أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرح مسألة معالجة ملف الذاكرة مع الجزائر، وقال إنه “مقتنع بضرورة إعادة النظر في ملف الذاكرة الجزائرية، لوضع حد لصراع الذاكرة، والذي جعل الأمر صعبا للغاية في فرنسا“، غير أن هناك أسئلة كثيرة تطرح حول هذه الرغبة الفرنسية في هذا الوقت بالذات، وما هو المقابل الذي تريده من وراء تسوية هذا الملف ؟، وهل هناك استعداد فرنسي حقيقي للتنازل عن أرشيف الجزائر، وماذا ستجنيه الجزائر من كل هذا، أم انه مجرد كلام للإستهلاك الإعلامي فقط وتحضير مسبق للعب على ورقة استقطاب أصوات الجزائريين تحضيرا للانتخابات الرئاسية 2022 بعد تخوف ماكرون من المد والانتشار الذي تحظى به الأحزاب اليمينية في بلاده مقابل تراجع حزبه ؟.
في هذا السياق يقول المؤرخ رابح لونيسي في تصريح لـ”الجزائر”، أن كلام الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون حول ملف الذاكرة والأرشيف الخاص بالجزائر “ليس الأول من نوعه، فقد قال هذا الكلام قبلا أثناء حملته الانتخابية في 2017، وحتى إنه اعترف بجرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر وإفريقيا ككل، لكنه عندما وصل إلى قصر الإيليزي غير كلامه بعد أن وجد داخل السلطة لوبيات ترفضه”، واعتبر لونيسي أن ماكرون “كان بمثابة فرصة لقلب الصفحة مع فرنسا لأنه قال أنه لا علاقة له بما وقع أثناء الفترة الاستعمارية وأنه لم يعشها وهو مثله ومثل الكثير من الجيل الجديد بفرنسا الذين لم يعايشوا تلك الفترة و يريدون طي صفحتها ولهم نظرة موضوعية”.
ويرى المؤرخ رابح لونسي أن عودة ماكرون لفتح ملف الذاكرة من جديد سيفتح معه أيضا باب تساؤلات عدة، فهل ماركون يريد أن يضحي بهذا الجانب “الرمزي” بالنسبة لبلاده، ويضحي بقانون تمجيد الاستعمار الذي وضعه جاك شيراك وما هو المقابل الذي تنتظره فرنسا من الجزائر في مثل هذه الحالة ؟؟، وقال إنه إذا ما تم فتح ملف الذاكرة فسيؤدي هذا إلى فتح العديد من القضايا ذات الصلة منها اعتراف فرنسا بالجرائم التي ارتكبتها في الجزائر وقضية التجارب والجرائم النووية التي قامت بها في رقان وغيرها من المناطق، وهذا سيجرها إلى تعويضات، إضافة إلى أن فتح هذا الملف معناه العودة أيضا إلى مسألة الأرشيف الجزائري الذي استحوذت عليه فرنسا، وهو أرشيف ليس له علاقة فقط بالفترة الاستعمارية إنما يضم أرشيف خاصة بالدولة الجزائرية إبان الفترة العثمانية، وهو بدوره- أي الأرشيف- سوف يفتح العديد من المسائل ذات الصلة بالتاريخ وكتابته وربما قد يرفض بعض الجزائريين فتحه لكونه قد يحدث بلبلة كبيرة نظرا لإمكانية اكتشاف حدوث تلاعبات بالتاريخ”.
ويقول لونيسي إنه “إذا ما عدنا إلى تصريح ماكرون، فهو لن يفتح الملف بدون أن تحوز فرنسا مقابله على امتيازات كبيرة من الجزائر، ففرنسا قد تكون مستعدة حقا لطي صفحة التاريخ مع الجزائر مقابل مصالح اقتصادية، خصوصا وأنها-أي فرنسا- تعيش أزمة اقتصادية مؤخرا، وهي تريد حلول ومخارج لها، ودائما ما كانت ترى أن الجزائر-خصوصا في عهد رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة- هي المخرج لإنقاذ اقتصادها عن طريق اتفاقيات تحصل من خلالها شركاتها على امتيازات كبيرة، غير أنه قال إن “جزائر اليوم ليس كجزائر أمس، ففرنسا لإدراكها أنها ستصدم بجدار شعبي-حراك- فهي ستحاول من أجل الحصول على امتيازات اقتصادية التضحية ببعض المسائل وان كانت تعد من رموزها التاريخية”.
وتساءل لونيسي في المقابل ماذا ستربح الجزائر من إعادة فتح ملف الذاكرة مع فرنسا، وهل الشباب اليوم-الجزائري- سيختار أيضا طي صفحة التاريخ مقابل الحصول على الرفاهية و اقتصاد أفضل؟
هذا ويرى متابعون أن تصريحات الرئيس ماكرون “قد تكون لمجرد الاستهلاك الإعلامي والدخول في حملة انتخابية مبكرة لرئاسيات 2022، ومحاولة منه لاستعطاف الجزائريين الموجودين بفرنسا وكسب أصواتهم، خصوصا مع تنامي مد الأحزاب اليمينية، المنافس الشرس له”.
للتذكير، كان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، صرح أول أمس، في حديث مع صحيفة “لوفيغارو” إنه “يريد تسوية مسألة الذاكرة المتعلقة بفترة استعمار فرنسا للجزائر، مثلما فعل جاك شيراك بخصوص الهولوكوست وإقراره بمسؤولية فرنسا في ترحيل اليهود”، وأضاف الرئيس الفرنسي بأن مواقفه “واضحة جدا بخصوص التحديات التي أواجهها والمتعلقة بالذاكرة، وحرب الجزائر بدون شك هي الأكثر مأساوية بينها، أعرف هذا الأمر منذ حملتي الانتخابية”.
رزيقة.خ