تراجعت فرنسا عن تصريحاتها بخصوص الحراك الشعبي السلمي في الجزائر، واعتبرت أن التعليق على هذا الحراك قد يفهم على انه “تدخل في الشأن الداخلي” للجزائر وبالتالي هي تتجنب ذلك، و قد أرجع الكثير من المحللين السياسيين سبب هذا التراجع إلى الضغط الكبير الممارس على قصر الاليزيه من الداخل وأيضا بسبب قوة الحراك الشعبي في الجزائر الذي لم يتوقعه السياسيون في الداخل والخارج والذي أدخلهم في حالة ارتباك كبيرة.
وقال الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، خلال الاجتماع الذي جمعه مع المثقفين في قصر الإليزيه مساء أول أمس، إن “من الضروري تجنب أي تعليق حول ما يجري في الجزائر فهو أمر جد صعب بالنسبة لنا”، وأضاف “أي تعليق سيعتبر تدخلا في الشأن الداخلي الجزائري لهذا يجب تجنب هذا الأمر”، غير أنه قال انه “يبقى يتبادل النقاشات مع القيادة التي تحكم الجزائر من خلال محاولة فهم رسائل الانتقال ومرافقتها وتمريرها”، هذه التصريحات للرئيس الفرنسي جاءت متناقضة لتصريحاته السابقة التي ثمن فيها، من جيبوتي، قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عدم الترشح لولاية خامسة وتأجيل الانتخابات، واعتبر أن ذلك “يفتح صفحة جديدة في التاريخ الجزائري”، داعيا إلى”مرحلة انتقالية بمهلة معقولة”، وهي التصريحات التي أثارت غضب الشارع الجزائري بشكل قوي وقاس على الرئيس الفرنسي مطالبين إياه ب”عدم حشر انفه في الشأن الداخلي الجزائر و الاهتمام بمشاكل بلاده الداخلية و على رأسها مظاهرات أصحاب السترات الصفراء” .
و يرى العديد من المحللين السياسيين أن تراجع خطاب الرئيس الفرنسي راجع إلى الضغط الكبير على قصر الايليزيه إضافة إلى قوة الحراك الشعبي السلمي و الذي لم يتوقعه السياسيون لا في داخل البلاد ولا خارجه و الذي أدخلهم في حالة من الذهول و التخبط، و في هذا السياق يقول أستاذ العلوم السياسية نسيم بلهول في تصريح ل”الجزائر”، ان تصريح ماكرون جاء لتخفيف شدة الضغط الممارس على قصر الاليزيه والتي تسببت فيها استمرار المظاهرات الخاصة بالسترات الصفراء، إضافة إلى ضغوطات الجالية الجزائرية بفرنسا و حتى الضغط الذي مارسه المواطنون الجزائريين بالاتصالات الهاتفية على القصر وكان قبلها على مستشفى سويسرا، و قال أن كل هذه الضغوطات إضافة إلى قوة الحراك الشعبي، افقد فرنسا توازنها و تركيزها، خصوصا وان فرنسا من الصعب عليها التنازل على الجزائر، و قال أن من يعتبر أن فرنسا قد تتخلى عن تدخلها في الشأن الداخلي للجزائر فهو مخطأ، فهي تعتبرها إحدى الحدائق الخلفية في إفريقيا التي لا يمكن أن تتنازل عنها، و لان الاليزيه يحتفظ بخلية له في الجزائر،غير انه عاد ليقول أن الشعب الجزائري مدرك لهذا الأمر، و مدرك انه الآن أمام فرضية تاريخية للشعب لاستكمال مساره الاستقلالي وقطع الخيط الذي يربط الجزائر بفرنسا، و لكن يجب أن يتحلى باليقظة.
من جانبه اعتبر الباحث في العلاقات الدولية بشير شايب في تصريح ل”الجزائر” أن تصريح الرئيس الفرنسي امنويل ماكرون بمثابة “تصريح الصدمة”، لان هذا الحراك لم يكن احد ليتوقع بان يكون بهذه الضخامة و السلمية و التحضر، وهذا ما خلق ردود فعل داخلية و خارجية مرتبكة، و قال أن ماكرون تراجع في تصريح الثاني عن الجزائر نظرا لقوة الحراك، وهنا –يضيف الباحث- فالرئيس الفرنسي وجد نفسه أمام ضغط الطبقة السياسية الفرنسية، و الوضع الداخلي لبلاده الذي يشهد من عدة أسابيع احتجاجات السترات الصفراء التي تعد هي الأخرى حراك وان لم يكن شبيه بحراك الجزائر إلا أن ماكرون يتخوف من تأثير الحراك الجزائري في الحراك الفرنسي، و اعتبر الباحث أن المظاهرات في الجزائر نظرا لضخامتها وقوتها و سلمية جعلت كل الساسة في الداخل و الخارج حذرين من الإدلاء بأي تصريحات لعلها ستوقعهم في “فخ” بعد قليل.
رزيقة.خ