الجمعة , نوفمبر 22 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الحدث / محند اعراب أولحلو ومحمد ارزقي فراد يتحدثان عن الربيع الأمازيغي:
“لا فصل بين المطلب الأمازيغي والتطلعات الديمقراطية للمجتمع”

محند اعراب أولحلو ومحمد ارزقي فراد يتحدثان عن الربيع الأمازيغي:
“لا فصل بين المطلب الأمازيغي والتطلعات الديمقراطية للمجتمع”

 يمر اليوم 37 عاما على انطلاق شرارة الربيع الأمازيغي وقد كانت نقطة مفصلية هامة توجت سنوات من النضج والوعي بالقضية الأمازيغية وبداية لنضالات طويلة حققت ما حققت وبقي منها ما ينتظر. في هذا الحوار تحدثنا مع المخضرمين المناضلين القديمين في جبهة القوى الاشتراكية وهما محند أعراب أولحلو ومحمد ارزقي فراد اللذين أحاطا بجوانب عدة تتعلق بتاريخ النضال من أجل تحقيق المطلب الأمازيغي لغة وثقافة وهوية.

 

كيف عشتما أحداث الربيع الأمازيغي لعام 1980 وكيف تضعانها في سياقها السياسي؟

د. لحلو محند أعراب

كانت الأحداث لحظة انتظرها مناضلو القضية الأمازيغية منذ عدة سنوات فمطلب الحقوق اللغوية والثقافية يعود، في الحقيقة إلى السنوات الأولى للاستقلال. منذ سنوات 1960 تولّد لدى طلبة الثانوية والجامعة في الجزائر العاصمة ومنطقة القبائل الشعور بضرورة تنظيم أنفسهم من أجل الدفاع عن اللغة الأمازيغية. في تلك الفترة بدأت تتشكل الحركات الأولى للاحتجاج في مرحلة ظلت جنينية، في الحقيقة بسبب السياق السياسي لتلك الفترة الذي كان يميزه القمع الشديد للمعارضين لنظام بن بله ومن بعده بومدين. كانت فترة ما بين 1962 و 1980 متميزة باستراتيجية تدميرية لكل ما كان بإمكانه التذكير باللغة والثقافة الأمازيغية وتم اللجوء حتى إلى تحريف التاريخ والتركيبة الاجتماعية للجزائر. وبخلفية بعثية ونزوات ناصرية أخذت السلطة قرارات مثل منع تعليم اللغة الأمازيغية في الجامعة وإلغاء القناة الإذاعية بالقبائلية الذي أثار رد فعل معارض من قبل الناطقين بالأمازيغية خاصة في منطقة القبائل التي كانت قد عاشت قمعا شديدا بين 1962 و 1965. الربيع الأمازيغي لعام 1980 كان إذن نتيجة نضج سياسي وثقافي. أما منع محاضرة مولود معمري فكان العنصر الذي أعطى دفعا لغليان كان قائما منذ عدة سنوات. ينبغي أن نضيف أن مظاهرات الربيع الأمازيغي، مع أنها لم تكن صنيعة أي حزب سياسي فقد كان وراءها مناضلون حملوا في الوقت ذاته أفكار حزب جبهة القوى الاشتراكية بعدما أدرج المطلب الأمازيغي في أرضيته السياسية لعام 1979. الربيع الأمازيغي لأفريل 1980 كان نتيجة نضالات قائمة مند الاستقلال دون أن ننسى تلك التي قام بها التيار المسمى “بربري” لسنوات 1940 والأكاديمية البربرية والكتاب والفنانون مثل مولود معمري وطاوس عمروش وآخرون.

د.محمد ارزقي فراد

كنت خلال هذه الأحداث أستاذا لمادتي التاريخ والجغرافية في ثانوية عبد الرحمن اليلولي(لربعا ناث يراثن، ولاية تيزي وزو). وفي نفس الوقت كنت أعدّ في جامعة الجزائر شهادة “دبلوم الدراسات المعمقة”(ماجستير حاليا) حول موضوع له علاقة بتاريخ الأمازيغ وهو “الإمارات البربرية في الأندلس خلال عهد ملوك الطوائف( القرن11م). وبعبارة أخرى كنت أناضل فكريا من أجل إعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية، ولم أكن مناضلا سياسيا في الميدان. أتذكّر الإضراب العام الذي شلّ  جميع المؤسسات التعليمية (إكماليات وثانويات وجامعة)، أتذكّر هجوم قوات الأمن على الطلبة المعتصمين في جامعة تيزي وزو، وما نجم عنه من تداعيات خطرة واستنكار السكان ذلك العدوان العنيف، وتأييدهم المطلق للطلبة من خلال مظاهرات صاخبة عمّت ولاية تيزي وزو، وغيرها من ولايات الوسط

بعد 37 سنة من أحداث الربيع الامازيغي ما هي الحصيلة التي يمكن استخلاصها من هذا المسار الطويل للمطلب الأمازيغي؟

د. لحلو محند أعراب

كانت الحصيلة للأسف ثقيلة ميزها المئات من القتلى والآلاف من الجرحى والمئات من المسجونين والمنفيين. هذا المسار تميز بقطائع داخل المجتمع الجزائر جراء قمع شديد تجاه جزء من الشباب الجزائري والقبائلي الذي كان قد دفع ثمنا غاليا من أجل تحرير البلاد والدفاع عن الديمقراطية. كانت السلطة لوقت طويل تلعب بالنار بتحريكها لخطاب مضاد للأمازيغية ومناهض لمنطقة القبائل بالأخص. غداة 20 أفريل 1980، لم تكن لدى السلطة الشجاعة لإعادة الأمور إلى نصابها من خلال إعطاء الهوية الأمازيغية مكانتها في الأصلية في الجزائر. بعض الخطابات أضرمت نار الفتنة بدل أن تقدم الإجابات التي كان يفرضها الواقع التاريخي والثقافي واللغوي لبلادنا.  حرمان الجزائر من أمازيغيتها لم يفد في شيء إلا إضعاف تماسك المجتمع الجزائري. يمثل الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية ورسمية تقدما مهما جدا ولابد أن يوضع في خانة اللارجعة. هناك تدابير اتخذت في المنظومة التربوية لإعطاء اللغة الأمازيغية بعدها الوطني. وهي تمثل استعادة مشروعة للهوية الأمازيغية في الجزائر. هذه تدابير إيجابية . غير أن هناك أصوات تعلو من أجل التشكيك في نوايا السلطة فمناضلو القضية الأمازيغية يريدون مزيدا من الإشارات التي تؤكد أن الأمر لا يتعلق بمناورات دون أبعاد مستقبلية. وعلى هذا المستوى لا ينبغي أن يبقى هذا الاعتراف اعترافا على الورق فقط دون أي تأثير في الميدان. هنا أيضا لابد من وضع تدابير حيز التنفيذ من أجل اتضاح الرؤية أكثر للغة الأمازيغية في الحياة اليومية وعلى مستوى المؤشرات الاجتماعية. وبعبارة أخرى ننتظر قرارات أكثر قوة لإشراك اللغة الأمازيغية في جميع قطاعات الحياة العمومية.

د.محمد ارزقي فراد

أكيد أن المسألة الأمازيغية قد عرفت تطورا نحو الأحسن، بفضل تراكم نضال أجيال عديدة، وليس منّة من السلطة. فالحقوق تؤخذ بالنضال والتضحية ولا تعطى مجانا. وبالمناسبة أترحّم على ضحايا أحداث الربيع الأسود (127 شابا) الذين قدّموا أرواحهم قربانا للديمقراطية في الجزائر، لأن القضية الأمازيغية قضية ديمقراطية بامتياز. بعد إضراب المحفظة في الموسم الدراسي (1994/ 1995)، أصبحت اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية بموجب تعديلين للدستور(2002/ 2016)، لكنها لا تزال تنتظر تجسيد وعود الترقية والتطوير بتأسيس  الأكاديمية الأمازيغية التي نصّ التعديل الأخير على إنشائها.

يأتي إحياء الذكرى في جو مميز بتعدد المقاربات وخلافات سياسية. هل تنظران إلى هذا الجو كعامل إيجابي لترقية مطلب الهوية؟

د. لحلو محند أعراب

يأتي إحياء الربيع الأمازيغي هذا العام في سياق سياسي واقتصادي واجتماعي معقد وغير مضمون. كما يأتي بعد فترة طويلة من تغييب السياسة داخل المجتمع في وقت كانت فيه الطبقة السياسية قد فقدت مصداقيتها لدى المواطنين. كل هذا يخلق شعورا بضيق تترتب عنه عواقب لا يستهان بها حول الطريقة التي ننظر بها ونتفاعل بها على الأحداث الاجتماعية والسياسية. المطلب الأمازيغي لم يفلت من كل الاضطرابات التي يعاني منها مجتمعنا. بعض الأحزاب السياسية، وإن أظهرت دعمها للاعتراف بالأمازيغية في الجزائر، إلا أنها لا تزال تلجأ إلى حجج لم تعد مناسبة اليوم. البعض الآخر ممن كان في طليعة هذا المطلب يبدو أنهم انحازوا لصالح العمل السياسي على حساب المطلب الثقافي. ما يدعو إلى التساؤل أكثر من غيره هو الخطاب الذي يضع في الوقت ذاته المطلب الثقافي مع مطلب الجهونة والحكم الذاتي أو حتى الاستقلال. هذه الخطابات لا ينبغي تجاهلها، بل ينبغي التعامل معها بجدية كبيرة وذكاء. هذه هي الخطب، دون إضعاف المطلب الأمازيغي، وتولد حرجا في وحدة العمل. ومن المهم خلق فضاءات للنقاش والتفكير بدلا من مساحات للمواجهة. على هذا الصعيد، اكتسبت مناضلون القضية الأمازيغية النضج الكافي الذي يسمح لهم بعدم التضحية بالقضية الأمازيغية من أجل الخلافات الأيديولوجية.

د.محمد ارزقي فراد

سبقت الإشارة إلى أن المسألة الأمازيغية هي قضية ديمقراطية بامتياز، لذا فمن الطبيعي أن تستفيد من التحوّل السياسي نحو الديمقراطية، وإن كان سير هذا التحوّل يسير بسرعة السلحفاة. والأمازيغية هي مسألة جوهرية ففضلا عن كونها لغة وثقافة في حاجة إلى التدريس، فهي مكوّن أساسيّ في هويتنا الجزائرية يجب أن يلقى كل الرعاية.

كيف تنظران إلى سياسة الدولة حيال اللغة والثقافة الأمازيغيتين؟

د. لحلو محند أعراب

قرار الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية هو قرار سياسي هام له بصمته على  مستقبل الجزائر كأمة وثقافة. ومن الضروري الآن أن نذهب أبعد من ذلك عن طريق إزالة كل الغموض على مستوى النوايا والخطابات أو النصوص التي تهدف إلى الحد من المدى الحقيقي لهذا الاعتراف. يجب على الدولة أن تعمل على ضمان وحدة الشعب الجزائري حول أصالته التاريخية من جهة  ومن جهة ثانية ضمان مساواة المواطنين عن طريق محاربة التمييز الذي من شأنه أن يطعن في الحقوق المكتسبة.

في مجال الممارسة، من الضروري أن يضع النظام التربوي حيز الخدمة الوسائل التربوية التي من شأنها أن تتيح للتلاميذ معرفة التاريخ الحقيقي لبلادهم والإقرار بهويتهم كمواطنين جزائريين. على الدولة أن تجعل البيئة المباشرة للجزائريين تلعب دور الحامل للمكتسبات اللغوية للأمازيغية، في التعليم ووضع اللوحات على واجهات الوزارات والمؤسسات العمومية، وإشارات الطرقات أو غيرها من المعلومات في متناول المواطنين لا بد أن جزءا من الالتزامات من الدولة حيال الأمازيغية.

د.محمد ارزقي فراد

سياسة الدولة تصنعها إٍرادة الشعب، عن طريق تغيير موازين القوى. لذلك أرى أن النضال السياسي من أجل إنصاف الأمازيغية يجب أن يبقى  يقظا، وإن كان المجال اليوم هو للباحثين الأكاديميين الذين  يتوجّب عليهم العمل من أجل ترقيتها في الشكل والمضمون، أي بجمع التراث  و”تقعيد” اللغة وتعميم دراستها في جميع الولايات بالتدرج.

هل بقي للأحزاب السياسية التي حملت المطلب الأمازيغي منذ اللحظات الأولى شيئ تفعله للغة والثقافة الامازيغيتين أم أن الوقت قد حان لترك العمل لرجال ونساء الثقافة؟

د. لحلو محند أعراب

للوصول بأي مطلب ثقافي إلى هدفه كأي مطلب آخر يحتاج إلى أن يحمله في الوقت ذاته أهل العلم ورجال ونساء الثقافة ولكن أيضا من السياسيون الواعون بالحقائق والرهانات. وننتظر إذن من الأحزاب السياسية أن تلعب دورها في الدفاع عن حقوق المواطنين في الحصول على اللغة والثقافة الأمازيغية. يجب إذن أن لا تضحي الأحزاب السياسية بالمطالب المشروعة من أجل تكتيكات انتخابية. نحن بحاجة في الجزائر لرجال ونساء ثقافة ينتجون وينشرون المعرفة ولكن أيضا إلى الذين يلتزمون ويصغون إلى مجتمعهم ويتوجهون إليه لحمل قيم الحرية والتقدم.

د.محمد ارزقي فراد

صحيح أن النضال السياسي قد خفّت حدّته بعد “دسترة الأمازيغية”، لكن ترجمة المكسب الدستوري إلى قوانين عملية يحتاج إلى نضال سياسيّ مستمر. وبعد تأسيس المؤسسات الضرورية لترقية الأمازيغية، يبرز دور الباحثين والعلماء لإنتاج المعارف والعلوم بهده اللغة.

ظل المطلب الأمازيغي لمدة طويلة مطلبا جهويا بل محليا محصورا في منطقة القبائل. هل يمكننا اليوم بلورة تكامل وطني وشمال إفريقي لترقية التعبير الأمازيغي؟

د. لحلو محند أعراب

لقد ربحت منطقة القبائل التي حملت المطلب الأمازيغي والمطلب الوطني الديمقراطي دون شك رهان استعادة الأمازيغية الأصلية للجزائر وشمال أفريقيا. وهكذا يحدث في كل أنحاء العالم، تأخذ جماعات أو مناطق زمام المبادرة في النضالات التي تنتشر على نطاق واسع لتصبح صراعات وانتصارات جماعية. مما لا شك فيه أن هناك الآن وعيا من جانب الجزائريين الذين تقبلوا بعضهم كأمازيغ واستعادوا هويتهم وتاريخهم. من الواضح أن هناك أيضا وعيا بالأمازيغية لدى سكان شمال أفريقيا. يكفي لهذا أن ننظر كيف يظهر المطلب الأمازيغي  في ليبيا وتونس والمغرب. المطالب الأمازيغي يساهم في صقل الوحدة السياسية والتاريخية لشمال أفريقيا؛ إنه فعل اجتماعي لا مجال لإنكاره وهو يتمظهر جنبا إلى جنب مع المطلب الديمقراطي. الفضاء الامازيغي أصبح فضاء موحدا.

د.محمد ارزقي فراد

الأمازيغية مسألة سياسية بامتياز، لذا فمن الطبيعي أن تطرح في المجال السياسي وليس في الأمر عيب.  إن تركّز النضال الديمقراطي الأمازيغي في منطقة القبائل ليس نابعا عن الجهوية كما يعتقد البعض، فهذه قراءة قاصرة غير صحيحة، بل يعود ذلك، إلى عوامل  اجتماعية/ تاريخية عديدة أهمها: 1- كثافة سكان. 2- البعد الحضاري المتمثل في كون بجاية عاصمة سياسية وعلمية في عهد الحماديين. 3 – تركيز التعليم الفرنسي أيام الاستعمار. 4- الهجرة الخارجية القوية. فهذه العوامل مجتمعة صنعت وعيا سياسيا كبيرا في المنطقة استفادت منه الجزائر قاطبة. فقد كان لأبناء المنطقة دور بارز في مقاومة الفرنسيين منذ حلولهم بالجزائر سنة 1830، وكان لهم حضور قويّ في تأسيس حزب نجم شمال افريقية سنة 1926، وساهموا في بعث الحركة الإصلاحية الفكرية منذ مطلع القرن العشرين. وهذا الوعي التاريخي هو الذي جعل منطقة القبائل تقدم لثورة نوفمبر1954 قادة سياسيين وعسكريين كبار، وجعلها تختار لإيواء مؤتمر الصومام التاريخي. وبعد مصادرة الاستقلال من طرف العسكر، لعبت المنطقة أيضا دورا بارزا في تشكيل المعارضة الوطنية للنظام السياسي التسلطي.  والأكيد أن منطقة القبائل الرائدة في النضال الأمازيغي، قد نجحت في إيقاظ الوعي الحضاري الأمازيغي في جميع مناطق القطر، وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدلّ على أن نضال هذه المنطقة من أجل الأمازيغية قد قام على أساس البعد الوطنيّ. بل أكثر من ذلك عمل الباحث الأكاديمي الراحل مولود معمري على توحيد الرؤى في مجال البحث الأمازيغي على مستوى  شمال إفريقية. وجاء تكريم رئيس الدولة لهذا الباحث بمثابة الاعتراف بجهوده العلمية في هذا المجال

حاورهما احسن خلاص وإسلام كعبش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super