تمر الذكرى السابعة لانطلاق الثورة على نظام معمر القذافي على ضوء واقع متأزم سياسيا وأمنيا لم تتوقف ارتدادات الأزمة في الداخل الليبي وإنما امتدت إلى دول الجوار وعلى رأسها الجزائر.
باريس تعترف أخيرا.. بالذنب
أخيرا اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخطيئة ظلت الجزائر تقر بها منذ اللحظات الأولى وهي أن التدخل العسكري الذي قادته فرنسا-ساركوزي ومعها الحلف الأطلسي ” الناتو ” سنة 2011 بحجة إسقاط نظام العقيد القذافي انتهى بتحويل بلد آمن إلى آلة بشرية لزرع الفوضى واللأمن واللاإستقرار في المنطقة، دفعت دول الجوار دون غيرها ثمن ارتدادات الفوضى، أمنيا وحتى اقتصاديا. حمل اعتراف الرئيس الفرنسي ماكرون عدة إجابات لتساؤلات الراهن الليبي بعد 7 سنوات مما تسمى ثورة ” 17 فبراير ” التي أنهت 42 سنة من حكم عائلة القذافي، بأن التدخل العسكري في ليبيا، كان ” خطأ فادحا وقعت فيه القوى العظمى في العالم “، وأن ذلك الأمر لم يكن الحل الأمثل، بالنظر إلى أن هذا التدخل العسكري لم يكن في إطار خارطة طريق سياسية ودبلوماسية واضحة. وقال ماكرون من الجارة تونس، في رده على موقفه من الوضع في ليبيا، إن هذا ” التدخل العسكري مكن من إسقاط نظام معمر القذافي ولكنه لم يطرح أية حلول بديلة، وبالتالي كان ذلك التدخل حلا سيئا أغرق ليبيا في أزمة حقيقية وجعل الوضع الأمني في دول الجوار الليبي هشا وخاصة في تونس “. المشكلة الكبيرة في ليبيا تتمثل في أنه لم يكن هناك بديل سياسي حاضر لما بعد القذافي، بما فيه المجلس الإنتقالي الليبي وكل المؤسسات التي تمخضت بعد انهيار ” الجماهيرية ” إلى اتفاق الصخيرات الممضى عليه سنة 2015 لم يستطيعوا التأسيس لتوافق سياسي بين كل مكونات الطيف الاجتماعي والسياسي الليبي ربما يرجع السبب الرئيسي حسب الكثير من المراقبين لأربعة عقود من حكم العقيد القذافي عمل خلالها على الرفع من وتيرة القبيلة وتحطيم كل ما يرمز للدولة في مخيلة الشعب الليبي والتعامل مع المجتمع كرافد من روافد الولاء للزعيم والتعامل معه بمنطق ريعي في بلد غني بالنفط. هذه المشاكل السياسية حولت ليبيا إلى ” قنبلة ” موقوتة في وجه بلدان الساحل ودول الجوار كالجزائر وتونس ومصر وحتى دول أوروبا المتوسطية كإيطاليا وفرنسا، بما أن البلد ترتع فيه المجموعات الإرهابية في كل جهة وحديث تقارير أممية على عودة آلاف المقاتلين من تنظيم ” داعش ” من سوريا والعراق بعد الهزيمة إلى ليبيا كما أن البلد تحول إلى سوق كبيرة للرق وانتهاك حقوق الإنسان إضافة إلى تحول السواحل الليبية إلى منطلق رئيسي للهجرة غير الشرعية نحو المرافئ الإيطالية، ما طرح قضية مشكلة الهجرة السرية على مستوى دولي.
مستقبل ليبيا الغامض..
تركز مختلف الدراسات والتقارير البحثية الدولية على أن مستقبل ليبيا على غرار حاضرها غامض ولا تبدو أي مؤشرات حل على المدى القريب رغم كل الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي غسان سلامة من أجل عقد اجتماع للجنتي مجلس النواب ومجلس الدولة في لجنة واحدة سميت لجنة الحوار ودفع عجلة النخب السياسية والعسكرية والميليشيات لاحترام ورقة طريق معبدة وإجراء انتخابات تشريعية وسياسية خلال السنة الحالية. وقال تقرير حول ” الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2018: تحديات وتهديدات وفرص ” نشره موقع ” بروكينغز واشنطن ” أنه ” أفسدت فترة طويلة من التقسيم السياسي والصراع العنيف والتفكك الاقتصادي المرحلة الانتقالية السياسية التي تلت حكم القذافي في ليبيا. ويعاني المواطنون العاديون الآثار الناجمة عن انعدام أمن متفاقم ومستويات معيشة متدهورة. فاتفاق الصخيرات السياسي الذي وقع في العام 2015 برعاية الأمم المتحدة والذي هدف إلى توحيد البلاد وتثبيت اقتصاده لم يحقق الآمال المرجوة نتيجة المماطلة في عملية تنفيذه. وأمام الانتكاسة المحتملة للوضع في ليبيا وعودته إلى مرحلة من الغموض والصراع، يسعى المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة إلى نفح حياة جديدة في هذه الاتفاقية السياسية من خلال خطّة عمل طموحة قد تحسن المشهد الليبي الذي يتراجع من سيّء إلى أسوأ. وأضافت الورقة البحثية ” وفي الوضع الراهن، تبقى احتمالات تجديد التزام الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب ضئيلة، فيما تنهمك المملكة المتحدة بمسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتنشغل البلدان الأوروبية البارزة الأخرى إما بالتنافس على كسب النفوذ أم بالتركيز على لجم النزوح غير المشروع من ليبيا. في غضون ذلك، لا يبدو أن الدول العربية المجاورة لليبيا ملتزمة أكثر من غيرها بإطار عمل الأمم المتحدة، بعد أن وقفت بشكل عام على الحياد بعد العام 2015 عبر عدم تدخلها لتقويض الاتفاقية السياسية “، مختتمة دراسة الوضع الليبي ” ومع انقسام المجتمع وشعوره بعدم الأمان، سيصدر عن المفسدين العسكريين والسياسيين المحليين تصرفات أجرأ وأقل تقيدا. بالتالي، سيصعب الوصول إلى إجماع سياسي، وسيواجه تنفيذ أي اتفاقية سياسية جديدة مجموعة من العقبات. وفي هذه الظروف، سيبقى المشهد الليبي في العام 2018 في مرحلة من الغموض الشديد “.
تأثير الأزمة الليبية على الجزائر
تعتبر الجزائر من البلدان التي مستها شظايا نيران الأزمة الليبية نظرا للحدود الطويلة المشتركة التي تصل تقريبا إلى ألف كيلومتر، خاصة من الجانب الأمني، مع أن بعض المراقبين أقروا بأن الجزائر ” لم تلتقط اللحظة التاريخية الحاسمة ولم تحسن قراءة مآلات الوضع في ليبيا بسبب هاجس النظام من انتقال الربيع العربي إلى الجزائر خاصة أن التغييرات قد شملت أنظمة تونس ومصر وسوريا “، الأمر الذي جعلها منذ اشتعال الحرب بين ” الثوار ” وكتائب القذافي اتخاذ موقف حيادي من الأحداث، رغم كل المحاولات الدولية لجرها نحو التخندق في صف ” الثورة ” لكنها رفضت الانجرار إلى جانب الحلف الأطلسي، وبعد سنوات من ذلك أصبحت الجزائر تلعب دور الوسيط واستطاعت جمع الفرقاء الليبيين في جولتين إلا أن رياح الحل مالت إلى الجارة المغرب التي استضافت حوار الصخيرات سنة 2015 واستطاع الاتفاق إخراج حكومة وفاق وطني رغم أن مجلس النواب المدعوم من المشير خليفة حفتر يظل رافضا للاتفاق لسبب أن هذا الاتفاق يركز الحكم في أيدي المدنيين ويضع الجيش خارج اللعبة. وبعد سنوات من الأزمة أصبح قادة الأحزاب السياسية على غرار جمعة القماطي رئيس حزب التغيير الليبي يصف دور الجزائر منذ بداية الأزمة في بلاده بـ ” الأفضل عربيا ” لأنها لم تغذي أي صراع في ليبيا أو تنحاز لأي طرف على حساب الآخر ولم تدخل أي قوات أو عناصر استخباراتية لتؤجج الصراع. وكان أبرز تأثير للأزمة الليبية على الجزائر الهجوم الإرهابي على منشأة الغاز بتيقنتورين في جانفي 2013 الذي قاده تنظيم المرابطون المنطلق من التراب الليبي نحو إن أميناس القريبة من الحدود الليبية وانتهت العملية بتدخل حازم من القوات الخاصة للجيش أنهت عملية من أكبر العمليات الإرهابية التي هددت الأمن الوطني بالمساس بأحد الشرايين الأساسية للاقتصاد. ويرى أحمد ميزاب الخبير الأمني في تصريح لـ ” الجزائر ” أن ما تمخض عن إسقاط نظام القذافي بتلك الطريقة ” ارتدادات أمنية كبيرة ” على الجزائر على مدى سبعة سنوات، مبرزا ذلك في ” محاولات إغراق الجزائر بالأسلحة وتنامي التهديدات الإرهابية على الحدود واستفحال الجريمة المنظمة “. وحذر ميزاب في معرض حديثه على تداعيات الأزمة الليبية بأن بقاء المشكلة من دون حل ستضع ” الإقليم بأكمله على كف عفريت “. وأرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل حددها المتحدث في ” التدخلات الخارجية “. كما أبرز الخبير الأمني العارف بالشأن الليبي أن انعكاسات الأزمة ” ثلاثية الأبعاد ” سياسية واقتصادية وأمنية على دول الجوار. وعبر أحمد ميزاب على عدم تفاؤله بمستقبل المنطقة بالنظر إلى وضع ليبيا في الظرف الراهن ، مشددا على تحول البلد إلى ” قاعدة لاستقطاب المجموعات الإرهابية مع انتشار قطع السلاح بالملايين “، مؤكدا على أن الأزمة هناك ” لديها إفرازات معقدة خاصة أن حبل الاستقرار لا يزال مفقود “، واصفا موقف الجزائر بـ ” الناجع والحكيم بخصوص حلحلة المعضلة الليبية “.
إسلام كعبش