كشفت وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون الجيوش، جينيفيف دارريوسيك أمس عن ترتيب زيارة للجزائر في أوائل عام 2019 وذلك في تصريح لوكالة رويترز للأنباء نقلتها صحيفة لوفيغارو الفرنسية.
وستتزامن الزيارة مع نهاية العهدة الرابعة وبداية العد التنازلي للانتخابات الرئاسية المنتظر إجراؤها في أفريل القادم. وتزعم وزيرة الدولة للجيوش الفرنسية، جنفياف داريوسيك، أن هناك 1500 مفقود فرنسي خلال ثورة التحرير، بالإضافة إلى 500 جندي لم يتم العثور عليهم، وعبرت الوزيرة عن رغبتها في تقدم المفاوضات في الملف المتعلق بالمفقودين مع السلطات بالجزائر وذلك في إطار المصالحة مع الذاكرة.
ولم توضح المسؤولة الفرنسية إن كانت السلطات الفرنسية ستشرف على التحقيق في الجزائر أم أنها ستدعو السلطات الجزائرية للتكفل بذلك أم أن العمل سيكون مشتركا.
وحسب الوزيرة الفرنسية فإنها ستقترح على المسؤولين بالجزائر الاتفاق على طريقة عمل للبحث عن هؤلاء المفقودين.
وأشارت الوزيرة الفرنسية أن ما يتعلق بملف الحركى يحتاج مزيدا من الوقت والصبر لمعالجة مسألة عودة هؤلاء الحركى إلى الجزائر التي لا تزال تعاديهم.
وقد اعترف إيمانويل ماكرون في 13 سبتمبر الجاري بمسؤولية الدولة الفرنسية في وفاة موريس أودين، وهو عالم رياضيات كان معارضا لفكرة الاستعمار في الجزائر وقتل على أيدي الضباط الفرنسيين وغيبت حقيقة وفاته .
ويأتي تكريم ماكرون للحركى ضمن مبادرته المتصلة بالذاكرة التاريخية بهدف تضميد الجراح التي خلفتها ثورة تحرير الجزائر “1954-1962 ”
ورقى ماكرون بموجب مرسوم نُشر في الجريدة الرسمية ستة حركى سابقين ومؤسّسة جمعية لهم، إلى درجة جوقة الشرف برتبة فارس، وهي أعلى رتبة تكريم تمنحها الدولة الفرنسية .
وفي الإجمال تمت ترقية 37 شخصا إلى رتبة فارس أو درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط وغالبيتهم يمثلون جمعيات أو هيئات. ويأتي التكريم قبل بضعة أيام على اليوم الوطني للحركى الذي يصادف 25 سبتمبر من كل عام .
وليست هذه المرة الأولى التي يُكرم فيها الحركي فقد شهدت فرنسا مبادرات مماثلة في 2011 و2014 لكنها المرة الأولى التي يُكرم فيها هذا العدد الكبير، وفق وزارة الجيوش.
وبرأي مراقبين فإن سياسة ماكرون في التصالح مع الذاكرة ليست بريئة إذ تريد تضميد جراح الجزائريين بالطريقة التي ترغب فيها فرنسا على اعتبار أن ثورة الجزائر كانت حربا متكافئة بين الطرفين وخسر فيها الطرفان ضحايا وفقد فيها الكثيرون .
وعكس الرؤساء الفرنسيين السابقين الذين فضلوا وضع ملف الذاكرة جانبا أو معالجته معالجة سطحية من خلال إعطاء الأولوية للشراكة الاقتصادية فإن ماكرون جاء بمقاربة جديدة تقوم على المصالحة الذاكراتية وقرر المبادرة بفتح الملفات التي كانت إلى وقت قريب من الطابوهات لدى الجانبين الجزائري والفرنسي أو من الملفات المزعجة. وذكر ملاحظون أن فرنسا تعتمد سياسة “هذه بهذه” فكلما طرحت الجزائر ملفا تطرح فرنسا ملفا مقابلا. فمثلا بعد أن طرحت الجزائر مشكلة جماجم المقاومين المحتجزة في متحف الإنسانية بباريس طرحت فرنسا ملف الحركى وبعدما طرحت الجزائر ملف التجارب النووية طرحت فرنسا ملف المفقودين الفرنسيين. يحدث هذا في وقت تعرف فيه العلاقات الثنائية بين البلدين ركودا نسبيا إذ لم تشهد حيوية منذ مجيئ ماكرون وعادت إلى الوضع السائد في عهد ساركوزي.
لخضر بورقعة:
“الجزائر تفتقد إلى صوت نابع من موقع قوي”
تأسف الرائد لخضر بورقعة قائد الناحية العسكرية الرابعة للتخاذل الذي تعاني منه الجزائر في الدفاع عن تاريخ الثورة الجزائرية ضد 130 سنة من الاستعمار، فلو لم تكن مواقف المسؤولين الجزائريين متخاذلة لما تجرأت السلطات الفرنسية على تضليل الرأي العام دون رد من الجزائر.
و أضاف المتحدث أن الفرنسيين لم يتقبلوا يوما أن تحصل الجزائر على استقلالها بل إن النظام الفرنسي يشعر أنها فترة هدنة لا أكثر. وذكر الرائد بورقعة أن الوزيرة الفرنسية ستقوم بعمليات استباقية محضر لها من طرف مستعمر الأمس، لإيهام الرأي العام الدولي بوجود ضحايا ومفقودين من الطرفين واستغرب المتحدث الرقم الذي استظهرته الوزيرة الفرنسية عن عدد المفقودين مضيفا أن الجزائر أعلنت عن ثورة لاسترجاع سيادتها ضد دولة استعمارية كاملة السيادة ولم يكن للجزائريين آنذاك مكاتب لإحصاء القتلى من المدنيين والمفقودين من الطرفين فكيف ستقوم السلطات الفرنسية بالتحقيق؟.
وأكد أن ما قامت به الجزائر كان ثورة شعبية منظمة ضد نظام استعماري وليس حربا متكافئة كما أراد البرلمان الفرنسي الترويج له. وأضاف أنه كلما أثير ملف الذاكرة حاولت السلطات الفرنسية التهوين منه والمساواة بين ضحايا الثورة التحريرية والضحايا الفرنسيين من الجيش والمدنيين وحتى الحركى والمفقودين .
وقال المتحدث أن السلطات الفرنسية تخشى أن ترث الأجيال في الجزائر الدفاع عن تاريخ الثورة لذلك فهي تحاول أن تروج لمغالطة أن ثورة الجزائر هي حرب متكافئة بين طرفين خسرا معا من الجيشين والمدنيين والمفقودين والحركى .
وفي مواقف أخرى هددت أطراف متعصبة فرنسية باللجوء إلى المحاكم الدولية لافتكاك بعض الحقوق والممتلكات في الجزائر. وأشار الرائد لخضر بورقعة أن الجزائر بإمكانها أن تسترجع حقوقها وتحصل على الاعتراف بجرائم القتل لملايين الجزائريين والتعذيب والنهب منذ 1830 إلى يوم الاستقلال .
رفيقة معريش