أثرت جائحة “كورونا “على المجتمع الجزائري على غرار باقي شعوب العالم من الناحية الاجتماعية والنفسية، حيث ظهر المعدن الطيب للناس وبرزت بعض قيم التضامن وتوطيد العلاقات الأسرية وإعادة لم الشمل وتقليل الآفات الاجتماعية، في المقابل أخرج الوباء إلى العلن العديد من الأمور السلبية من الجشع عبر الاحتكار وغيرها من الأمور السيئة، مثل احتكار بعض التجار للسلع والزيادة في الأسعار، إضافة إلى التأثير النفسي للحجر الصحي على مختلف الافراد والفئات.
وبذات الصدد، أجمع الخبراء الاجتماعيين والنفسانيين أن الجائحة الحالية لم تمر مرور الكرام وخلفت أثرا واضحا على نفوس الجزائريين، وأصبح الفرد الجزائري يواجه تحديات كبيرة خصوصا مع تغيير نمط العيش حاليا والحجر المنزلي وهاجس الموت الذي خلف ذعرا واسعا، وصعوبة التعايش مع هذه الأزمة في بداياتها والتأقلم معها في وقت الذروة وكيفية التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية المرتبطة بفيروس “كوفيد- 19”.
المختص في علم النفس، خالد شنون:
“الحجر الصحي فرصة لاسترجاع التواصل الأسري وتقوية العلاقات والقيم الغائبة”
وأوضح الاخصائي في علم النفس الاجتماع الدكتور خالد شنون في اتصال مع “الجزائر” أن وباء “كوفيد 19” “انعكس على المجتمع الجزائري وظهر ذلك من خلال سلوكيات نفسية سلبية وكذا ايجابية للأفراد”، مشيرا أنه من ناحية علم النفس طرأت عدة تغييرات في نفسية الأفراد منذ بداية الأزمة إلى تفاقمها، حيث أكد أن فيروس “كورونا” ترك “آثارا نفسية عميقة، على الكبار والصغار، بسبب حالة الذعر التي أصابت العالم على مستوى المجتمع والأسر وكذا الأخبار المتداولة والشائعات عن المرض”.
وأضاف المتحدث ذاته: “لاحظنا في بدايات الأزمة تمرد الكثير من العائلات الجزائرية وعدم القبول النفسي والعقلي والتعايش العقلاني مع الوباء”، مشيرا إلى “المنشورات الساخرة وعدم جدية الالتزام بالحجر الصحي والمنزلي، والاستهزاء في أوساط التواصل الاجتماعي وعدم تقيد العائلات بالحجر المنزلي والسماح للأطفال بالخروج للمنتزهات والمرافق العامة رغم قرار غلق المدارس والمعاهد والمرافق لتفادي انتشار الوباء وحمايتهم”، مضيفا في السياق ذاته، “لكن سرعان ما تداركت العائلات الجزائرية خطورة الوضع، بدافع مثير الاستجابة وهذا ما نلاحظه من خلال قضاء ساعات طويلة لمتابعة المرض وكيفية الوقاية منه بسبب الارتفاع في عدد المصابين بالفيروس”.
وأوضح خالد الشنون أن في هذه المرحلة انتقل المجتمع الجزائري والأفراد بمختلف فئاتهم العمرية من مرحلة عدم التقبل والصدمة عوض مجابهة الوباء إلى مرحلة التعايش معه والعمل على كيفية تجاوز المرحلة والتقصي والبحث عن الوسائل الوقائية والتكيف مع الوضع الراهن.
وقال المتحدث ذاته، أنه يتعين على العائلات أخذ الامور من الناحية الجدية، مشيرا أن هذا الوباء “فرصة لاسترجاع التواصل الأسري المبني على تقوية العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة التي تعتبر نواة المجتمع”، أما بخصوص درجة التأثر النفسي، اعتبر الخبير النفسي خالد شنون أن الوباء “قلب الموازين وأدى إلى تغيير سلوك الأفراد وظروف العمل وتقليل التجمعات أو العزلة في المنزل خوفا من انتقال العدوى وأدى نقص التواصل الى انعكاسات كبيرة”، موضحا أنه “لا بد من تخطيط للخروج من الضغط النفسي والتحصين النفسي في الوقت ذاته”، مضيفا بأنه “تختلف درجات التقبل حسب ثقافة الفرد ومهنته ودوره في المجتمع مستدلا بمثالين، الأول تمرد بعض الشباب والخروج في وقت منعت فيه السلطات الخروج ومنعت التجوال، في المقابل استدل بمثال الثاني بمساهمات آخرين في الحملات التضامنية والتوعوية”.
المختص في علم الاجتماع، شريف زهرة:
“آن الأوان لتستعيد الأسرة الجزائرية وظيفتها الأساسية”
من جانبه، قال المختص في علم الاجتماع شريف زهرة في اتصال مع “الجزائر أن أهم ما قدمته جائحة “كورونا” للمجتمع الجزائري أنها “أعادتهم إلى ذواتهم، أي إلى خلية الأسرة التي تعرضت في كثير من الأحيان للتباعد والانفصال”، معقبا تحول المجتمع إلى “مؤسسة بيولوجية ويدا واحدة”، معتبرا أنه “آن الأوان لتستعيد الأسرة وظيفتها الأساسية مراجعة الحسابات وترتيب الأمور”.
وأضاف شريف زهرة أن الوباء الذي عصف بالجزائر على غرار بلدان العالم أثر في نمط حياة المجتمع، موضحا أنه “لاحظ على مستوى العلاقات الاجتماعية، الجائحة أدت إلى توطيد العلاقات في الأسر الجزائرية”، مشيرا أن هناك أشياء التي بدأت تختفي أو تضعف على مستوى العائلات عادت بقوة حيث قوى الفيروس العلاقات الأسرية ولم الشمل في الحجر المنزلي.
وافترض أستاذ علم الاجتماع أن أفراد المجتمع الجزائري سيشعرون أكثر، بعد تجاوز أزمة جائحة “كورونا”، بالحاجة إلى تقدير أساسيات الحياة في مقابل كماليات الحياة، وسيعيدون ترتيب الأولويات، باستحضار القيم والثقافة والأعراف والدين وصلة الرحم التي كادت هذه القيم أن تضمحل بسبب الانشغال وراء الحياة.
وقال المتحدث ذاته، إننا نعيش حاليا فترة توقيف لمراجعة الحسابات وترتيب الأمور واستدل بمثال على تغيير سلوكيات اعتاد عليها المجتمع الجزائري، ونقص الآفات الاجتماعية، مثل السرقة و”الحرقة” والتفكير الدائم في الهجرة، وظهور بوادر التضامن والتآزر، واستدل بمثال القوافل التضامنية التي تصل يوميا إلى الولايات المتضررة وبالخصوص ولاية البليدة التي هي الآن تحت الحجر الكلي، وسيارات نقل البضائع وتبرعات لمختلف الاطارات والقطاعات، بشتى أنواع الطرق فمنهم من تبرع براتبه الشهري ومنهم من قدم المؤنة لفئات المعوزة، خصوصا وأن في هذه المرحلة الحساسة تأثرت الفئة الاجتماعية التي لهم لدخل المحدود أو يعملون لحسابهم الشخصي بعد توقفهم عن العمل خوفا من تفشي فيروس “كوفيد 19”.
وقال شريف زهرة في السياق ذاته، إن “التضامن أصبح بشكل واسع عبر مختلف الولايات وتقديم المساعدات الانسانية وضيافة الغرباء بين روح التضامن في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، والتفكير للمدى البعيد، كما أن طريقة التفكير الاجتماعي تغيرت كثيرا”.
من جهة أخرى، فيما ارتفع منسوب التضامن عبر ربوع الوطن خلال الآونة الأخيرة بسبب جائحة “كورونا”، أشار المختص في علم الاجتماع ذاته، إلى أصحاب النفوس الضعيفة والانتهازيين، حيث قال “لا ننفي أنه فيه بعض السلبيات التي ظهرت بكثرة خاصة من خلال النمط الاستهلاكي، منهم التجار الذين انتهزوا الفرصة للربح وجمع الثروة إلا ان السلطات وجهات المراقبة كانت لهم بالمرصاد، كما أن التهافت على مادة السميد، وصور الرفوف الخالية من أي بضائع، حتى الأقل أهمية منها، وهو ما أُطلق عليه مصطلح “الشراء بدافع الذعر” رغم أن السلطات أكدت على وفرة المنتجات والمواد الغذائية”.
وفي الأخير، أوضح المتحدث ذاته أنه عموما في هذه المرحلة التي تعيشها البلاد تبرز العادات الايجابية أكثر من السلبيات وهناك تغير شاسع في طريقة تعامل الأفراد مع بعضهم البعض وتغيير النمط المعيشي الحالي سيؤثر مستقبلا لما بعد مرور الأزمة، داعيا الى استمرار هذا النوع من النخوة والعاطفة التي تعكس حضارة الجزائريين في الأوقات العصيبة.
خبراء يحذرون من تأثير “كورونا” على نفسية الأطفال
وعن الفئات العمرية الأكثر تضررا، كشف المختص في علم الاجتماع، شريف زهرة، أنها الفئات التي تعاني من صعوبة المكوث في البيت والمعتادون على الرفاق خاصة بالشباب، وكذا الفئات المتمسكين بالعمل لأن الصحة النفسية للكثير من الناس تكمن في العمل وملئ وقت فراغهم، مشيرا كذلك إلى “المتمسكين بالعبادة والمواظبين على الصلاة في المساجد والذين يتداولون على المعاهد والمراكز، حيث يعيشون حاليا نوعا من الوحدانية، فالانعكاس يختلف من وظيفة لوظيفة وحسب الفئات العمرية”.
وأوصى الخبير في علم النفس الاجتماعي خالد شنون بتجنيب الأطفال خلال هذه المرحلة المعلومات المغلوطة ورؤية المشاهد الصادمة وغير الملائمة المنتشرة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، موضحا أن الحالة النفسية للأطفال ترتبط بالفترة العمرية ومراحل التطور العمرية التي يمرون بها، داعيا الآباء أن يشرحوا لأطفالهم ما الذي يجب عليهم القيام به لحماية أنفسهم من المرض بعيدا عن التهويل.
وفي سياق متصل، أوضح المتحدث ذاته، أنه لم تقتصر أضرار الجائحة العالمية على الآثار الجسدية المتمثلة بأعراض المرض المعروفة من سعال جاف وضيق في التنفس، بل تؤثر أيضا على الحالة النفسية بسبب السلوكيات والتصرفات الخاطئة من قبل الكثيرين في التعامل مع الوباء، مضيفا أن حالة الذعر التي يمكن أن تحدث داخل الأسرة بسبب وباء كورونا قد يكون لها تأثيرات سلبية على الأطفال خصوصا مع الحجر المنزلي وتمديد العطلة المدرسية والمصير المجهول الذي ينتظر التلاميذ.
وهذا ما أكده الخبير في علم الاجتماع الشريف زهرة، حيث قال إن الحالة النفسية والظروف الاجتماعية التي يعيشها الفرد ترتبط بالفترة العمرية والطفل الأكثر تضررا خصوصا مع مراحل التطور العمرية التي يمرون بها، موضحا أن الأطفال قبل سن العاشرة “يتمتعون بخيال واسع جدا ويمكن أن يكونوا أفكارا خيالية عن الفيروس مثل أنه وحش عملاق قبيح الشكل يفتك بالإنسان ويأكله أو بعوضة صغيرة”، مضيفا أنه لذلك يجب على الآباء الذين لديهم أطفال صغار السن أن يتأكدوا من إبعاد أطفالهم عن مثل هذه الأخبار والمعلومات الكثيرة في التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي وصور للموتى بالوباء القاتل وكيفية دفنهم.
حلول لكسر “روتين” الحجر الصحي
وفي هذا الإطار، دعا المختص في علم النفس خالد شنون إلى تقبل الوضع الراهن والتقيد بالحجر المنزلي لسلامة الجميع، وإشعار الجميع بضرورة التكيف مع الظروف الحالية وما تطلبه هذه المرحلة التي هي في أشد صعوبتها إلى أن تفرج وتزول هذه الأزمة، وقدم خالد شنون بعض الحلول مثل “كثرة المطالعة، والعمل من البيت والتواصل الدائم مع أفراد الأسرة بأطيب الحديث وكثرة العبادة، والتفكير في المشاريع المستقبلية وفق ما يخدم العائلة واستخدام الوسائط الاجتماعية لتقوية صلة الرحم”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “الأطفال إلى جانب ذلك يمكن أن يتأثروا أكثر بمشاعر أفراد عائلاتهم لأن مشاعر الخوف والذعر لدى الأبوين أو المخالطين للطفل مشاعر معدية ولذلك على الأبوين ألا يستخدموا في حديثهم لغة الخوف والذعر من الوباء بل أن يركزوا على التدابير والإجراءات الواجب اتخاذها”.
واقترح المختص في علم الاجتماع شريف زهرة، التفكير دائما في الأمور الإيجابية والعمل ما يفيد من الناحية الاجتماعية بعيد عن التهويل وخلق الاشاعات، والتقيد بالحجر المنزلي إلى أن تتضح الأمور مشيرا إلى أن عدم وضوح الرؤية على غرار بقية الدول “فتح المجال لطرح الكثير من التساؤلات التي تهم الرأي العام ولسد التذبذبات التي يعيشها المجمتع”.
مختصون نفسانيون يتطوعون في خلية الإصغاء للتكفل بانشغالات المواطنين
هذا وفي نفس الاتجاه، أعلنت النقابة الوطنية الجزائرية للنفسانيين عن وضع شبكة وطنية للإصغاء والدعم النفسي موجهة لجميع المواطنين والمواطنات من أجل ضمان التكفل والمرافقة النفسية لهم، وسينطلق عمل الخلية بدية من الأسبوع المقبل، حسما أعلنت عنه النقابة.
وأوضحت النقابة، في بيان تحوز عليه “الجزائر” أنه في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد وبالإضافة إلى الجهود المبذولة من طرف أسلاك النفسانيين عبر المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الحجر الصحي، تتشرف النقابة الوطنية الجزائرية للنفسانيين بوضع شبكة وطنية للإصغاء والدعم النفسي، وهذا عن طريق الاتصال والتواصل مع مختصين في علم النفس طيلة أيام الأسبوع من الساعة التاسعة صباحا إلى غاية الحادية عشر ليلا عبر خطوط الهاتف النقال المخصصة لذلك.
أميرة أمكيدش