في الوقت الذي أجمع فيه المختصون بأن الإجراء الجديد الخاص بالتقسيم الإداري المصادق عليه في مجلس الوزراء في اجتماعه الثلاثاء الماضي، حيث رفع عدد الولايات إلى 58 ولاية، إضافة إلى إنشاء 44 مقاطعة إدارية جديدة، تتوزع عبر 19 ولاية، بأنه قرار يحمل العديد من الايجابيات، لكن من جانب آخر، لم يخف بعض المتابعين تخوفهم من عدم تمكن الدولة في ظل الوضعية المالية التي تعيشها البلاد من الالتزام به، وفضلوا لو أن القرار تم التريث فيه، خاصة في المرحلة الحالية خاصة وأننا على مقربة من تنظيم الرئاسيات، ما قد يعطي للقرار بعدا أو قراءة سياسية لها علاقة بالمترشحين للرئاسيات، وكذا بمستقبل الحكومة الحالية.
اعتبر العديد من الخبراء والمختصين أن التقسيم الإداري الجديد الذي أعلن عنه رئيس الدولة عبد القادر بن صالح أول أمس، يحمل في طياته العديد من الايجابيات من شأنها تسهيل الحياة اليومية للمواطن وتقضي على المركزية في التسيير وتساعد على التنمية المحلية، غير أنهم اعتبروا أنه قد لا يكون اليوم هو الظرف المناسب للإعلان عن هذه التقسيمات خصوصا وأن الجزائر على مقربة من انتخابات رئاسية هامة، إضافة إلى الوضع المالي للبلاد الذي لا يسمح بأعباء إضافية، ما قد يؤجل إنشاء الهياكل والمقرات الجديدة و”يشرد” الولايات والمقاطعات الجديدة، وذهب البعض إلى أكثر من ذلك، معتبرين أن الأمر قد يكون له حسابات سياسية منها سحب البساط أمام المترشحين للرئاسيات وتأكيد على بقاء الحكومة الحالية.
الوالي الأسبق بشير فريك: “القرار فيه إيجابيات لكن توقيته يطرح تساؤلات”
وفي هذا السياق يقول الوالي الأسبق لوهران، بشير فريك في تصريح لـ”الجزائر”، أن التقسيم الإداري الذي أقره رئيس الدولة، هو عبارة عن “عملية دورية وأن مفهوم إنشاء الولايات يعود إلى سنة 1984″، واعتبر الوالي الأبق فريك، أن تحويل الولايات المنتدبة لولايات في المفهوم الجزائري الحالي هو “ترقية وليس مفهوم إداري فقط، فهو ترقية التنمية بهذه الولايات، عن طريق مرافق عمومية ومرافق تربوية وأخرى اقتصادية، ويرى أن تحويل هذه الولايات المنتدبة إلى ولايات وترقية الدوائر إلى مقاطعات مهم ومفيد جدا، إضافة إلى أنه يقضي على المركزية في التسيير، فهو يقرب الإدارة من المواطن و ويسهل على المواطن ممارسة حياته اليومية”.
وأضاف فريك أن ترقية الولايات المنتدبة في الجنوب إلى ولايات قائمة بحد ذاتها، هو “محاولة من السلطات التكفل بمناطق الجنوب الكبير، وهي وعود كانت قد قطعت منذ سنوات والآن أصبحت واقعا بالفعل”، أما إنشاء 44 مقاطعة في الهضاب العليا فيراه الوالي السابق “أمر في غاية الأهمية لأن الكثير من الدوائر الكبرى كان من المفروض أن ترقى إلى ولايات منذ سنوات نسبة لعدد سكانها الكبير وبعدها عن مقر الولاية الأم ولاعتبارات كثيرة أيضا”.
غير أن فريك يرى أن ترقية الولايات المنتدبة إلى ولايات و إنشاء عدد كبير من المقاطعات يحتاج إلى ميزانية خاصة، لأنه يتطلب إنشاء هياكل ومقرات جديدة، وقال أنه “يتمنى” أن تكون الحكومة بقرارها هذا قد راعت و رصدت في ميزانية 2020 الاعتمادات المالية لوضع هذه الهياكل الجديدة موقع التجسيد في الميدان وفتح التوظيف بها، حتى لا تبقى هذه الولايات و المقاطعات بلا مقرات ولا هياكل كما حدث في سنوات الثمانينات أين بقيت ولايات لسنوات”متشردة” لا يدري مواطنيها لأي ولاية يتجه لإتمام معاملاته و استخراجه وثائقه، و أشار إلى أن ترقية هذه المناطق يحتاج إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التقنية و القانونية و الإدارية التي تتناسب مع طبيعة كل ولاية أو مقاطعة جديدة، وخصوصيتها سواء ما تعلق بمواردها و إمكانياتها أو بعدد سكانها و يرها من المسائل المرتبطة.
وعن إعلان رئيس الدولة عن هذا التقسيم الإداري في هذا التوقيت بالذات، ونحن على مقربة من موعد انتخابي في غاية الأهمية، قال فريك أن السؤال مطروح وبشدة “فنحن لم يتبقى على الرئاسيات سوى 20 يوما، فهل هي محاولة لسحب البساط من تحت أرجل المترشحين للرئسيات، لأنه و في كل موعد انتخابي رئاسي عرفته البلاد منذ عهد التعددية الحزبية-يضيف فريك- كان المترشحون يستغلون هذا الملف في برامجهم؟ أم أن هناك نية للسلطات في استمرار الحكومة الحالية؟
وقال إن هذه الملفات “غاية في الأهمية وثقيلة كما سترهن الرئيس القادم وسيصبح ملزم بها”، وحسب رأيه “فقد كان من الأولى التريث في هذا القرار بما أن البلاد على أبواب الرئاسيات و الظروف الاقتصادية صعبة جدا وان إنشاء هذه الولايات و المقاطعات يحتاج إلى اعتمادات مالية ضخمة”.
الخبير الأمني، بن عمر بن جانة: “القرار مهم لضمان حماية أمنية أكبر للجنوب”
من ناحيته، علق الخبير الأمني بن عمر بن جانة، في تصريح لـ”الجزائر”، فيما يخص أهمية ترقية الولايات المنتدبة إلى ولايات خاصة بالجنوب الكبير سيما بالمناطق الحدودية، قائلا أنه “عند توسيع الدوائر إلى مقاطعات إدارية والولايات المنتدبة إلى ولايات ستصبح لها إمكانيات أكبر مما كانت عليه وستسمح لها احتواء الأمن في المنطقة بصفة أكبر سواء من قوات الشرطة أو الدرك الوطني”، وأضاف أنه “من الناحية الإدارية يصبح للمواطن أكثر أريحية وتسهل عليه استخراج الوثائق وممارسة حياته اليومية بشكل أفضل، خصوصا وأنه عند الترقية إلى ولاية يجب أن تفتح بها جامعات ومرافق تربوية ومصحات وهذا جد ايجابي”، غير أنه يرى أن هذه المسائل كلها “مرتبطة أيضا بالوضعية المالية للبلاد إضافة إلى عوامل أخرى، فهل تستطيع الدولة تجسيدها بالإمكانيات المتوفرة حاليا ؟؟”.
الخبير الاقتصادي، فرحات آيت علي: “القرار رغم ايجابيته فلن يساهم في بعث عجلة الاقتصاد المحلي”
من جهته اعتبر الخبير الاقتصادي، فرحات آيت علي، في تصريح له، بأن قرار الحكومة برفع عدد الولايات إلى 58 ولاية “سيكلف الخزينة مصاريف تسيير إضافية في الميزانية الخاصة بوزارة الداخلية ووزارات أخرى لديها مديريات ولائية وهياكل غير مركزية، ويرى أن القرار لن يساهم في بعث عجلة الاقتصاد المحلي، ما دام القرار مركزي والبيروقراطية سيدة الموقف”.
غير أنه اعتبر أن للقرار “جانب ايجابي على المستوى الاجتماعي والخدمة الإدارية للمواطنين خاصة على المستوى الأمني”، مضيفا أن “التنمية المحلية رهينة مخططات تنمية واضحة المعالم وجاذبية تلك المناطق للاستثمار مهما كان التقسيم الإداري، مبررا موقفه بالولايات التي استحدثت في الشمال سنة 1984 والتي كانت بنفس الهدف وهي حاليا منكوبة من حيث الاستثمارات.
والي برج باجي مختار: “ترقية المقاطعات الجنوبية سيحسن الخدمات المقدمة للمواطنين”
من جهته، أكد الوالي المنتدب لبرج باجي مختار والي محمد أن قرار ترقية عشر مقاطعات إدارية بالجنوب إلى ولايات كاملة الصلاحيات من شأنه “تحسين وترقية الخدمة المقدمة للساكنة في كل المجالات في مقدمتها الشغل والسكن”.
وأوضح المسؤول في تصريح للإذاعة الوطنية، أمس، أن عملية الانتقال الإداري الجديد “تم التحضير لها منذ 2015 لما تم ترقية هذه المقاطعات إلى ولايات منتدبة وهي العملية التي ستمكن سكان المنطقة من اللجوء إلى الإدارات”.
وأضاف أنها “ستمكن المديريات المنتدبة سابقا من استكمال كل العمليات على مستواها المحلي وسيكون هناك تحويل كل الصلاحيات من الولايات الأم سابقا إلى الولاية الحالية وبالتالي سيتمكن المواطن من القيام بكل العمليات الإدارية محليا كما ستشهد هذه الإدارات مناصب عمل جديدة وستستفيد من كل العمليات التي كانت تسجل على المستوى الولائي”.
للإشارة فقد صادق مجلس الوزراء، أول أمس، على المرسوم الرئاسي الخاص بترقية 10 ولايات منتدبة إلى مصاف الولايات الكبرى ليرتفع عدد الولايات إلى 58 ولاية بعد صدور المرسوم في الجريدة الرسمية، كما تم إنشاء أربعة 44 مقاطعة إدارية جديدة، تتوزع عبر تسعة عشر 19 ولاية.
رزيقة. خ