يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الأربعاء المقبل، بأول تنقل له إلى الجزائر منذ انتخابه على رأس الجمهورية الفرنسية في ماي الماضي، الزيارة الرسمية الأولى لساكن قصر الإيليزيه سيلتقي من خلالها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كما ستكون من دون شك موعدا تحت الأضواء الكاشفة في الضفتين.
لحد الساعة لا يوجد أي بيان رسمي من الجهتين حول مضمون أو برنامج الزيارة التي سيقوم بها الرئيس ماكرون إلى الجزائر، الأربعاء، زيارة أعلنها ماكرون بنفسه خلال تنقله لإحدى المدن الفرنسية شمال البلاد قبل أسبوعين، وينتظرها الكثير من المتابعين لشؤون العلاقات الجزائرية الفرنسية، بالنظر إلى أنها تأتي في وقت حساس، بعد ستة أشهر من تولي ماكرون سدة الرئاسة في فرنسا، وفي وقت يرجع الرئيس الفرنسي من جولة إفريقية انتهت بمشاركته في القمة الإفريقية الأوروبية بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان.
وتناولت الصحافة الفرنسية الزيارة قبل أيام قليلة عن موعدها، وذكرت صحيفة ” لوفيغارو ” الفرنسية اليمينية في مقال لها حول الزيارة أن انتقال الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الجزائر يوم الأربعاء، ضروري لكنه “معقد”، في إشارة إلى لقائه مع الرئيس بوتفليقة، وتم التذكير بإلغاء زيارة المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل إلى الجزائر شهر فيفري الفارط، بسبب ما قال بيان رئاسة الجمهورية آنذاك أن ” هذا التأجيل راجع إلى التعذر المؤقت لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، المتواجد بإقامته في الجزائر بسبب التهاب حاد للشعب الهوائية “، ولكن يبدو أن إعلان توقيت الزيارة التي سيؤديها ماكرون إلى الجزائر أتى في ظل تنسيق رسمي على أعلى مستوى في البلدين، بالنظر إلى خصوصية العلاقات بين الدولتين ونية الطرفين في تطويرها، ولمحو كل ما قيل على تأخر الزيارة، واختيار ماكرون الجارة المغرب كأول محطة، مكسرا تقليدا دأب عليها الرؤساء الفرنسيون السابقون على الأقل الذين تعاملوا مع الرئيس بوتفليقة، خاصة أن ماكرون يعتبر رئيسا جديدا يحمل في جعبته تصورا آخر للعلاقات الدولية وعلاقة فرنسا بدول المغرب الكبير، وقد وعد خلال زيارته الجزائر كمترشح شهر فيفري الفارط، أنه في حال صعوده لرئاسة الجمهورية الفرنسية سيعمل على ” ترقية نظرة مستقبلية للشراكة بين الجزائر وفرنسا “، كما سيحافظ على إعلان الصداقة الذي توج زيارة سلفه فرونسوا هولاند إلى الجزائر في ديسمبر 2012. وتعتبر المحطة الأولى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجزائر مهمة لإذابة الجليد في العلاقات بين الدولتين على مستوى الرئاسي طبعا بالنظر إلى أنها أول لقاء بين الرئيسين، ومن المنتظر أن تشكل فرصة لماكرون للتمسك بمواقفه السابقة أو نقضها بخصوص رؤيته للاستعمار وهو الذي أدان الإستعمار الفرنسي في الجزائر كمترشح، وأدان الاستعمار الأوروبي بأكمله خلال خطاب في عاصمة بوركينافاسو واغادوغو قبل أيام معدودة، وسيصطدم ماكرون بملف الذاكرة خلال زيارته للجزائر، بما أن منظمة المجاهدين على رأسها السعيد عبادو تظل متمسكة بموقفها بخصوص ” الاعتذار ” و ” التعويض ” لكن لا يبدو أن ماكرون سيتوجه للاعتذار، في ظل غياب ضغط رسمي من الجانب الجزائري، ولا تساير السلطة بعض الأحزاب السياسية والجمعيات التاريخية التي تطالبها بالضغط على الجانب الفرنسي لتقديم اعتذار رسمي عن الحقبة الاستعمارية، وتسوية ملف الذاكرة الجماعية، مقابل التوجه لبناء مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين وتطبيع سياسي شامل.
في ذات السياق، اعتبر الدكتور رابح لونيسي أستاذ التاريخ بجامعة وهران في تصريح سابق لـ ” الجزائر ” أن ما يهم الرئيس ماكرون هو ” المصالح الاقتصادية التي سيحققها من خلال علاقته بالجزائر، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة اقتصادية خانقة ناتجة من أزمة دورية للرأسمالية العالمية، ونلاحظ إفلاس الكثير من شركاتها، وتسعى فرنسا دائما لإنقاذها باللجوء إلى بعض الدول مثل الجزائر لحل مشاكلها الاقتصادية خاصة السواق ومناطق الاستثمار، ولهذا نعتقد أنه سيركز على المجال الاقتصادي محاولا تجاوز أو ما يعتبرونه طي صفحة الماضي الإستعماري أو تأجيله إلى فترة أخرى مواتية، لكنه سيتجنب الوقوع وتكرار كلامه الذي قاله في السنة الماضية بعد ما أدرك التأثير السلبي لذلك على مساره بحكم تأثير هذه اللوبيات الاستعمارية، ويمكن أن نضيف إلى ذلك كله طبيعة الدولة الفرنسية بذاتها التي تعطي أهمية كبرى للمسائل الرمزية والثقافية والتاريخية على عكس دولة مثل أمريكا مثلا التي هي أكثر براغماتية في تعاملاتها، فهذه الطبيعة الفرنسية تقف حجر عثرة، وتصعب من مسألة مطالبتها بالاعتراف بجرائم ماضيها الاستعماري “، كما قال محمد ولد سيد قدور القورصو، الباحث في العلاقات الجزائرية الفرنسية، أن ” هناك مؤشرات قوية تدل على أن الفكر الاستعماري، بمفهوم القرنين التاسع عشر والعشرين، ما زال يهيمن على ذهنية عدد من المسيرين السياسيين في أوروبا، خصوصا في فرنسا، وماكرون لا يشذ عن هذه القاعدة برأيي “، كما أبدى قورصو ملاحظته حول ” انعدام إرادة سياسية من جانب المسؤولين الجزائريين لدفع فرنسا إلى تحمل مسؤوليتها تجاه ماضيها الاستعماري “، وأفاد المتحدث في ذات الوقت ” هناك أدوات للضغط على فرنسا في هذا المجال، أهمها توفر إرادة سياسية لذلك وتفعيلها. ورأيي أن الإرادة السياسية ضعيفة لدى الجزائريين حتى لا أقول منعدمة، بدليل أن قضية الذاكرة تمت مقايضتها باستثمارات فرنسية، أقصد أن المنافع الاقتصادية قابلها اعتراف رمزي بالمآسي التي تكبدها الجزائريون. والحقيقة التي كان ينبغي توظيفها لصالحنا كجزائريين، أن تاريخ الاستعمار بالجزائر لا يزال يمزق الطبقة الفرنسية، التي لم تتخلص من عقدتها تجاه الجزائر. وهذا المعطى يفترض أن نستفيد منه لافتكاك الاعتراف بالجرائم الاستعمارية، ولكن لن يتحقق ذلك من دون إرادة سياسية لتجريم فرنسا “.
إسلام كعبش
تساؤلات حول مستجدات زيارته وأهميتها:
الوسومmain_post