– التيار الإسلامي ذو المرجعية الإخوانية وصل إلى مداه
– لابد من سن قانون لتجريم التكفير
في هذا الحوار يقرأ رئيس جبهة الجزائر الجديدة المشهد السياسي بمعطياته الراهنة التي أفرزها الاستعداد للاستحقاق الرئاسي المقبل دو إغفال السياق وطني والدولي الذي تدور فيه تفاصيل هذا المشهد من الجانب السياسي والثقافي والديني والاقتصادي وكذا الإقليمي والدولي.
مجموعة من الشخصيات السياسية وناشطون من المجتمع المدني ومثقفون بعثوا برسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية يطالبونه بعدم الترشح للعهدة الخامسة. أين تضعون هذه المبادرة وما هو تأثيرها في نظركم؟
أن يبادر مثقفون وشخصيات سياسية بنداء فهذا حقهم في التعبير عن وجهة نظرهم. في جبهة الجزائر الجديدة لنا منظور آخر للرئاسيات وللوضع السياسي العام في الجزائر وهو يتجاوز مسألة تشخيصه في شخص الرئيس وغير الرئيس إلى ضرورة مناقشة هذا المشهد وطرح مبادرات تتضمن أفق الخروج من هذه حالة الانسداد والركود والجمود التي تعرفها الساحة الوطنية للتحضير لرئاسيات ديمقراطية تجري في جو من التنافس وتعطي الأمل للشعب الجزائري بأن القادم أفضل ومخرجات الرئاسيات ستفتح أمامهم أبوابا واعدة في المجال السياسي وتحسين المستوى المعيشي. لهذا نعتبر تأثير المبادرة إعلامي ينتهي بمجرد انتهاء تناوله إعلاميا.
عقد حزبكم مؤخرا ندوة حول المشهد السياسي الجزائري فهل يعتبر هذا مقدمة لإشراك فعاليات من المجتمع في البحث عن المخرج من الأزمة؟
الوضع الحالي يتميز بالانسداد والركود كما أشرنا وبالتالي على الشركاء السياسيين والنخب والناشطين في المجال السياسي والحقوقي والاجتماعي أن يثيروا مثل هذا الموضوع إذا أرادوا رؤية الجزائر في صورة أخرى أجمل وأرقى من الصورة الحالية. في جبهة الجزائر الجديدة لخصنا المأساة الجزائرية في سلطة مترهلة وعاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الجزائري ومعارضة متآكلة ومشتتة وغير قادرة على طرح مبادرات جادة وأن تكون قوة اقتراح في الساحة وشعب عازف عن الفعل السياسي والانتخابي فانتقاداتنا موجهة لجميع الأطراف لأنها كلها تتحمل المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع ومن هنا فأي حل يقتضي إشراك جميع الأطراف من خلال حوار وطني عابر للأحزاب والتيارات الايديولوجية والعائلات السياسية على أن يكون حوارا جزائريا جزائريا جادا ومسؤولا يفضي إلى مخرجات تؤسس لمشروع وطني ديمقراطي حقيقي يؤسس لحياة سياسية جديدة تلقي بظلالها على جميع المجالات الوطنية والإقليمية والقطاعات. نحن على يقين أنه دون مبادرة كهذه سنظل نراوح مكاننا.
هناك مبادرات تختلف في الأسماء لكنها تتقارب في الأهداف بدءا بمبادرة الإجماع للأفافاس مرورا بمبادرة التوافق لحمس وأنتم تحدثتم عن الحوار دون أن تحددوا له صيغة واضحة لكن لا أحد توصل إلى بلورة خارطة طريق تجعل هذا الالتقاء حول قواسم مشتركة يتجسد عمليا. أين الخلل؟
الحوار يقتضي أطرافا تتحاور واستعدادا له وإذا لم يتوفر هذا فإن كل المبادرات ستبقى في وضع المراوحة في مكان. بكل صراحة إذا لم تكن السلطة شريكة في أي حوار فلا يمكن له أن ينجح. لما طرحت مبادرة مازفران لم ننخرط فيها وقلنا إنها تفتقد إلى شرطين أساسيين للنجاح وهما أن تتفاعل معها السلطة إيجابيا وتنزل من الشجرة وتحاور أطراف الساحة السياسية من موالاة ومعارضة على حد سواء وثاني هذه الشروط أن تجد التفافا شعبيا حقيقيا يحولها إلى مبادرة ضاغطة تلزم السلطة بالنزول من الشجرة. تأكد أن هذين الشرطين لم يتوفرا ولن يتوفرا في المنظور القريب بسبب العزوف الشعبي وبسبب أن السلطة لا ترى أن هناك أزمة بل تنطلق من أن كل شيء بخير فلا داعي للحوار فالانتخابات تجرى في موعدها والمؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة تعمل. لذا فنحن في جبهة الجزائر الجديدة تحدثنا وكتبنا بأن المبادرة لابد أن تأتي من السلطة ذاتها من خلال إقناعها بأن هناك أزمة ولا مبرر لممارسة سياسة الهروب إلى الأمام والبقاء في البرج العاجي ورفض الإنصات لصدى الجبهات الاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها. فالكل يصرخ وينادي السلطة بضرورة تكوين جبهة داخلية لمواجهة تحديات المرحلة وكسب رهانات وتطلعات الشعب الجزائري وإزالة عقدة التعالي لدى السلطة. أنا واكبت الساحة السياسية منذ الانفتاح السياسي على التعددية ومنذ ذلك الوقت قدم أكثر من 70 مبادرة من جميع الأطراف وبعضها جادة لكن هذه المبادرات كلها كان مآلها الفشل لأن كل المبادرات التي تأتي من المعارضة ترفض رأسا من السلطة أما المبادرات التي تأتي من السلطة فهي تستند إلى المثل الشعبي شاورهم وخالفهم. وبالتالي تجد السلطة نفسها في ما يشبه المونولوغ.
أين تقع الأزمة في نظركم؟
الأزمة بدأت سياسية لكنها اليوم تشعبت ونحن عندما نقول أن فيها أزمة لا نسود السبورة وقد بدأت عندما رفض طرف في الجزائر النزول عند مقتضيات الديمقراطية والاحتكام للشعب وظهر طرف آخر لجأ إلى ردة فعل خارج الفعل السياسي والرسمي والديمقراطي والسلمي فانتقلنا من حالة التشنج الإعلامي في الخطاب السياسي ودخلنا في مستنقع الإرهاب وبعدها لم نذهب إلى مصالحة وطنية حقيقية وعميقة تعالج أسباب الأزمة بل تمت معالجة الوضعية بنظرية الغالب والمغلوب وفي شقها الأمني والاجتماعي ولم نعالجها في مسبباتها السياسية وهي مشكلة الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام قوانين الجمهورية وعلى رأسها الدستور واحترام حق الآخر في التعبير واحترام إرادة الشعب الجزائري وإذا لم نذهب إلى هذه المعالجة العميقة فإننا فسنبقى في دائرة تسيير الأزمات التي تهدأ أحيانا ولكنها تنفجر في تعابير متعددة وبأوجه مختلفة من قضية ثقافية إلى قضية اجتماعية لكنها كلها أساليب للتعبير عن عمق هذه الأزمة وهي أزمة الحريات والديمقراطية.
أي دور يمكن أن تلعبه أحزاب التيار الإسلامي في الاستحقاق الرئاسي القادم؟ وهل يمكن أن يشكل بديلا موحدا في هذا الشأن؟
نحن في جبهة الجزائر الجديدة نتكيف مع المبادرات التي تتجاوز العائلات السياسية. سبق وأن عرضت علينا المشاركة في تحالف الجزائر الخضراء عام 2012 فرفضنا لأن المنظور الذي نتحرك فيه الآن منظور جزائري وطني شامل، فالتكتل في عائلة سياسية واحدة في الظرف الحالي أي في غياب المشروع التوافقي الذي يضع ضوابط وقواعد العمل السياسي سيؤدي إلى ردات فعل العائلات السياسية ونعود إلى التشنجات التي عشناها في التسعينات ونحن نبحث عن مخرجات ولا نبحث عن الاصطفاف.
ألا يمكن لمحاولات توحيد الأحزاب الإسلامية ذات المرجعية الإخوانية أن تمكنها من تشكيل قوة لا يستهان بها؟
من خلال رصدي للتيار الإسلامي في مختلف المحطات نجد أن هذا التيار وإن نجح إلى حد ما في التحالف الانتخابي إلا أن مثل هذه التحالفات نابعة من الخوف من الأفول والزوال وليس نابعا من مراجعات وتصحيح لأخطاء سابقة. عشت في السابق عدة مبادرات لتقديم مرشح إسلامي واحد فوجدت أنه عندما تقترب المواعيد يبدأ الجميع بإطلاق الشعارات لكن سرعان ما ينتهون متفرقين بين مشارك وحده أو مقاطع أو مساند للسلطة. ومن وجهة نظر خاصة أنظر إلى التيار الإسلامي من خلال المدارس التي ينهل منها في الجزائر وهو التيار الإخواني فهذا التيار وصل إلى حدوده القصوى. هل يمكن له أن يجدد نفسه أم ينتهي إلى التآكل هذا مرتبط بما يؤول إليه أصحاب الشأن في هذا التيار إما القيام بتصويبات ومراجعات وإما يستمر على نفس الخيارات. وإذا كان هذا هو خياره فإنه وصل إلى أوجه ليس في الجزائر فقط بل في كل العالم بعد محاولته الاستثمار في الحريق العربي. لكن ظهرت نتائج عكسية.
باستثناء التجربة التونسية والمغربية..
بينت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في تونس أن حركة النهضة وإن احتلت المرتبة الأولى إلا أنها تراجعت مقارنة مع النتائج التي حققتها في إطار الترويكا أو الانتخابات الرئاسية التي تلتها حيث وصلت الآن إلى تمثيل لا يتجاوز 27 بالمائة من الناخبين التونسيين. المغرب له تجربة خاصة إذ أن حزب العدالة والتنمية دخل تحت عباءة الملك وقبل بقواعد اللعبة. الأولى كانت طرفا شريكا والثانية ينطبق عليها ما تقوله قيادة حمس بأنها شاركت في الحكومة ولم تشارك في الحكم.
على عكس قوانين المالية التكميلية السابقة أثار مشروع قانون المالية التكميلي ضجة حيث تم التركيز أساسا على الرسوم الإضافية على استخراج الوثائق الإدارية البيومترية التي ألغاها الرئيس بوتفليقة في النهاية في اجتماع مجلس الوزراء الأخير. ما هي الملاحظات التي تقدمونها على هذا المشروع؟
من خلال متابعتنا لإعداد مشاريع قوانين المالية نلاحظ أن الإخوة في الحكومة وبالأخص في وزارة المالية يتعاملون معها بعقلية إدارية محضة فلا نجد فيها أي اجتهاد اقتصادي ومالي في البحث عن موارد مالية لتمويل الميزانية وتغطية النفقات خارج دائرة إرهاق المواطن بمختلف الضرائب والرسوم هذه الذهنية جعلتنا لا نستثمر في مواردنا وإمكاناتنا مما انعكس سلبا على مستوى القدرة الشرائية وتوتر الجبهة الاجتماعية.
ما العمل أمام هذا الواقع؟
المطلوب من الحكومة أن تبحث عن موارد جديدة فالدولة مثلا تملك عقارات في الخارج يمكن أن تشكل موردا هاما وهي مستأجرة بالأورو الرمزي لجهات أجنبية ويمكن للدولة أن تعيد النظر في الإنفاق العمومي للقطاعات حيث أن القطاعات التي تمس مباشرة بحياة المواطنين غالبا ما يمسها التقشف بينما القطاعات الأخرى الثانوية أو الفلكلورية تغدق لها الأموال بشكل رهيب فلابد إذن من إعادة التوازن في الإنفاق بين القطاعات والأخطر من كل هذا في نظري أن الحكومة خلقت لنا بعبعا اسمه التقشف تخيف به المواطنين حتى تمرر قرارات وإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي التي تدعو الجزائر إلى التخلي عن التزاماتها تجاه الجبهة الاجتماعية. نحن ندعو الحكومة والقائمين على الشأن الاقتصادي الوطني إلى التخلي عن هذا الجمود والقرارات الإدارية والبحث عن حلول وتوسيع مصادر التمويل دون إرهاق المواطنين بالضرائب التي يدفعها في نهاية المطاف الأجير والمستهلك والأخطر أن الدولة تفرض جباية ليس لها قدرة على تحصيلها من التجار وأصحاب المال والأعمال.
بعدما خمدت لفترة معينة عادت إلى السطح معركة الهوية الثقافية والمرجعية الدينية من جديد لكن هذه المرة بأبعاد إقليمية ودولية ما هي نظرتكم إلى هذه العودة من حيث الأسباب والمآلات؟
السبب أننا لم نضع المرجعية الوطنية في أبعادها الدينية والثقافية في موضعها اللائق بها من أول يوم. بالنسبة للبعد الأمازيغي لم تعترف به السلطة إلا بعد تضحيات جسيمة لمثقفين ومناضلين لكن أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي والخطوات الأخيرة تجاه الأمازيغية أعتبرها يقظة من السلطة لكن بالتوازي مع الخطوات التي قامت بها السلطة وشجعناها ظهر تياران أحدهما يدعي أنه أمازيغي فوق الناس وأضر بغلوه في المواقف بالقضية الأمازيغية وثانيهما قام بردة الفعل فتجاوز كل الحدود من خلال خطاب عنصري إقصائي صور الأمازيغية كتهديد للبعد العربي. في جبهة الجزائر الجديدة ندعو الطرفين إلى العودة إلى المسلمات والحقائق التاريخية والاجتماعية التي عاشتها الجزائر لعدة قرون. أما ما يتعلق بالسلفية فالجميع يعلم أن هذا التيار أوجدته المخابرات البريطانية بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية لضرب المنطقة والمراجع الإسلامية فيها. يختلق صراعا مذهبيا وطائفيا مع الشيعة ويريد القضاء على المذاهب السنية كلها وهذا أمر خطير وقد وصل بهم الأمر إلى تكفير أهل المغرب العربي واعتبار العقيدة الأشعرية كافرة. لذا ندعو وزارة الشؤون الدينية والسلطات إلى ضرورة وضع حد لهذا التيار الذي يحمل فكرا تكفيريا وتعبيرات عنفية ويشكل خطرا على المرجعية الوطنية فكما سنت الجزائر قانونا لمكافحة الإرهاب لابد أن تسن قانونا لتجريم التكفير وأن تطهر بيوت الله من دعاة هذا التيار وأن يمكن للإسلام الوسطي المعتدل وللأئمة المالكية المعبرين عن المرجعية الوطنية. للإشارة فإن التيار المدخلي ليس الوحيد الذي يهدد المرجعية الدينية الوطنية إنما هناك تيارات أخرى دينية إسلامية وغير إسلامية. والمطلوب هو أن نضع رؤية واستراتيجية إعلامية وتربوية محكمة للتصدي لأي تأثير عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
شارك الوزير الأول الجزائري في ملتقى دولي بباريس حول ليبيا أفضى إلى اتفاق بين الأطراف الليبية وتحديد تاريخ انتخابات رئاسية وبرلمانية هل هي الطريق إلى الحل؟
المشكلة الليبية محتاجة إلى جهود الليبيين أساسا من خلال وعي حقيقي بما آلت إليه الأوضاع وما ستؤول إليه في المستقبل لدعم الجهود الدولية لصياغة الحل لكن الأطراف الليبية لم تنضح بعد لبلورة مشروع وطني لبناء ليبيا جديدة. أما باريس فهي أساس المشكلة في ليبيا وهي التي فجرتها ومصر اليوم هي طرف مقاتل في هذا البلد. كل الأطراف من السعودية والإمارات وتركيا وإيطاليا تلعب في المنطقة خدمة لمصالحها والطرف الضعيف في المعادلة هو المبعوث الأممي. المبادرة الوحيدة الحريصة على إيجاد حل دائم للأزمة إنما هي المبادرة الجزائرية التي تحتاج إلى استقطاب كل الأطراف الليبية وإقناع كل الأطراف الدولية أن لا مصلحة في استمرار الوضع على ما هو عليه.
شهدت الساحة المغاربية مؤخرا تحرشات مغربية تجاه الجزائر من خلال اتهامها باتخاذ سفارة إيران بها كمنطلق لربط علاقات بين حزب الله والبوليساريو. أين تضعون هذه الاتهامات؟
هناك مخطط أخطر وأكبر من المخططات التي سبقته وهو يستهدف الجزائر وإيران وسوريا وتمثله هذه التحرشات من المغرب التي تدخل في إطار تعبئة الرئيس الأمريكي ترامب ضد إيران وموقف الجزائر أزعج دون شك السعودية وفرنسا حيث كشف هذه اللعبة المغربية ووضعها في مكانها.