استعرض باحثون مختصون في التراث والتاريخ الحضاري من الجزائر وبلدان إفريقية وعربية نماذج مختلفة لعلماء من الجزائر وحواضرها العلمية، على غرار: منطقة توات، مدينة الجزائر، تلمسان ومستغانم والذين ساهموا بإنتاجهم المعرفي والعلمي في تعزيز العلاقات مع حواضر إفريقية وعربية منذ حقب تاريخية طويلة ما تزال آثارها ماثلة إلى اليوم على غرار الإمام المغيلي (1425- 1504)، وذلك في ندوة علمية دولية نظمت أول أمس تحت عنوان “أعلام الجزائر وحواضرها” بالمكتبة الوطنية “الحامة”.
ونوه الباحث الجامعي أحمد الجعفري من جامعة أدرار إلى “الدور الرائد للإمام المغيلي في نشر الإسلام الصحيح في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، اعتمادا على رؤية إصلاحية شاملة هدفت لاستقرار المجتمعات الإفريقية ووحدتها بناء على الوسطية الدينية والابتعاد عن الغلو”، معرجا في سياق كلامه على أهم مخطوطات الإمام بموريتانيا والسنغال ونيجيريا ومالي وأثره الروحي ومنهجه في الحكم وتراثه المادي من مساجد وقرى بخصائص عمرانية فريدة، مشيرا إلى أن الإمام المغيلي يعد “من كبار العلماء الجزائريين في القرن 15 ميلادي، وقد حضي بمكانة مرموقة في الجزائر وخارجها في تلك الفترة خصوصا ببلدان إفريقية كمالي والنيجر ونيجيريا التي هاجر إليها، أين عرف بمواقفه الشجاعة تجاه قضايا هامة حينها وبرؤيته الإصلاحية الوسطية، حيث كان مرجعا وعالما متصوفا مجاهدا وقاضيا وسياسيا”.
من جانبه، أشار الباحث ثاني عمر موسى من جامعة عثمان سوكوتو بنيجيريا في مداخلته إلى محور “تأثير الإمام المغيلي على علماء نيجيريا والسودان الغربي”، معتبرا أن “فكر ومنهج الإمام المغيلي يتجلى من خلال نموذج الإمام عثمان بن فودي، وهو عالم نيجيري مجدد ثائر على الاستعمار الغربي أسس دولة سوكوتو ما بين 1804 – 1903، وقد استلهم مشروعه السياسي من فكر الإمام المغيلي ووصاياه وفتاواه لملوك إفريقيا فيما يخص إصلاح المجتمع وممارسة السلطة”.
وقد عرفت هذه الندوة تقديم مداخلة للباحث بابا عبد الله من جامعة أدرار تناول فيها مسار الشيخ عبد الكريم بن محمد البكري التمنطيطي (1586- 1633) الملقب بــ “عالم توات” والمكانة العلمية والدينية المرموقة لهذا العالم الجليل الذي “كان له حضور قوي في إقليم توات وخارجه وفي مختلف المجالات العلمية والقضائية والاجتماعية والسياسية، وكذا إجازاته ومحاوراته في زمنه مع علماء الازهر الشريف، وما خلفه أيضا من مؤلفات عديدة ينبغي استحضارها”.
وعرف اللقاء تقديم مداخلات حول علماء جزائريين آخرين بارزين وآثارهم وكذا الحواضر التي عاشوا فيها على غرار: الشيخ عبد الرحمان الثعالبي ودوره في تعزيز المكانة العلمية لمدينة الجزائر، زمحمد بن إبراهيم الآبلي التلمساني وعلمه وفكره، ومحمد بن يحي الندرومي وأثره على الحركة العلمية في بيت المقدس بفلسطين، وكذا سيدي لخضر بن خلوف الشاعر والمقاوم من مدينة مستغانم، والشيخ عبد الحميد بن باديس من قسنطينة رائد الإصلاح والتحرر، كما سلطت الندوة الضوء على مسار عباس بن الشيخ الحسين وهو من كبار رجالات الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي في الجزائر في القرن العشرين، وعمر بن قدور الجزائري وهو من رواد الصحافة والفكر في البلاد، وكذا قصر الشلالة الظهرانية وأعلامه.
يذكر أن تنظيم هذه الندوة، منظمة من طرف المكتبة الوطنية الجزائرية بالتنسيق مع مصالح رئاسة الجمهورية المكلفة بالأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية، وتندرج في إطار “برنامج إحياء الذاكرة الوطنية” ويهدف إلى “تسليط الضوء على حواضر الجزائر العلمية وجهود علمائها وإنتاجهم الفكري”.
ص ك