لم تكن الأيام الأولى من رمضان هذه السنة، عادية بالنسبة للجزائريين بسبب الوضع الصحي وما تبعه من إجراءات الحجر المنزلي، منعا لتفشي فيروس “كورونا” المستجد، فلأول مرة لم يتمكن الجزائريون من أداء صلاة التراويح وتنظيم مطاعم الرحمة وقضاء سهراتهم في المقاهي والصالونات والاكتفاء بالبقاء في المنازل بعد الإفطار.
بسبب الأزمة الصحية التي تعرفها الجزائر على غرار عدة دول، يأتي شهر رمضان لهذه السنة استثنائيا، حيث لم يلمس الكثير من الجزائريين “ذوقه” الحقيقي بسبب تغيير عاداتهم، وأبرز ما يميز الشهر الفضيل لهذه السنة هو غياب صلاة التروايح، والتي تعتبر الحلقة الكبرى في سلسلة الحلقات الرمضانية المفقودة، على الأقل في النصف الأول من هذا الشهر، بعدما قطعت لجنة الإفتاء التابعة لوزارة الشؤون الدينية مؤخرا، الشك باليقين، بداية بتثبيت الصيام على عموم الجزائريين، غالقة باب التأويل والاجتهاد في وجه مثيري النقاشات الجانبية، وصولا إلى تعليقها لصلاة الجماعة حيثما كان المكان والزمان، بما في ذلك صلاة التراويح، ليغيب أبرز مشهد روحي في رمضان الجزائريين، الذين دأبوا على جعل صلاة التراويح موعدا يوميا لا يضيع.. هذا مما دفع العديد منهم لإقامة الصلاة في البيوت ولعل الصور التي انتشرت خلال اليومين الأخيرين للعائلات التي تؤدي صلاتها في المنازل خير دليل على ذلك.
وبعيدا عن المشاهد الروحانية المميزة لرمضان، اضطر الجزائريون للتخلي عن العديد من عاداتهم الاجتماعية والإنسانية، التي لا طالما كانت محل فخرا لهم، في مقدمتها الهبات التضامنية بتنظيم “موائد الإفطار الجماعية” التي شاعت في السنوات الأخيرة حيث كان صعبا عليهم ولأول مرة في حياتهم، أن يقضوا شهر رمضان دون “مطاعم الرحمة”، وهي تقليد رمضاني اعتادوا عليه، لكن فيروس “كورونا” جعلهم يعيشون هذه الحقيقة ويرونها بأعينهم، حيث قررت السلطات عدم منح تراخيص للراغبين في فتح هذه المطاعم الخيرية، التي تعكس تضامن المجتمع مع بعضه في شهر خاص جدا.
ففي حديث للإذاعة الوطنية، قال الأمين العام لوزارة التجارة، كريم قش إن السلطات “لن تمنح ترخيصا لفتح المطاعم التظامنية طيلة هذا الشهر، بسبب تفشي فيروس كورونا في البلاد”، وبرّر المسؤول في وزارة التجارة هذا القرار قائلا: “سبب عدم فتح مطاعم الرحمة يعود إلى كونها مكان تجمعات، لذا لا يمكن الترخيص بفتحها تفاديا لانتشار الفيروس المستجد”.
وبقرار عدم فتح مطاعم الرحمة، يكون الجزائريون قد فقدوا رمزا كبيرا من رموز “شهر الرحمة”، وبالمقابل تحسّر الكثير أيضا على قضاء سهرات رمضان في بيوتهم، بعدما كانت الحياة عقب الإفطار تدبّ في المقاهي والمحلّات خلال الليالي الرمضانية، حيث كانت العائلات في السّابق تتمسك بزيارة الأقارب والاستجابة لدعوات الأهل والأحباب في ليالي شهر الصّيام.
المختص في علم النفس، أحمد قوراية:
“غياب بعض العادات خلال رمضان أثر بشكل سلبي على نفسية الجزائريين”
وفي هذا الإطار، قال الخبير النفسي أحمد قوراية في حديثه مع “الجزائر” أن “الشعب الجزائري له طقوس خاصة اعتاد على بعثها كلما حلت ليالي شهر رمضان المعظم، التي يعتبرها مناسبة تعيد لم شمل الأسرة الجزائرية، عند مائدة الإفطار، فعادة التزاور في المجتمع الجزائري تعد ضمن التقاليد الشعبية الموروثة من جيل إلى جيل، فأضحى التبادل الزيارات بين العائلات الجزائرية لها طابع خاص وعبق جميل يعبق بنكهة الزمن الماضي، وعليه تحرص الأسر الجزائرية على الحفاظ عليها من أجل استمرار هذا الأصل التقليد الذي يعد من بين العادات الجميلة التي هي سنّة تستن بها العائلة التي تحيي بها ليالي رمضان”.
وتابع المختص في علم النفس قوراية قائلا أن “الجزائري حريص كل الحرص على إتيان المسجد والجوامع لأداء صلاة التراويح التي هي من السنن المؤكدة التي ثبتت عن النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم”، وهي صلاة القيام في رمضان والمعروف عن الشعب الجزائري حتى وإن لم يكن منهم من لم يصلي خارج هذا الشهر، إلا أنه وبحلول هذا الشهر الذي اصطفاه الله عن بقية أشهر السنة القمرية تجد يشعر من تلقاء نفسه بضرورة أداء صلاة التراويح، مما يؤكد أن الفرد الجزائري لا يفوت هذه الصلاة التي تؤدى في شكلها الجماعي فهي تبعث في النفس الطمأنينة وتبهج الصدر وتريح الروح وتجعلها تسبح في ملكوت الرحمن، وإذا فرغ من الصلاة تكون وجهة المصلي مباشرة نحو المقاهي التي عادة ما تعج بالناس في ليالي رمضان”.
وأضاف المتحدت أنه “من المسائل الحميدة والسلوك الطيب الذين يميزان الشعب الجزائري أيضا أنه لا يعيش لنفسه فقط، بقدر ما يولي اهتمامه بغيره خاصة خلال أيام شهر الفضيل ومن هذه السلوكات تنظيم مطاعم الرحمة”.
وأوضح الخبير النفسي أن حرمان الجزائري من كل هذه العادات والتقاليد بفعل إجراءات وقائية “تركت آثارا سلبية على نفسيته حيث وجد نفسه فجأة أمام ظاهرة سابقة في تاريخ الجزائر، مما جعله يعيش حالة تناقض، من جهة يريد إحياء ما سبق ذكره في حين يخاف من الإصابة بهذا الفيروس”.
فلة.س