بلغت لحد الآن 5 مليار دولار، حيث تمكنت من خلق أزيد من 28 ألف منصب شغل ضمن ما يقارب 1300 شركة تركية تنشط في الجزائر، وأضاف أن تركيا مثل العديد من البلدان مثل الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والذين يرون أن الجزائر بوابة نحو إفريقيا والاستثمار في الجزائر من شأنه أن يفتح لهم العديد من الآفاق نحو القارة السمراء.
ويرى الخبير الاقتصادي أن الاستثمارات التركية في الجزائر “لا بد أن تتجه نحو مجالات أخرى بعدما تمركزت في السنوات الماضية في مجالات البناء والأشغال العمومية والنسيج، إذ يمكن تطويرها نحو قطاعات إستراتيجية كبناء السفن، وصناعة قطع غيار السيارات والطائرات التي تمتلك تركيا فيها قاعدة صناعية قوية”، وقال إن لتركيا إستراتيجية صناعية قوية وعلى الجزائر أن تضع خطة ورؤية اقتصادية للاستفادة من الخبرات التركية ورفع قيمة الاستثمارات.
واعتبر المتحدث ذاته أن الحكومة مطالبة اليوم أن تقف على الفرص المتاحة، فهناك الكثير من الدول تريد الدخول في استثمارات بالجزائر وليس تركيا فقط، ومنها دول الخليج، دول الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة الأمريكية، ودعا إلى ضرورة القضاء على البيروقراطية العامل الرئيسي المعرقل لمناخ الاستثمار في البلاد.
وتوقع بن يحيى أن ترتفع حجم الاستثمارات التركية في الجزائر بأزيد من 3 مليار دولار أخرى، والجزائر بحاجة لمثل هكذا استثمارات لفتح فرص عمل أمام الشباب البطال، ورفع قيمة الصادرات خارج المحروقات إضافة إلى رفع دخل الفرد الذي يعد من بين الأضعف عالميا.
الخبير في الاقتصاد، أحمد طرطار:
“فرص تنويع مجالات الإستثمارات التركية متاحة وعديدة”
من جانبه، وصف الخبير الاقتصادي أحمد طرطار التعاون الاقتصادي الجزائري التركي بـ”الايجابي”، وقال إن هذا التعاون معروف بكثافته و”انسيابيته”، واعتبر أن هذا راجع لطبيعة العلاقات بين البلدين الممتدة لسنوات وسنوات، ويرى أن هذه الانسيابية أعطت دافعا للمستثمر التركي للاستثمار أكثر في الجزائر كما أعطت له مصداقية خصوصا وأن المنتوج التركي –يضيف طرطار -ذو جودة سواء في مجال الأشغال العمومية والبناء أو النسيج، وهو ما أعطى انطباع جيد لدى الجزائريين حول المنتوج التركي.
ويقول الخبير الاقتصادي أن الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة التركية وتشجيعها للمستثمرين ساهم بشكل كبير في توسيع استثمارات الأتراك في الجزائر وفي غيرها من الدول، وأضاف أنه في الجزائر يمكن في إطار تعديل قانون الاستثمار وإعطاء تحفيزات أكبر وتوفير مناخ أعمال ملائم، الرفع من قيمة الاستثمارات التركية وتنويعها لمجالات أخرى كالسياحة باعتبار تركيا بلدا سياحيا بامتياز ولديه من الخبرة في هذا الميدان ما يمكن أن تستفيد منها الجزائر وإحداث شراكة بينهما.
وأشار طرطار إلى الخبرة التي تمتلكها تركيا أيضا في مجال الصناعات الميكانيكية، والتي قال إن لها باع طويل في هذا الميدان ولديها استثمارات في آسيا و أوروبا ونقلت خبرة من هذه الدول لأراضيها، ما يجعل من إمكانية خلق شراكة في مجال الصناعات الميكانيكية بينها وبين الجزائر متاحا.
هذا وكان وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، أول أمس، عقب لقائه بنظيره التركي، مولود جاويش اوغلو، الذي حل بالجزائر أول أمس واستمرت زيارته إلى يوم أمس، إلى مزيد من الاستثمارات التركية في الجزائر، معربا عن رضا البلدين عن وتيرة الشراكة بينهما.
وصرح لعمامرة قائلا: “أعربنا عن رضانا للرؤية الطموحة التي تمضي عليها وتيرة الشراكة الجزائرية -التركية، في الوقت الذي نرى أن المزيد من الاستثمارات التركية ضروري، نظرا لإمكانيات الاقتصاد الجزائري وانجازات الاقتصاد التركي”، وأضاف أن “الاستثمارات الجديدة، من الممكن أن توجه إلى قطاعات الزراعة والمناجم والسياحة، حيث أن لتركيا تجربة كبيرة في هذا المجال”.
وفي السياق ذاته، قال رئيس الدبلوماسية الجزائرية لقد “توصلنا إلى قناعة بأن التوجيهات التي أصدرها الرئيسان عبد المجيد تبون رجب طيب أردوغان، في لقائهما شهر جانفي 2020، ساعدت الحكومتين على بلورة أساسيات هذه الشراكة الإستراتيجية والأهداف المرسومة في كل مرحلة من مراحل تنفيذها”.
رزيقة. خ