أجمع محللون سياسيون ومؤرخون على القول إن أحداث 5 أكتوبر 1988 وإن كانت هبة شعبية لصناعة التغييروالمحطة التي عبدت الطريق لإحداث القطيعة مع الأحادية الحزبية وطرق باب التعددية، غير أن مكتسبات هذه الأخيرة لا وجود لها اليوم، حيث تم إجهاض التحول الديمقراطي الحقيقي ليجد الجزائريون أنفسهم في مواجهة ديمقراطية “الواجهة” وتعددية “الديكور”.
الوزير والدبلوماسي الأسبق كمال بوشامة:
“لم يبق شيء من مكتسبات 5 أكتوبر”
قال الوزير والدبلوماسي السابق كمال بوشامة إن أحداث 5 أكتوبر بقيت مجرد رمز في تاريخ الجزائر وأن الآملين في حدوث التغيير الحقيقي والوصول للتعددية الحقّة خرجوا بخفي حنين لأنه لا ديمقراطية تجسدت ولا تعددية رغم الإصلاحات التي أطلقت حينها ودستور 1989 غير أنه لا شيء بقي من هذه المكتسبات لتعيش الجزائر هبة أخرى اليوم غير أنها ليست مشابهة لسابقاتها من أحداث 5 أكتوبر، هذه الأخيرة التي أكد أنها “مفتعلة”.
وذكر بوشامة: “5 أكتوبر 1988 ليست بالإنتفاضة الشبيهة بما تعيشه الجزائر اليوم من الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فيفري، فخروج الشباب في 5 أكتوبر كان مفتعلا وأنا أعرف ما أقوله لأنني كنت في الميدان وكنت في منصب وزاري حينها وهناك من كانوا وراء تلك الأحداث على أساس أنه ستكون هناك ديناميكية للتغيير ووجد هذا الطرح أرضية ومناخا مناسبا له وسط التذمر الشعبي الكبير من وضعية البلاد على كافة الأصعدة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية” وأضاف: “5 أكتوبر يظل رمزا لبداية التعددية من فتح المجال السياسي والإقتصادي وإجراء إصلاحات غير أننا خرجنا بخفي حنين لم نعش الديمقراطية والتعددية الحقيقية، فالشعب خرج من أجل تغييروضع البلاد غير أنه ظل لغاية اليوم يعيش في ديمقراطية الواجهة وانتفض مرة أخرى يوم 22 فيفري، الشعب اليوم فهم درس الأمس واستخلص العبر وخرج في سلمية مطالبا بالتغيير وبناء دولة القانون ونأمل أن يتجسد ذلك.”
المؤرخ أرزقي فراد:
“حراك 22 فيفري امتداد لأحداث 5 أكتوبر مع فارق السلمية”
اعتبر الباحث في التاريخ، محند أرزقي فراد، أن أحداث 5 أكتوبر1988 وإن كانت منعرجا حاسما في تاريخ الجزائر وحملت معها مفتاح “التعددية” و”الديمقراطية” و”حزمة الإصلاحات” غير أن هذه الأخيرة ظلت حبيسة “الواجهة ” و”الديكور” لغياب إرادة سياسية بالذهاب بعيدا بمكتسبات هذه الأحداث. وأشار المتحدث ذاته إلى أن حراك 22 فيفري هو إمتداد لأحداث 5 أكتوبر غير أن الفارق بينهما أن الشعب إستخلص درس الأمس ورفع مطالبه بطريقة سلمية وحضارية استقطبت أنظار العالم.
وقال فراد: “أحداث 5 أكتوبر هي مرحلة حاسمة من النضال من أجل الديمقراطية ولا يمكن مقارنتها مع ما تعيشه الجزائر اليوم في ظل الحراك الشعبي الذي انطلقت شراراته يوم 22 فيفري، فانتفاضة اكتوبر1988 جاءت على خلفية المطالبة بتحسين الأوضاع الإجتماعية يعد الضعف الكبير للقدرة الشرائية للمواطن الجزائري وسبقها إنهيار لأسعار البترول سنة 1986، فالسبب الحقيقي هو غياب الديمقراطية أما السبب المباشر لتلك الأحداث فهو إجتماعي”، وتابع في السياق ذاته: “رغم العنف والدموية التي صاحبت تلك الأحداث التي أشعلها الشباب وراح ضحيتها الكثيرون ممن قاموا وطالبوا بتحسين الوضع الإجتماعي وغيرها من الأمور السلبية، غير أن الإيجابي من تلك الأحداث هو فتح صفحة جديدة مع التعددية ترجمت في دستور 23 فيفري 1989 وطوت الجزائر بذلك صفحة الأحادية بما فيها من تضييق وإستبداد، وإن عانقنا التعددية غير أن ذلك كان بإحتشام وتم تضييع مكتسبات هذه الأحداث التي هي منعرج كبير في تاريخ الجزائر.”
وذكرأيضا: “وقع إلتفاف ومع الأسف إجهاض والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم نذهب بعيدا بعد هذا المنعرج التاريخي ومكتسباته؟ والجواب هو أنه لا إرادة سياسية حقيقية للتغيير، صحيح أن الشعب الجزائري كسر حاجز الخوف حينها غير أنه لا نتائج إيجابية بقيت من هذه الأحداث والتي وإن يتغنى البعض بأنها بوابة التعديدية والإصلاحات غير أنها ظلت حبيسة الواجهة والديكور”.
المحلل السياسي عامر رخيلة:
“تم إجهاض التحول الديمقراطي الذي رسمته أحداث 5 أكتوبر”
وأكد المحلل السياسي عامررخيلة أن التحول الديمقراطي الذي كان من المفترض أن تعيشه الجزائر في أعقاب أحداث 5 أكتوبر 1988 تم إجهاضه بالرغم من الإنتفاضة الشعبية المطالبة بالتغيير، لتجد الجزائر اليوم نفسها تعيش “ديمقراطية الواجهة والتعددية المزيفة”، مشيرا في السياق ذاته إلى أن هذه الأحداث جاءت في ظل المتغيرات الدولية وقتها فرضت على السلطة وقتها ضرورة التغيير وتوفرت بيئة الهبة الشعبية لتقوم بعملية جراحية لنفسها وبنفسها، وخرجت البلاد من الأحادية إلى التعددية غير أن الأمر كان بعيد عما ما هو منتظر، وأبرز في السياق ذاته أنه وبعد 31 سنة تعيش الجزائر هبة شعبية أخرى في ظروف مغايرة بعيدا عن الدموية وما طبع هذه الأحداث من أمور سلبية.
وقال رخيلة: “أحداث 5 أكتوبر هي ثورة شعبية قامت من أجل التغيير والمطالبة بالتعددية وتحسين الوضع الإجتماعي للبلاد وانتقلت البلاد من الأحادية ومن الاقتصاد الموجه إلى الليبرالي، وبالرغم من الإيجابية التي تحملها هذه المصطلحات غير أنها بقت حبيسة الواجهة فقط ولا تجسيد حقيقي، ما يعني أنه لا مكتسبات بقيت من تلك الأحداث لنجد نفسنا اليوم أمام هبة شعبية مطالبة بالتغيير باختلاف السلمية والإصرار على التغيير”.
زينب بن عزوز