خرجت وزارة الدفاع الوطني أمس عن صمتها لترد على العسكريين المتقاعدين الذين تمادوا حسب وصفها في التعدي على المؤسسة العسكرية وخرقهم لواجب التحفظ بالخوض في السياسية وأكدت أن هؤلاء ناقمون و ضيقو الأفق بعد أن خدموا المؤسسة العسكرية لسنوات انضموا اليوم “لدوائر مريبة وخفية” وأطلقوا العنان لتحليلاتهم وتم “توجيههم لمخاطبة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي كخيار أخير”. واعتبر الوزارة أن المقالات التي تتضمن تحامل هؤلاء الأشخاص على المؤسسة التي كبروا فيها بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات، تظهر “أن مسعاهم غير فردي ومستند إلى مبررات واهية وزائفة” بالإضافة إلى أنه “وليد خطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر مستترة.
وفي الوقت الذي لا يزال الجدل دائرا حول تمديد أو تأجيل رئاسيات 2019 وهي الدعوات التي أطلقتها بعض الأحزاب السياسية في محاولة منها للخروج من حالة الضبابية والغموض الذي يطبع المشهد السياسي الذي تطغى عليه حالة السوسبانس الدائم حمل رد مؤسسة الجيش على مقالات العسكريين المتقاعدين ردا على أن هذه الاستحقاقات ستجرى في وقتها الأمر الذي أكدت عليه مقدمة البيان ب “مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي….” ما يعني حسب البيان أن الرئاسيات ستجرى في موعدها وآجالها القانونية.
وأوردت وزارة الدفاع في بيان أمس :”مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، يحاول بعض الأشخاص، ممن تحركهم الطموحات المفرطة والنوايا السيئة، إصدار أحكام مسبقة إزاء مواقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات الرئاسية، ويمنحون أنفسهم حتى الحق في التحدث باِسمها، باستغلال كافة السبل، لاسيما وسائل الإعلام”وأضاف :”وإذ يتصرفون على هذا النحو، فإن هؤلاء الأشخاص الناقمين وضيقي الأفق، الذين لن يتوانوا عن استعمال وسائل غير نزيهة، يحاولون، عبثا، التأثير في الرأي العام وادعاء مصداقية تعوزهم ولكونهم لم يحققوا أي صدى عقب مداخلاتهم الكتابية المتكررة عبر وسائل الإعلام، فإنهم إذ يحاولون، دون جدوى، تقمص دور خبراء متعددي الاختصاصات، فإنه قد تم توجيههم لمخاطبة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، كخيار أخير. “
وتابعت: “وبهذا التصرف، فإنهم نسوا أو تناسوا أن المبادئ الراسخة التي، لطالما، استرشد بها الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، قد جعلت منه مؤسسة في خدمة الشعب الجزائري وحده دون سواه، الذي بدوره يرى في جيشه ذلك الحصن المنيع الذي يحمي الجزائر من كل الأخطار ويضمن لها الأمن والسكينة. “
خرقتم واجب التحفظ والإجراءات القانونية في انتظاركم
وانتقد بيان وزارة الدفاع بشدة تصريحات العسكريين المتقاعدين والذين بعد أن خدموا لسنوات طويلة في صفوف الجيش الوطني الشعبي انضموا اليوم لما أسمته بالدوائر المريبة والخفية في محاولة منهم لتحقيق مآرب وأطماع شخصية فشلوا في الوصول لها وهو في مناصبهم وأضافت وزارة الدفاع في بيانها أن هؤلاء تناسوا بمقالاتهم وتصريحاتهم واجب التحفظ والذي يضعهم في حالة تجاوزه تحت المتابعة القضائية بالخوض في أمور السياسة وذكرت: “وإنه لمن المؤسف حقا أن تكون هذه الأفعال من صنيعة بعض العسكريين المتقاعدين الذين، وبعد أن خدموا مطولا ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي، التحقوا بتلك الدوائر المريبة والخفية، قصد الوصول إلى أطماع شخصية وطموحات جامحة لم يتمكنوا من تحقيقها داخل المؤسسة وتابعت :”ولبلوغ غايتهم، يحاول هؤلاء الأشخاص، الذين لم يولوا أي اعتبار لواجب التحفظ الذي هم ملزمون به، بموجب القانون رقم 16-05 المؤرخ في 03 غشت 2016، والذي يضعهم تحت طائلة المتابعة أمام العدالة، الخوض في السياسة، يدفعهم في ذلك هوس الانتقام وينصبون أنفسهم، دون احترام أدنى قيمة أخلاقية، وعاظا يلقنون غيرهم الدروس. “
وأشار إلى أن هذه التصرفات المتكررة قد تجاوزت، بتماديها، حدا لا يمكن السكوت عنه، فإن مؤسستنا تحتفظ بحقها كاملا في اتخاذ الإجراءات القانونية الملائمة ضد هؤلاء.
الجيش في غنى عن الدروس
وأبرزت في السياق ذاته أن هؤلاء خاضوا في ترهات وخرافات منبعها النرجسية وتنم عن درجة متقدمة من اللاوعي مذكرا إياهم أن الجيش يستند للشرعية والنظام الدستوري وهو في غنى عن الدروس التي تسدى له من طرف أشخاص تابعين لجهات أخرى تتحكم فيهم و تحركهم. وجاء في البيان :”إن هؤلاء الذين خانهم حس التقدير والرصانة، الذين يدّعون حمل رسالة ودور ليسوا أهلا لهما، ويخوضون دون حرج ولا ضمير، في ترّهات وخرافات تنبع من نرجسية مرضية تدفعهم لحد الادعاء بالمعرفة الجيدة للقيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، وبقدرتهم على استقراء موقفها تجاه الانتخابات الرئاسية، وهو ما يشكل انحرافا جسيما ينّم عن درجة متقدمة وخطيرة من اللاوعي الذي لا يُحدثه إلا الطموح الأعمى. في هذا الصدد، لابد من التنويه بأن الجيش الوطني الشعبي الذي يستند مسعاه ونهجه إلى طابعه الشرعي والجمهوري في ظلّ احترام النظام الدستوري، هو في غنى تامٍ عن أي دروس يُقدمها له أشخاص لا وجود لهم إلا من خلال الدوائر التي تتحكم فيهم. “
كما ردت وزارة الدفاع على دعواتهم بإتاحة الفرصة للشباب بالتأكيد أن أغلبية الوظائف العليا في الدولة يشغلها إطارات ما بعد الاستقلال في الوقت أن الاستحقاق والكفاءة هي المعايير المعتمدة في الجيش الوطني الشعبي وذكرت في البيان :”إنّ عدم الانسجام الذي يطبع الخطاب الذي يسوقه هؤلاء، لاسيما فيما يتعلق بقضية يتناولونها بإلحاحٍ، مسألة إتاحة الفرصة للشباب لتبوء مناصب المسؤولية في أعلى هرم الدولة، الذي يمليه عليهم على الأرجح عرابوهم، إنما هو تضارب يفضح نواياهم الحقيقية ويعري مقاربتهم العرجاء، ذلك أن هذه المسالة بالذات غير مطروحة أصلا، باعتبار أن غالبية الوظائف العليا في الدولة يشغلها حاليا إطارات من جيل ما بعد الاستقلال أما بخصوص الجيش الوطني الشعبي، فقد تم تكريس هذا المبدأ ميدانيا وفعليا، حيث وحدها معايير الاستحقاق والكفاءة هي المعتمدة في إسناد مختلف المسؤوليات.
كما ردت وزارة الدفاع على دعوات الجيش للتدخل فيما اصطلح على تسميته من طرف السياسيين “بالانتقال الديمقراطي” وتعزيز المكتسبات بخطاب تهويلي مردها – على حد تعبيرها- لخطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر مستترة وأوردت في البيان :”ومن جهة أخرى، وتجاهلا منهم للمهام الدستورية للجيش الوطني الشعبي، يُطالب هؤلاء الأشخاص، علناً، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بتحمل مسؤولياته والتي تكمن، بحسب زعمهم، في تعزيز المكتسبات الديمقراطية، وذلك من خلال خطاب تهويلي وسيء النية، ويتضح للأسف من خلال تحامل هؤلاء الأشخاص على المؤسسة، التي كبروا فيها بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات، أن مسعاهم، غير الفردي المستند إلى مبررات واهية وزائفة، يبدو جليا أنه وليد خطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر مستترة. “
أنتم محللون مبتدئون
كما هاجمت وزارة الدفاع هؤلاء بوصفهم بالمحللين المبتدئين بإدعائهم بمعرفتهم وإلمامهم بخبايا المجال الجيوسياسي مع التقليل والتقزيم من المكتسبات والإنجازات المحققة وذكر: “وفي محاولة فاشلة للظهور عبثا في ثوب البراغماتية والواقعية، نجد أن تحليل مكانة الجزائر على المستوى الإقليمي الذي يسوقه هؤلاء المحللون المبتدئون، يظهر، على أكثر من صعيد، بأن معرفتهم بالمجال الجيوسياسي الذي يتشدقون بالإلمام بخباياه، لا تؤهلهم حتى بالإحاطة بمفهوم “الدولة المحورية”، كما أنه يميط اللثام على نواياهم الحقيقية في تقزيم والتقليل من المكتسبات التي تم تحقيقها بفضل الاستراتيجية الأمنية التي تتبناها القيادة العليا بما في ذلك التعاون الإقليمي والدولي الذي يتم تجسيده في إطار الاحترام التامّ لنصوص التشريع الوطني. ” و أضافت :”هذه الإستراتيجية المتبصرة التي سمحت برفع العديد من التحديات التي تواجهها منطقتنا، خصوصا في ميدان مكافحة الإرهاب، حيث استحقت مساهمة بلادنا وقواتها المسلحة في إرساء موجبات الاستقرار في المنطقة، الإشادة على الصعيد الدولي، سيما في مجال مكافحة الإرهاب، أين أصبحت الإستراتيجية والأنماط العملياتية المنتهجة مثالا يحتذى ونموذجا يُدرّس في المدارس والمعاهد. “
ويأتي هذا البيان ردا على الحوار الذي أجراه الأمين العام السابق لوزارة الدفاع علي غديري والذي دعا الجيش للعب دورة ووضع حد لتجاوزات القانون والتعدي على الدستور فيما يتعلق بمسألة تأجيل الرئاسيات .
زينب بن عزوز