أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن التزام فرنسا في مالي اتجاه عملية “برخان” العسكرية سيستمر طالما كان ذلك ضروريا لكسب المعركة ضد الإرهاب، وبالتالي فإن باريس تعلن على رفضها الخروج من مالي وتسليم المهام العسكرية للقوة التي أنشأتها وفرضتها على المجتمع الدولي.
أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة أمام الجالية الفرنسية في باماكو أن خروج الجيش الفرنسي من شمال مالي لن يكون قريبا، وذكر ” أقول ذلك لرجالنا الذين يقاتلون من أجل الحرية.. سنفوز بهذه المعركة.. وسنضع ما يتطلب من وسائل وإصرار وأعلم أن الأمر سيستغرق وقتا ولكننا سنتمكن من ذلك “، وأضاف ماكرون ” جئت إلى باماكو اليوم، وغاو الشهر الماضي لأؤكد لكم أن فرنسا ستواصل التزامها طالما كان ذلك ضروريا وهدفنا على المدى الطويل هو مواكبة ودعم القوات الوطنية والإقليمية “، مشددا على ” أن الجماعات المتطرفة تراهن على الخوف وبث الفرقة وتحرف الدين من أجل إغراق المنطقة والعالم في الظلامية، متعهدا بمواصلة المعركة ضد هذه الكيانات بلا هوادة “. وتأتي تصريحات إيمانويل ماكرون على هامش مشاركته في قمة مجموعة الساحل الخمسة في باماكو لتدشين قوة أفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع القوات الفرنسية والأممية.
ويسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “تصحيح الأخطاء” التي وقع فيها الرئيس السابق فرونسوا هولاند الذي قاد عمليتين عسكريتين في شمال مالي كللت بإبعاد الإرهابيين من مناطق متعددة في الشمال لكن كلفت الجيش الفرنسي الكثير من الخسائر خاصة في الأرواح وينتشر نحو 1600 جندي فرنسي في مالي في إطار عملية ” برخان ” لمكافحة الإرهاب المنتشرة أيضا في خمس دول في منطقة الساحل والتي يقع مقرها العام في نجامينا عاصمة التشاد، ويظهر الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون مهتما بصورة كبيرة بالنفوذ الفرنسي في مالي ومنطقة الساحل، وتجسد ذلك زياراته المتكررة لمالي والمنطقة بالرغم من قصر المدة التي يوجد فيها في منصب الرئاسة، حيث أن مصدر دبلوماسي مقرب من الرئيس ماكرون كشف لرئيس تحرير صحيفة ” لوكانار أونشينيه ” بأن تلك الزيارة الأولى إلى مالي التي أدى من خلالها أول خرجة دولية له بعد انتخابه سمحت له بأن ” يكتشف، بعد خمسة أيام فقط من توليه الحكم، إلى أي مدى تواجه القوات الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي معركة خاسرة سلفاً، لأن كل المعطيات الميدانية تشير إلى أنها تسير في طريق مسدود “.
تجدر الإشارة إلى أن مصادر فرنسية كشفت أن الإتصال الهاتفي الذي جمع الرئيس ماكرون بالرئيس بوتفليقة قبل أيام، تناول من خلاله الوضع في مالي والمقترحات الفرنسية بهذا الخصوص، كما دعا الجزائر إلى الضغط على الحركات الأزوادية وحكومة باماكو لمواصلة تنفيذ مخطط اتفاق السلام الذي رعته الجزائر سنة 2015.
في ذات السياق أبرز الدكتور عامر مصباح المحلل السياسي في مقال له بعنوان ” القوة الجديدة في الساحل وتعزيز النفوذ الاستراتيجي الفرنسي في المنطقة “، نشره على صفحته على الفايسبوك أنه ” من حيث التوقيت وطبيعة المشاركين، تهدف الخطوة الإقليمية إلى تعزيز الحضور الفرنسي الاستراتيجي في المنطقة على حساب الدور الإقليمي لمنظمة الإكواس بقيادة نيجيريا، ومجموعة الميدان بقيادة الجزائر “، مضيفا أنها تعتبر ” تعويض لقيادة الأركان المشتركة التي مقرها مدينة تامنراست جنوب الجزائر “.
ويرى الدكتور عامر مصباح أن المبادرة الإقليمية بقيادة فرنسا ” إعلان لطبيعة الدبلوماسية الفرنسية الأمنية الجديدة المتميزة بإعطاء الحضور العسكري والأمني المباشر وبالاشتراك مع الأطراف الإقليمية، والتدخل المتزايد في السياسات الأمنية الداخلية للدول التي تعاني من ضغوط أمنية متزايدة وهشاشة أمنية “.
من جانب آخر، يشير الكاتب أنه ” لا تتوقف الدبلوماسية الأمنية الفرنسية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عند حدود منطقة الساحل، وإنما أعلن في وقت سابق عشية فوزه في الانتخابات الرئاسية بأن فرنسا سوف تقوم بدور نشط في ليبيا بالتنسيق مع مصر وخليفة حفتر لمحاربة الجماعات الإرهابية؛ وهذا يعني من جهة أخرى أن النفوذ الاستراتيجي الفرنسي سوف يكون على حساب دور الأطراف الإقليمية وفي مقدمتهم الجزائر “، لكنه في المقابل يحدد أن التدخل العسكري والأمني الفرنسي المباشر سوف ” يكون محفوفا بالمخاطر وتغذية الصراعات الداخلية وزيادة نفوذ الجماعات الإرهابية بدلا من إضعافها، لأن هذه الأخيرة سوف تحمل شعار قتال الغزاة الجدد أحفاد الديغولية. باختصار، المنطقة مقبلة على فصل جديد من الصراعات وتفجير النزاعات الأمنية داخل الدول “.
إسلام كعبش