الإثنين , ديسمبر 23 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الحدث / على بعد أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية :
قضايا البلاد تغيب عن النقاش السياسي

على بعد أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية :
قضايا البلاد تغيب عن النقاش السياسي

 

تقترب الجزائر مع كل يوم يمر من موعد الانتخابات الرئاسية المنتظر إجراؤها في أفريل من السنة المقبلة. وهو أهم موعد سياسي على الإطلاق بالنظر إلى أهمية الرهان الذي يحمله منصب رئيس الجمهورية والسلطات التي يتمتع بها، فضلا عن أن الموعد يحظى باهتمام إقليمي ودولي ترقبا للتوجهات الكبرى التي ستلتزم بها الجزائر داخليا وخارجيا لخمس سنوات مقبلة بما لها من امتدادات وتأثيرات على المستقبل المتوسط وبالبعيد. لكن الفراغ الرهيب الذي يشهده الشارع السياسي يوحي أن هذا الموعد مؤجل وإن لم يكن كذلك فهو ليس بالأهمية التي وصفناه بها ولا يهم راهن الجزائريين ومستقبلهم في شيء إذ لا يعدو كونه إجراءا روتينيا ودوريا أملاه الدستور والقوانين التي تقضي باحترامه كل خمس سنوات وسط مجتمع ضعف اهتمامه في السنوات الأخيرة بما يعرض له في سوق السياسة من بضاعة من قبل الأحزاب السياسية والفاعلين على الساحة عبر قنوات التواصل الاجتماعي.

تساؤلات

العديد من التساؤلات باتت تطرح نفسها وسط هذا الفراغ الرهيب والصمت المريب. أحزاب سياسية كانت تنشط الساحة بالمطالب والمقترحات والأفكار والتوجهات في سنوات خلت ركنت إلى زاوية مظلمة تنتظر رؤية بصيص من الضوء الذي يبزغ مع نهاية نفق مظلم. فإلى ماذا يرجع هذا التراجع عن التعاطي السياسي مع المرحلة؟ لماذا انكفأت الطبقة السياسية على نفسها ونأت بها عن اغتنام فرصة اقتراب الموعد الرئاسي لفتح موسم من النقاش حول القضايا الكبرى التي تشغل الجزائريين؟ لماذا انحصر اهتمام المهتمين في مسألة تجديد ولاية الرئيس بوتفليقة من عدمه بدل التفكير في ما ينتظر الرئيس القادم؟ لماذا لم نسمع القائمين على الحياة السياسية يطرحون قضايا الاستقرار السياسي والأمني والتنمية الاقتصادية بكل فروعها؟ لماذا غاب الحديث عن أزمة البطالة وسياسة الدعم واللجوء إلى الاستدانة الخارجية على، سبيل المثال لا الحصر؟ لماذا سكت السياسيون عن قضية الكوكايين والكوليرا، لماذا لم تعد مكافحة الإرهاب والفساد والبيروقراطية في صلب اهتمامات الأحزاب السياسية؟ بل لماذا، ونحن على بعد أشهر قليلة من الموعد الرئاسي، لم يخرج إلينا أحد بمشروع برنامج شامل يطرح للنقاش؟ ولماذا غاب النقاش أصلا واستحال جدلا حول أهلية الرئيس بوتفليقة للترشح للموعد الرئاسي المقبل من عدمها؟ لماذا اختفت المعارضة ولم نسمعها تطرح البدائل لوضع تتفق كلها على أنه وضع متأزم بل ذاهب إلى طريق مسدود؟ ولماذا تدافع الموالاة بالمقابل عن الاستمرارية من منطلق الدفاع عن الإنجازات السابقة دون أن تعرض علينا مشروعا واضحا لما يمكن أن تنجزه خلال السنوات المقبلة؟ أين هو التيار الإسلامي بأطيافه وأين هو التيار الديمقراطي بتفرعاته؟ هل هجرت الطبقة السياسية النقاش السياسي أم أنها ارتأت أن لا فائدة ترجى من النقاش بينما يصنع القرار في مكان آخر خلف الأبواب؟ لماذا لا يلعب البرلمان الدور المنوط به في طرح النقاش العام حول القضايا الوطنية الكبرى ويكتفي أغلب النواب، في أحسن الأحوال، بطرح القضايا المحلية التي تهم “الدوار”؟  لماذا يبحث هؤلاء عن الإجماع ويسعى أولئك إلى التوافق في وقت تحتاج فيه الساحة إلى بروز اختلافات في وجهات النظر ورؤى متعددة تتنافس في سبيل إقناع الجزائريين بفائدة ما تطرح من مشاريع؟

لقد تزاحمت علينا التساؤلات حول حالة التصحر السياسي الذي وصلنا إليه، وقد لا نتمكن من وضع بدايات للإجابة عنها بسهولة. غير أنه يمكن اقتراح جملة من التفسيرات لهذا الوضع.

بين جيلين

شهدت السنوات الأخير مغادرة العديد من الفاعلين السياسيين الذين نشطوا فترة التسعينيات من القرن الماضي وجزءا هاما من العشرية الأولى من هذه الألفية فقد غيب الموت بعضهم من أمثال عبد الحميد مهري ومحفوظ نحناح وحسين أيت احمد واحمد بن بله سليمان عميرات بينما غادر الساحة آخرون طواعية مع تراجع الممارسة السياسية من أمثال سعيد سعدي ونور الدين بوكروح واحمد طالب الإبراهيمي ورضا  مالك (قبل وفاته). ويبدو أن الجيل السابق لم يفلح في تكوين جيل جديد يتمتع بمحتوى فكري وسياسي قابل للتوظيف في الوقت الراهن. ويعد غياب خلف في مستوى السلف أحد الأسباب الهامة للعقم السياسي الذي نحن فيه فلا يمكن أن نتصور وجود محتوى سياسي دون حاملين لهذا المحتوى ومحركين للمياه السياسية الراكدة. إذ أن بين الجيل الأول والجيل الثاني هناك شرخ واضح وهوة سحيقة يصعب رأبها. لذا على الجزائريين أن ينتظروا سنوات أخرى حتى ينضج هذا الجيل الجديد ويتمكن من توليد أفكار جديدة. لقد شهدت فترة التسعينيات والجزائر في قلب أزمة سياسية وأمنية رهيبة حركة نقاش سياسي رفيع المستوى حول مقترحات حل الأزمة القائمة حيث ظهر تيار المصالحة مقابل التيار الاستئصالي وتيار الحوار السياسي مقابل تيار الكل الأمني ونظمت السلطة بالموازاة ندوتين للوفاق الوطني بينما نظم جزء من المعارضة ندوة سانت إيجيديو بروما وظل التلفزيون الرسمي والوحيد يستضيف وجوها مختلفة للحديث عن الأزمة في الوقت الذي استضاف فيه الرئيس اليامين زروال جولات من الحوار مع أحزاب سياسية في الداخل. كما كانت انتخابات الرئاسة لعام 1999 فضاء للنقاش حول القضايا الكبرى وعلى رأسها المصالحة الوطنية وسبل تجاوز الأزمة الأمنية والاقتصادية الجاثمة آنذاك.

حرب مواقع

غداة انتخابات الرئاسة لعام 2014 التي أفضت إلى تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة العهدة الرابعة اتجه قطاع هام من الطبقة السياسية الرافضة لنتيجة الانتخابات إلى التكتل الذي عرف أول تظاهرة له في اجتماع مازفران في 10 جوان 2014 وهو اللقاء الذي جمع تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي ضمت حركة مجتمع السلم وجيل جديد وحركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية واحمد بن بيتور شخصية وطنية وهي الكتلة التي  قاطعت الانتخابات الرئاسية، وقطب التغيير الذي شارك في الانتخابات منافسا لبوتفليقة وضم من بين ما ضم المرشح للرئاسيات علي بن فليس مرفوقا بأحزاب منها جبهة التغيير وجبهة الجزائر الجديدة وحركة الإصلاح وغيرها من الأحزاب. أضيف إلى هذين التكتلين حزب جبهة القوى الاشتراكية وشخصيات منها مولود حمروش وعلي يحيى عبد النور ومؤسسون للحزب المحل، الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وشخصيات من الفضاء الجامعي والأكاديمي وديبلوماسيون سابقون. وبالمقابل بادر الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني بفكرة إنشاء جدار وطني حول الرئيس القديم الجديد، دعي إليه جميع من التف حوله وناصره في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وهو الجدار الذي تخلف عن بنائه الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي احمد أويحيى في ظل حرب المواقع والمبادرات بين حزبي السلطة. صارت كل هذه المبادرات في خبر كان وأصبح “الشامي شامي والبغدادي بغدادي” كما يقول المثال، بمجرد أن نادى المنادي إلى خوض الانتخابات التشريعية لتبدأ حرب مواقع جديدة مختلفة تماما عن الأولى. ولنعد الآن إلى المحتوى الذي حملته هذه المبادرات التي لم تجد لها النفس الطويل للاستمرار وبدت مبادرات ظرفية عابرة. المؤكد أن مبادرة مازفران لم تخرج في طرحها عن إثارة مسألة الشرعية السياسية من خلال الطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية ومحاولة الضغط على السلطة من أجل تبني أجندة أخرى تنطلق من إعادة إجراء الانتخابات الرئاسية ومراجعة عميقة للدستور واستحداث هيئة وطنية لتنظيم الانتخابات تنوب عن وزارة الداخلية وحكومة انتقالية توافقية تدير عملية الانتقال الديمقراطي. ولم تهتم أرضية مازفران بالقضايا والرهانات التنموية والاقتصادية إلا بصفة عرضية لا تتعدى مستوى المعاينة لتأكيد الوضع المزري الذي يعود وفق مقاربتها إلى أزمة الشرعية السياسية وضرورة تجاوز النظام القائم وسلبياته.

وإن كان موضوع الشرعية السياسية جديرا بالطرح مثله مثل جميع القضايا الوطنية إلا أن ذلك التجمع الهام للمعارضة كان يمكنه أن يتعدى لذ ليكون فرصة لمناقشة مشروع وطني استشرافي بديل في جميع المجالات الحيوية وفضاء لتقديم البدائل وطرحها أمام الرأي العام بدل أن يكتفي بتوجيه رسالة إلى رئاسة الجمهورية وأركان الجيش ليدعوهما إلى التفاوض حول تقاسم السلطة وإعادة تنظيم آليات انتقالها.

وهكذا أتت الانتخابات التشريعية والمحلية وتفرق الجمع واختزل مازفران الأول والثاني في بعض الأوفياء الذي اجتمعوا في مقر حزب جيل جديد قبل أن يعودوا في حركة جديدة، حركة مواطنة، المناهضة لترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة جديدة بينما راحت حركة مجتمع السلم تروج لمبادرة التوافق وتدعو الجيش لمرافقة “انتقال سلس للسلطة” وتبحث لها عن “صيغة مشرفة” للعودة إلى حكومة ما بعد أفريل 2019 بعدما خرجت منها استعدادا لقطف ثمار الربيع العربي في 2012.

هذا هو حال المعارضة التي صار شغلها الشاغل خوض حرب مواقع لا تنتهي وصار بعضها يبحث له عن مكان ضمن قافلة الداعين الرئيس بوتفليقة للاستمرارية وبعضها الآخر آثر الصمت مترقبا لتطورات الأحداث السياسية والتغييرات التي تحدث داخل المؤسسة العسكرية والأمنية وإعلان الرئيس المنتهية عهدته عن موقفه من العهدة القادمة، لكن دون ذلك لا حديث عن مشكلات الجزائريين وكأن هذه الطبقة السياسية تعيش في كوكب آخر. وفي الضفة الأخرى استيقظت أحزاب من سباتها العميق بعد أن نسيها الرأي العام تماما، بعضها لا يملك اعتمادا رسميا وبعضها الآخر لم يمتثل في سيره ونظامه الداخلي لقانون الأحزاب وأخرى لا تملك مناضلين أساسا. بعد أن ماتت فكرة الجدار الوطني لسعداني هرعت أفواجا وزرافات لدعوة الرئيس بوتفليقة للاستمرار في قيادة البلاد ولم تكلف نفسها النظر إلى التحديات والرهانات التي تنتظر الجزائر بل اختزل همها في ضمان استمرارها هي على قيد الحياة. وهاهي تستعد لتشكيل جبهة شعبية يقودها حزب جبهة التحرير الوطني. خلاصة القول، أن هذه الطبقة السياسية جزء من مأساة البلد، فقد توقفت عن أداء دورها المفروض وهو التقدم إلى الرأي العام كقوة اقتراح وإثارة النقاشات حول حاضر ومستقبل البلد بدل التخمين في مستقبل الرئيس بوتفليقة لما بعد أفريل القادم بل صار التفكير في غير هذا عبث لا طائل من ورائه.

احسن خلاص  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super