طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكرة إنشاء منتدى متوسطي- مغاربي لمواصلة التنمية بين الضفتين وفرض مزيد من التعاون شمال-جنوب، ما دفع بعض المراقبين للتأكيد على أن ماكرون يعيد صياغة مشروع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ” الإتحاد من أجل المتوسط ” بعد عشر سنوات لكن بصورة مجزئة وليست بتلك الصيغة التي طرحها ساركوزي وانتهت إلى الفشل.
نظرة جديدة للتعاون شمال- جنوب
حملت الزيارة الأخيرة التي أداها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تونس مجموعة من الإشارات للمنطقة المغاربية خاصة أن زيارته للجارة الشرقية تأتي بعد أن قام بزيارتين مهمتين أداهما نزيل قصر ” الإيليزيه ” لكل من المغرب والجزائر خلال سنة 2017، وذهب ماكرون لتحديد علاقات بلاده مع هذه المنطقة في مجموعة من المؤشرات تتلخص أساسا في بناء مستقبل لا يقصي التاريخ المشترك في إشارة إلى الماضي الاستعماري لفرنسا في شمال إفريقيا وكذلك للغة الفرنسية التي تعتبر اللغة الثانية في المنطقة المغاربية من ناحية التعامل الرسمي والثقافي وكذلك قضية المهاجرين ومزدوجي الجنسية، وخلال خطاب مطول أشار إيمانويل ماكرون الذي يحمل نفس جديد للسياسة الخارجية الفرنسية في إفريقيا أنه يقترح ” تنظيم منتدى أوروبي ــ متوسطي “، أمر وصفته صحيفة ” لوفيغارو ” الفرنسية اليمينية بأنه ” استعادة لفكرة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ” في إشارة إلى مشروع الإتحاد من أجل المتوسط الذي طرحه غداة انتخابه سنة 2007، ويبدو أن إيمانويل ماكرون لقي ترحيبا لفكرته من جانب السلطات التونسية، لأنه حسب البعض ” يهدف إلى اتفاق جماعي حول استراتيجية مشتركة من أجل البحر الأبيض المتوسط “.
ومما أشار إليه الرئيس الفرنسي ماكرون أمام نواب الشعب التونسي قوله ” لقد فعلنا ذلك في بعض الأحيان مع رؤية ربما واسعة جدا حول البحر الأبيض المتوسط والذهاب بطريقة أو بأخرى إلى إفساد مشروعنا بالصراعات التي أوقفتنا “،، مضيفا ” ولكن بين شواطئ الشمال وشواطئ الجنوب، هناك قصة، مشاريع، المغتربين، الشباب الذين ينظرون إلى بعضهم البعض والانتظار فقط وإذا كنتم توافقون على ذلك، أود أن تكون فرنسا قادرة على استضافة هذا العام أول اجتماع للقادة والمجتمعات المدنية والشباب والأكاديميين وبعض الدول الأوروبية في منطقة البحر الأبيض المتوسط ودول المغرب العربي، وبإمكاننا أن نرى معا، نقرر معا إذا كان هناك إستراتيجية مشتركة في البحر الأبيض المتوسط ” مؤكدا أنه ” لدينا تحدي ونحن ننظر إلى نفس البحر، وقد أصبح هذا البحر مقبرة، بسبب أنانيتنا، لأننا قد تراجعنا، لأننا سمحنا للظلام والكراهية أن تنتشر في هذا الفضاء “. وقال كذلك ” هنا أيضا، يجب أن يكون لدينا سياسة مشتركة، من خلال السماح بمرور مشاريعنا ولغاتنا وأساطيرنا المشتركة “.
اجتماع المنتدى “الأورو-مغاربي” سنة 2018
وحسب أوساط إعلامية فرنسية فإن “الإليزيه” يفكر في تنظيم اجتماع أوروبي مغاربي هذا العام 2018، من أجل تطبيق ” الطموح المتوسطي المشترك ” كما وصفه الرئيس ماكرون، لتحقيق التنمية المستدامة بين كل الأطراف بعيدا عن أي انسداد ما من شأنه إعاقة تحقيق هذا الهدف وعلى رأسه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي يعتبر أحد العناصر التي فجرت مشروع ساركوزي. وبالنسبة لإيمانويل ماكرون، فإن التحدي الذي يواجهه التعاون المشترك في منطقة البحر الأبيض المتوسط هو أمر بالغ الأهمية في الوقت الذي يواصل فيه آلاف المهاجرين غير الشرعيين عبور البحر المتوسط أملا في حياة أفضل في ” الإلدورادو ” الأوروبي أو فرار من الصراعات الأمنية المحتدمة وتدهور مؤشرات اقتصاد بلدانهم.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك إطار للتعاون بين دول ضفتي المتوسط، وهو مجموعة ” 5 + 5 ” التي أنشئت في عام 1990، وجمعت بين خمسة بلدان من بلدان الاتحاد الأوروبي (فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال ومالطا) وخمسة بلدان من الجنوب وهم (الجزائر، ليبيا، المغرب، موريتانيا، تونس). ثم تقدم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بمشروع مماثل في أوت 2008 بعنوان ” الإتحاد من أجل المتوسط ” كخطوة ثانية لمسار برشلونة 1995 قيل في ديباجة إعلانه في باريس أن الغرض من إنشاءه هو ” بناء السلام والازدهار لكل المنطقة، وإقامة شراكة متعددة وتعزيز التكامل والانسجام الإقليمي، كما يؤكد أهمية مشاركة المجتمع المدني والهيئات الإقليمية والقطاعات الخاصة لإنجاحه مع التركيز على الندية في التعاون والعمل المشترك وتقرير المشاريع وتنفيذها “، لكن سرعان ما تشتت هذا الإتحاد في المهد لعدة أسباب موضوعية أهمها التباين الملحوظ بين دول الاتحاد، فالدول الأوروبية منسجمة مع بعضها في استراتيجياتها ومصالحها بشكل عام، وتشكل المحور القوي داخل الاتحاد، أما دول جنوب المتوسط فهي متنافرة وغير متحدة أصلا في الرؤى والمصالح والأهداف دون أن نغفل وجود إسرائيل داخل هذا الاتحاد فهو في حد ذاته عنصر انشقاق لهذا المشروع لوجود دول لا تعترف ولا تقيم علاقات دبلوماسية مع هذا الكيان على رأسها الجزائر.
ماكرون يعيد إحياء المشروع ” الميّت” لساركوزي
ويعتقد مراقبون أن فكرة ماكرون عن المنتدى ” الأورو-مغاربي ” هو إحياء لمشروع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الذي أراد تعزيز مشروع ” أوروميد ” سنة 1995 مغلفا فكرته بمجموعة من الشعارات من بينها ” تحويل منطقة البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة سلام وازدهار” من خلال إقامة مشاريع مشتركة. لكن هذا الهيكل المكون من 43 دولة عضوا سرعان ما واجه توترات إقليمية وكان يجب تعليقه مؤقتا في جانفي 2009 بناء على طلب من بعض الدول العربية التي رفضت الجلوس على نفس الطاولة مع إسرائيل على خلفية العملية العسكرية التي قادها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة نهاية 2008. وينتظر كيف يمكن للجزائر أن تتعامل مع مشروع الرئيس ماكرون وهي ترتبط معه بعلاقات جيدة مقارنة بسابقيه، عندما يقوم بطرح المشروع أمام المسؤوليين الجزائريين ربما في الزيارة المقبلة التي لم يعلن عن توقيتها الرسمي بعد، ولكنها لن تفوت الشهرين القادمين. خاصة أن الجزائر تحتل موقع جغرافي استراتيجي مهم في هذا الإتحاد المتوسطي.
وبحسب الصحفية الجزائرية المقيمة في فرنسا فاطمة محمدي فإنه ” يجب أن تكون هناك شراكة جادة بين ضفتي المتوسط وفي كل المجالات، بخاصة في المجال الاقتصادي وتبادل الخبرات خاصة أن هناك روابط مشتركة بين فرنسا ومستعمراتها القديمة رغم جراح الماضي “، وأضافت الصحفية فاطمة محمدي في تصريح لـ ” الجزائر ” ” يجب على مسؤولي البلدان المغاربية ومسؤولي فرنسا أن ينظروا بعين ثاقبة إلى المستقبل، لأن هناك الكثير ما يجب فعله “، وأكدت المتحدثة على أنه ” آن الأوان أن نتخطى الحقبة الاستعمارية، ونستفيد من تحركات الرئيس ماكرون ورغبته في مد يد الصداقة لبلداننا أو بالأحرى مع بلدنا الجزائر “، ثم استطردت تقول ” أنا لا أقصد هنا أننا ننسى الماضي وإنما ننظر إلى المستقبل، لأن الرئيس الفرنسي على ما يبدو أبدى نظرة جديدة وهي معاملة الند للند “.
إسلام كعبش