يحل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اليوم بالجزائر وسط تساؤلات حول أهداف الزيارة وخلفياتها ومدى ارتباطها بالجولة التي يقوم بها عبر بلدان عربية اختارها بعناية.
ويبدو أن زيارة الجزائر التي تدوم يومين تختلف إلى حد ما عن الزيارات الأخرى التي قام بها إلى الإمارات ومصر وتونس فهو يأتي إلى الجزائر عائدا من بيونس إيرس أي شارك في قمة العشرين وحظي بترحاب كبير من قبل رؤساء الدول الكبرى، ولاسيما فرنسا وروسيا، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بينما بدأت تهدأ في الجزائر “موجة الرفض الشعبي” التي صاحبت خبر إدراجها ضمن البلدان المعنية بجولة بن سلمان.
وكانت الأجواء بالجزائر، أمس، عادية ومهيأة لاستقبال الأمير السعودي المثير للجدل، فالشحنة العاطفية قد تركت مكانها للنظرة البراغماتية وضرورة طرح تساؤلات جديدة أكثر التصاقا بواقع العلاقات الثنائية بين الجزائر والعربية السعودية والقضايا الإقليمية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، فالبلدان تربطهما علاقات تاريخية تعود إلى عهد الثورة التحريرية مرورا بمساهمة السعودية في رأب صدع العلاقات الجزائرية المغربية في ثمانينيات القرن الماضي وسعي الجزائر والمملكة لحل الأزمة اللبنانية رفقة المملكة المغربية ضمن الجامعة العربية.
والعلاقات الثنائية وإن عرفت تناقضات واختلافات عميقة في المقاربة في فترات معينة إلا أنها لم تصل يوما إلى حد الصدام فقد كانت ولا تزال قائمة على الاحترام المتبادل وتثمين ما اتفق عليه والتماس الأعذار في ما اختلف فيه لاسيما في مقاربة القضايا العربية لاسيما وأن الجزائر دأبت على عدم حشر أنفها في الخلافات البينية على المستوى العربي في حين تتخذ مواقف تضامنية عند أي اعتداء أو تدخل في شؤون المملكة وآخرها الخلاف القائم بينها وبين كندا الذي اعتبرته الجزائر تدخلا سافرا في شؤون المملكة العربية السعودية.
وتربط الجزائر علاقات متينة مع كثير من الدول التي دخلت في خصام مع السعودية دون أن يؤثر ذلك على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، وتعتبر العلاقات مع إيران نموذجا عن هذه المقاربة البراغماتية فقد حل بالجزائر نائب وزير الخارجية الإيراني في زيارة لم تكن مرتقبة وقد سبقت زيارة ولي العهد السعودي بيومين فقط، ومن جانب آخر تقيم الجزائر علاقات متينة مع دولة قطر إذ صار حجم استثماراتها في تزايد كما ونوعا في عز الأزمة الخليجية وما صاحبها من صخب لم يهدأ إلى يومنا هذا مع تسابق إلى تبادل الاتهامات لاسيما بعد ظهور قضية خاشقجي.
ويبقى الجانب الأهم وهو مستوى العلاقات الثنائية وحجم المبادلات التجارية ونسبة فرص الاستثمار وكيفية إقامة شراكة مثمرة تعود بالنفع على البلدين وكيف ستؤثر النظرة البراغماتية الجديدة التي يحملها ولي العهد الشاب المتكون في المدارس والجامعات الغربية على الشراكة وتنمية الأعمال والمبادلات بين البلدين ومساعدة الجزائر ومرافقتها للخروج من التبعية لأسعار النفط، ثم كيف ستؤثر هذه الزيارة إيجابا على الأمن والسلم والاستقرار في منطقتنا ومساعدة الشعوب العربية على تخطي أزماتها الداخلية في سوريا واليمن وليبيا والكف عن التدخلات الأجنبية والابتعاد عن إذكاء أجندات بعيدة عن مصالح هذه الشعوب.
ولحد لحظة كتابة هذه الأسطر لم يرد أي بيان رسمي من رئاسة الجمهورية أو من وزارة الشؤون الخارجية يشير إلى هذه الزيارة في محتواها وأهدافها وبرنامجها وآخر بيان أصدرته الجزائر منذ ما يقرب من أسبوع شجبت فيه مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية السعودية باسطنبول وعبرت عن ثقتها في قدرة العدالة السعودية على تبيان الحقيقة وملاحقة المتورطين فيها.
احسن خلاص