تحركت الجزائر بصفتها الرئيس الحالي لمجلس جامعة الدول العربية لوقف الأزمة في السودان بسبب اشتباكات مسلحة منذ السبت الماضي، بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ أعربت عن استعدادها لتكثيف جهودها بالتعاون والتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لحل هذه الأزمة.
وتحرّكت الجزائر في هذا الشأن على مستوى المنظمات الدولية لحلّ أزمة السودان، من خلال مراسلات وجّهها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون الرئيس الحالي لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، عثمان غزالي، والأمين التنفيذي للهيئة الحكومية للتنمية “الايفاد”، الدكتور ورقته جبيهو، في إطار متابعته الدقيقة والمستمرة للتطورات الخطيرة الدائرة في السودان.
وتأتي مبادرة الرئيس تبون في ظل التدهور المتسارع للأوضاع في السودان على خلفية استمرار المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مخلفة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، مما يستدعي تحركا دوليا لحقن الدماء والعودة إلى المسار السلمي لحل الأزمة السودانية العميقة.
وشدّد رئيس الجمهورية في رسائله، على أن “التطوّرات الخطيرة والمؤسفة التي تشهدها جمهورية السودان الشقيقة بتعقيداتها الداخلية وتداعياتها الخارجية، أضحت تفرض تحديا مشتركا يتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين الإقليميين والدوليين”.
ودعا إلى التحرّك المشترك وبشكل عاجل لتفادي المزيد من التصعيد ووقف الاقتتال بين الأشقاء السودانيين وحملهم على تغليب الحكمة والاحتكام إلى فضائل الحوار لحل خلافاتهم وتجنيب الشعب السوداني مخاطر الانزلاق في دوامة العنف الدموي الذي يشكل خطرا على السلم الاجتماعي وعلى مسار التسوية السياسية في السودان.
الدور الرائد للجزائر في حلّ الأزمات
من جهتهم، يرى مراقبون أن مبادرة الرئيس تبون تندرج ضمن إحياء دور الجزائر كوسيط في الأزمات الدولية، خاصةً في محيطها المباشر.
وفي هذا السياق، كشف المحلل السياسي، عبد الرحمان بوشريط، أن “الجزائر كانت دائما سباقة للتدخل في حل الصراعات والخلافات خاصة إذا أصبحت خلافات عسكرية وهو ما يحدث في السودان”.
وأوضح بوشريط في تصريح لـ”الجزائر” أن “تدخل الجزائر كان متوقعا ومنتظرا وهذا من عاداتها السياسية خاصة وأن الجزائر لديها عمقها وتاريخها ومكانها في إفريقيا، وهو ما يدفعها للتحرك وإيجاد الحلول في أقرب الآجال”.
وأضاف المتحدث أن “الجزائر تترأس في الوقت الحالي الجامعة العربية، وبالتالي فتدخلها يمثل كل الدول العربية التي تريد إطفاء نار الحرب التي اشتعلت فاجأت وبشكل سريع”، مشيرا إلى أن هذه المبادرة سيعرف من خلالها الشعب السوداني بأن هناك من يقف معه خلال هذه الظروف الصعبة.
وقال بوشريط أن مبادرة الرئيس تبون ستجد صدى لدى عقول السودانيين لإيقاف لغة السلاح والاحتكام للعقل، مبينا في الوقت ذاته، أن “الجزائر مستعدة لاحتضان طاولة الحوار أو إرسال وفود لمعالجة هذه الوضعية”.
الجزائر قادرة على تهدئة الأوضاع في السودان
من جهته، أكد المحلل السياسي، سيف الدين قداش، أن “الجزائر معروفة تاريخيا بدعمها للسلام في العالم الإفريقي والإسلامي والعالم ككل، وهذا ما جاء في مبادرة رئيس الجمهورية لحل الأزمة في السودان”.
وأوضح قداش في تصريح لـ”الجزائر” أن “التحرك الجزائري تجاه أزمة السودان جاء إيمان بضرورة حقن الدماء والعودة إلى المسار السلمي لحل الأزمة العميقة”.
وأفاد المتحدث ذاته، أن دعوة رئيس الجمهورية لتكاتف الجهود في سبيل إنقاذ السودان وضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار خطوة تهدف إلى تفادي مزيد من التصعيد.
وأشار المتحدث أن الملاحظ في رسالة الجمهورية هو التفكير في مسار مشترك بين المنظمات من أجل إيقاف التطوّرات الخطيرة والمؤسفة التي تشهدها جمهورية السودان الشقيقة بتعقيداتها الداخلية وتداعياتها الخارجية، مما يستدعي تضافر جهود جميع الفاعلين الإقليميين والدوليين.
وأكد أن الجزائر لعبت دورا كبيرا في حل العديد من النزاعات على مستوى إقليمي والدولي ولعبت دورا وسيطا في العديد من الملفات وهو ما يجعلها قادرة على إيجاد حل في أزمة السودان خاصة وأن الدبلوماسية الجزائرية تعرف تقدما كبيرا خلال السنوات الأخيرة.
المبادرة جاءت في الوقت المناسب
اعتبر الباحث في العلوم السياسية، عمار سيغة، أن مبادرة الجزائر لحل الأزمة في السودان حملت طابعين مهمين أولهما طابع دولي يتعلق بالرسالة التي وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش والتي تهدف إلى تحريك المجموعة الدولية من أجل حقن الدماء وتجنيب الشعب السوداني مخاطر الانزلاق في دوامة العنف.
أما البعد الثاني في مبادرة الرئيس تبون هو البعد الإقليمي حيث استهدفت تحريك المجموعة الإفريقية من خلال الهيئة الحكومية للتنمية “الإيغاد” والإتحاد الإفريقي وذلك للضغط على الطرفين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لوقف الإقتتال.
وأوضح سيغة في تصريح لـ”الجزائر” أن “التوقيت الذي تحركت فيه الجزائر جاء في الوقت المناسب خاصة وأن الأزمة مازالت في بدايتها ومازال هناك المجال لإيجاد أفاق لوقف اقتتال وإنهاء الخلافات”.
وأفاد الباحث في العلوم السياسية أن الجزائر تقف من خلال مبادرتها موقفا موازيا متساويا أمام أطراف النزاع وكذلك تؤكد على الحلول الداخلية كما يمكن للجزائر أن تلعب دور الوسيط بامتياز خاصة وأنها لعبت دورا مهما في حل العديد من النزاعات على مستوى إفريقي وعربي.
وأضاف أن “الجزائر تسعى أيضا لاحتواء أي أيدي أجنبية لاسيما بعد تسريبات عن وجود يد للكيان الصهيوني بما يحدث في السودان”.
وكانت الجزائر وبصفتها الرئيس الحالي للقمة العربية، قد دعت قبل أيام قليلة ومباشرة بعد اندلاع المواجهات المسلحة بين الفرقاء السودانيين إلى وقف القتال وتغليب لغة الحوار لتجاوز الخلافات مهما بلغت درجة تعقيدها، انطلاقا من عالقات الأخوة والروابط التاريخية التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، أهابت بجميع الأشقاء العمل على إعلاء المصلحة العليا للوطن في وقت جمهورية السودان أحوج ما تكون فيه إلى تضافر جهود أبنائها لإنهاء الأزمة الراهنة، وتحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوداني الشقيق في استعادة أمنه واستقراره وبناء دولة ديمقراطية وعصرية.
وفي الساعات الأولى لبدء الاقتتال في السودان، أعربت الجزائر، عن قلقها إزاء تطورات الأوضاع بعد الاشتباكات الخطيرة والمواجهات بالأسلحة الثقيلة التي تم تسجيلها في العاصمة الخرطوم بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، وما تخلّفُهُ من خسائر في الأرواح والممتلكات.
كما تلقى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مكالمة هاتفية أول أمس، من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حسبما أعلنت عنه رئاسة الجمهورية.
وحسب البيان فقد تطرق الرئيسان خلال المكالمة إلى علاقات التعاون الثنائي وسبل تعزيزه، كما بحثا تطورات الوضع الأمني الخطير والمؤسف بالشقيقة السودان وسبل إيجاد حل لإحتواء الوضع سياسيا ووقف الإقتتال بين الأشقاء في شهر رمضان شهر التقوى والغفران، مُشددين على أهمية الحوار وإعلاء المصلحة العليا.
أسباب الاشتباكات المسلحة
ويشهد السودان منذ 15 أفريل الجاري، اشتباكات مسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع، تبادل الجانبان الاتهامات بالتسبب في اندلاع شرارتها.
وكانت الخلافات بين القوتين العسكريتين قد بدأت منذ يوم الأربعاء الماضي، في منطقة مروي شمال السودان، بعد أن نقلت قوات الدعم السريع آليات عسكرية إلى موقع قريب من القاعدة الجوية العسكرية هناك، وهو ما اعتبره الجيش تحركا غير قانوني.
وبرزت مؤخرا خلافات عميقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وخاصة فيما يتصل بدمج قوات الدعم السريع في الجيش وفقا للاتفاق الإطاري الموقع بين المكونين العسكري والمدني في الخامس من ديسمبر الماضي.
فلة. س