– إغلاق “لاتريبون” الفاجعة التي دقت ناقوس الخطر
احتجبت يومية “لا تريبون” الفرونكفونية عن الصدور الخميس الفارط على إثر قرار مساهمين في الشركة ذات المسؤولية المحدودة “أومنيوم مغرب بريس” المسؤولة عن إصدار هذا العنوان، وقدم المساهمون طلبا استعجاليا لدى العدالة من أجل وقف نشاطات “ش.ذ.م.م” وذلك على الرغم من إرادة أسرة الصحيفة إصدار اليومية ومواصلة المغامرة الإعلامية. وحسب المساهمين فإن السبب الرئيسي الذي دفعهم إلى هذا القرار “الإنتحاري” بالنسبة لجريدة لها تجربة وساهمت في بناء التعددية الإعلامية في الجزائر، إلى الديون الكبيرة التي لن يكون بمقدور الصحيفة سدادها، وأمام هذا القرار المفاجئ الصادر عن مساهمي الشركة فإن مستخدمي “لاتريبون” يرفضون إعلان إفلاس الصحيفة المتواجدة على الساحة الإعلامية الوطنية منذ سنة 1994.
وطرح “موت” صحيفة “لاتريبون” بهذه الطريقة النقاش مجددا حول مستقبل الصحافة الورقية في الجزائر، هذه الصحافة الورقية التي حققت تجربة مهمة واستطاعت في ظرف وجير أن تجد مكانا لها وسط القارئ الجزائري وغير الجزائري وتربعت على المشهد لمدة طويلة فاقت العقدين من الزمن ما جعلها تحظى بإشادة دولية، خاصة أن الصحافة الجزائرية لم تكن تحارب على مستوى وطني فحسب وإنما فتحت أعمدتها وصفحاتها لكل المناضلين في منطقة المغرب والمشرق، وكان للرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي موقف تجاهها حيث اعترف بفضل الصحافة الجزائرية الخاصة في دعم نضالهم كتونسيين في وجه آلة القمع التي كان يمارسها نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لكن المرحلة الأخيرة من بداية الألفينيات شكلت منعرجا حاسما عمل ضد الصحافة الورقية سياسيا واقتصاديا، فالرغم من الطفرة المالية والتقنية التي تحصلت عليها مجمل الصحف المطبوعة في الجزائر نتيجة التحولات التي شكلت المرحلة الجديدة، إلا أن دخول الحسابات السياسية على الخط، ومعارضة بعض الصحف لتوجهات السلطة خلال مواعيد سياسية مهمة جعلها تدخل في معارك كسر العظم مع السلطات التي تتحكم في الوكالة الوطنية للنشر والإشهار.
وهناك عدة عوامل وبوادر مع الزمن فرضت نفسها على الساحة الإعلامية الوطنية وتعمل ضد بقاء الصحافة الورقية ليس في الجزائر فحسب وإنما في العالم بأسره منها مدى تقدم الإعلام الإلكتروني والمساحات التي صار يحتلها على حساب الإعلام التقليدي والورقي. ومن أهم البوادر التي يمكن تسجيلها في الآونة الأخيرة الفارق الكبير بين عدد المتصفحين للمواقع الإلكترونية وعدد القراء للجرائد الورقية أو الأوفياء للقنوات السمعية البصرية في الجزائر، وكذا أن الإعلام التقليدي صار يعاني ماليا لعدة أسباب أهمها قلة موارد الإشهار، ولتغطية النفقات لجأت بعض الجرائد الجزائرية إلى الرفع من ثمن النسخة الورقية، مع سهولة الولوج إلى المواقع الإلكترونية مقابل صعوبة توزيع الجرائد في الجزائر.
وبهذه التحولات كيف سيكون عليه مستقبل الصحافة الجزائرية إذا علمنا أن الصحافة في العالم بأسره تعاني جملة من المشاكل، وتحديات الأزمات الإقتصادية ؟ وهل الجزائر أحسن من بريطانيا التي أصبحت الصحافة الورقية فيها تعاني بشدة ليس أقلها وقف صحيفة “الأندبندنت” العريقة؟، وبالعودة إلى هذه الصحيفة البريطانية العريقة التي توقفت في مارس من سنة 2016، بسبب المجموعة الإعلامية التي تمتلك الصحيفة البريطانية وإصدارها الأسبوعي “إندبندنت أون صنداي” التي قررت وقف الإصدار الورقي للصحيفة في أواخر مارس المقبل، لتستمر فقط في صيغتها الإلكترونية وبذلك تكون “الإندبندنت” التي صدرت عام 1986 أول صحيفة بريطانية تتحول إلى الصيغة الرقمية فقط، وصدر الإصدار الأسبوعي ” إندبندنت أون صنداي ” رقميا فقط في 20 مارس من السنة الفارطة وبعدها بستة أيام أصبحت ” الإندبندنت ” رقمية، وغرد “أمول راجان” رئيس تحرير الصحيفة البريطانية “يصعب علي أن أعبر عن مدى فخري بأنني كنت عضوا في فريق تحرير لديه أفضل الكفاءات والمهارات”.
إسلام كعبش