سيمنح فوز فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية لولاية رابعة نفسا للعلاقات مع الجزائر التي ترتبط بتعاون استراتيجي تاريخي مع موسكو، تعزز هذا التعاون منذ صعود ” القيصر ” الجديد على رأس روسيا، والبلدان يشهدان تطوير مستمر للعلاقات الثنائية في مجالات مهمة عسكرية، أمنية واقتصادية، رغم أن المبادلات التجارية تبقى بعيدة عن المستوى المطلوب.
بوتين.. قيصر “الكريملين” للمرة الرابعة
أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات في روسيا فوز بوتين لعهدة رابعة، وهو الذي يحكم روسيا كرئيس أو كرئيس وزراء منذ عام 1999، بنسبة 76.69 في المائة، وهذا أكبر فوز على الإطلاق لبوتين والأكبر لأي زعيم روسي بعد انهيار امبراطورية الاتحاد السوفيتي نهاية الثمانينات. وبذلك سيبقى الرئيس فلاديمير بوتين سيد الكرملين حتى 2024 حينذاك سيبلغ من العمر 72 سنة، وسيكون قد أمضى 25 سنة منها في السلطة بعد تعيينه خلفا للرئيس السابق بوريس يلتسين.
وقالت وكالة ” رويترز ” للأنباء، رغم أن الكثير من الجهات تحدثت على انتهاكات شابت العملية الانتخابية، إلا أن اللجنة المركزية للانتخابات قالت في وقت سابق، إنها ” لم تسجل أي شكاوى جادة من وقوع انتهاكات “، وبتأييد من تلفزيون الدولة والحزب الحاكم واستطلاعات الرأي التي منحته شعبية بلغت 80 في المئة تقريبا لم يواجه بوتين تهديدا يذكر من منافسيه السبعة في الانتخابات.
وحصل أقرب منافسيه مرشح الحزب الشيوعي بافل جرودينين على 11.8 في المئة من الأصوات وفقا للنتائج شبه النهائية بينما حصل المرشح القومي فلاديمير جيرينوفسكي على 5.6 في المئة. ومنع أشد معارضيه أليكسي نافالني الذي يقود حملة لمناهضة الفساد من خوض الانتخابات. وحث نافالني، الذي دعا الناخبين لمقاطعة الانتخابات، أنصاره على عدم الإحباط وقال إن حملته نجحت في تقليص نسبة المشاركة متهما السلطات بأنها أجبرت على تزوير الأرقام.
وتشير البيانات إلى أن نسبة الإقبال بلغت 67.47 في المئة وهو ما يقل قليلا عن نسبة 70 في المئة التي قال الإعلام الروسي إن مؤسسة الرئاسة تتطلع إليها، وليس من الواضح إلى متى سيبقى بوتين في الحكم، ولا يسمح الدستور ببقاء الرئيس سوى لفترتين متتاليتين الأمر الذي سيلزم بوتين بترك المنصب في نهاية ولايته الجديدة كما فعل عام 2008 بعد أن قضى فترتين مدة كل منهما أربع سنوات. وتم تمديد الفترة الرئاسية إلى ست سنوات اعتبارا من 2012.
وبعد إعلان فوزه الليلة الماضية ضحك الرئيس الروسي من سؤال عما إذا كان سيترشح لفترة رئاسية أخرى بعد عام 2024، ورد بوتين على الصحفي الذي سأله هذا السؤال قائلا ” دعنا نحسبها. هل تعتقد أنني سأظل في السلطة حتى أبلغ من العمر مئة عام؟ “، ووصف السؤال بأنه ” مضحك “.
العلاقات الجزائرية-الروسية تتنفس الصعداء
تعتبر الجزائر أحد أكبر حلفاء الدب الروسي في المنطقة، في إفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، نظرا للتاريخ المشترك في مواجهة الإمبريالية الغربية الذي يعود إلى فترة حرب التحرير وما بعد الاستقلال حيث كان الإتحاد السوفياتي أول الدول القوية التي ساعدت الجزائر في تجهيز قدراتها القتالية والدفاعية وتطوير إمكانياتها العسكرية، ومنذ ذلك الوقت تعد الجزائر من أكبر مستوردي السلاح الروسي مع الصين والهند في المنطقة الإفريقية والمغاربية سواء السلاح الجوي أو البري أو حتى البحري، رغم أن هناك تكتم على صفقات الأسلحة من الجانبين بعد معلومات حول تجسس إسرائيلي على مبيعات روسيا من الأسلحة للدول العربية. واستنادا لمسؤول عسكري روسي فإن ما استوردته الجزائر من روسيا كأسلحة منذ سنة 1991، يفوق 8.270 مليار دولار، ما يؤكد حجم التعاون والثقة التي توليها الجزائر لموسكو كحليف دولي استراتيجي لا يمكن الاستغناء عليه.
ومنذ صعود الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم في أفريل عام 1999 عمل على إعادة العلاقات مع موسكو إلى السكة، بعد فترة شهد فيها البلدان انخفاض حاد لتأثيرهما الدولي لأسباب موضوعية، تمثلت في سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1989 وما تبعه من تفكك للإمبراطورية من عدم استقرار والعشرية السوداء في الجزائر التي وضعت الدولة في حد ذاتها على كف عفريت.
وسجل الرئيس بوتفليقة أول زيارة إلى موسكو في أفريل 2001، حيث تم إعلان الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وكانت تلك الاتفاقية الأولى مع دولة عربية، والثانية من نوعها بعد اتفاق مماثل أبرمته روسيا مع الهند.
ولتعزيز التعاون والشراكة بين الجانبين، زار الرئيس فلاديمير بوتين الجزائر في مارس 2006 وكانت الأولى من نوعها لرئيس روسي ليوقع صفقة تعاون ضخمة بلغت قيمتها آنذاك 6.3 مليارات دولار، كما تمت تسوية الديون الروسية التي كانت على عاتق الجزائر، التي تقدر بنحو 4.7 مليارات دولار، مقابل عقود تسليح جديدة. وتواصلت الزيارات الرئاسية بين الجانبين في فيفري 2008، حيث زار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة موسكو لتأكيد تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي، كما قام الرئيس ديمتري مدفيديف بزيارة للجزائر في أكتوبر 2010 لتعزيز العلاقات والاتفاقات في المجالين العسكري والاقتصادي، في الوقت ذاته تعززت الزيارات الدبلوماسية والعسكرية بين كبار مسؤولي البلدين.
ورغم أن المبادلات التجارية بين الجزائر وروسيا متوسطة نسبيا حيث تقدر بنحو 590 مليون دولار عام 2017، ويعمل البلدان أيضا على تنسيق مشترك في مجال الغاز، بحكم غنى البلدين بهذه المادة الطاقوية، وبخصوص الأزمة النفطية التي تعصف بالسوق الدولي للذهب الأسود منذ 2014، أعلنت روسيا مواصلة الجهود لإحداث التوازن في السوق النفطية لاسيما من خلال تنفيذ اتفاق فيينا لخفض الإنتاج، وسبق للوزير الأول الروسي ديميتري ميدفيديف خلال زيارته للجزائر وتوقيعه على خمس اتفاقيات تعاون بين البلدين أن أكد بأن ” مواقف الجزائر وروسيا متطابقتين تماما حول خفض الإنتاج وفقا لما اتفق عليه في فيينا “.
التعاون الأمني بين الجانبين يتعزز في المنطقة
تتجه الجزائر وروسيا نحو تعاون عميق في المجال الأمني خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب الدولي، جسدتها الزيارات الأخيرة لكبار المسؤولين الأمنيين الروس إلى الجزائر، وزيارة وزير الخارجية عبد القادر مساهل قبل أسابيع إلى موسكو، اختتمت بانضمام الجزائر إلى بنك المعلومات الدولي حول الإرهابيين الأجانب الذي أنشأته دائرة الأمن الفيدرالية الروسية، واعتبرت أوساط دبلوماسية روسية دخول الجزائر للبنك بمثابة خطوة أخرى نحو تعاون أوثق مع الجزائر لإحباط التهديدات الإرهابية.
وقال السفير الروسي بالجزائر أيغور بيليايف في تصريحات صحفية، أن بلاده تشيد بموقف الجزائر من الأزمة الليبية ونظرتها اتجاه تطور الأحداث على الساحة السياسية الليبية، كما نفى الدبلوماسي الروسي وجود أي ارتباط روسي بالقوات الموجودة في منطقة الساحل، كما أن ” مبادرة قوة الساحل 5، مرت عبر مجلس الأمن وروسيا دعمت هذا المشروع، لكننا لا نشترك في تمويل هذه القوة لا ماليا ولا عسكريا ولا حتى تكنولوجيا “. وتعول روسيا كثيرا على الدور الجزائري واطلاعها على مجريات الأحداث في كل من ليبيا والساحل وهما يعملان في تنسيق متواصل بخصوص القضايا الأمنية المشتركة.
وكان اللقاء الذي جمع سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، بالرئيس بوتفليقة نهاية جانفي الفارط، فرصة للدولتين للمحافظة على ” حوار سياسي نشط، مبني على الثقة والاحترام المتبادل، والاتصالات المنتظمة بين وكالات إنفاذ القانون، ووكالات الاستخبارات والهيئات الأمنية والسياسية، كما بحثت المشاورات التي أجراها باتروشيف الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقضايا مكافحة الجريمة العابرة للحدود والثورات الملونة ” وفق البيان الرسمي.
إسلام كعبش