رئيس “إيني” الإيطالية: “الجزائر شريك استراتيجي حقيقي”
تعد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني إلى الجزائر، الأولى لميلوني، لكنها في المقابل ثالث زيارة لمسؤول إيطالي يشغل منصب رئيس وزراء في ظرف أقل من سنة، بعد الزيارتين اللتين قام بهما سلفها ماريو دراغي، وقد شكلت زيارة ميلوني فرصة متجددة لتعزيز محور التعاون الجزائر- روما وخطوة إضافية في إطار بناء شراكة إستراتيجية حقيقية بين البلدين، في مجالا عديدة وأهمها الطاقة.
ميلوني على خطى ماريو دراغي
يرى مراقبون أن زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني إلى الجزائر تندرج في إطار تعزيز الشراكة في مجال الطاقة بالخصوص وتأكيد على استمرار المسار الذي رسمته الحكومة السابقة برئاسة رئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريو دراغي الذي زار الجزائر مرتين في سنة 2022، وأسفرت عن توقيع العديد من الاتفاقيات، أهمها ما تعلق بمجال الطاقة، حيث وقع مجمع سوناطراك ونظيره الايطالي “ايني” اتفاقية في مجال الغاز، في أفريل الماضي، تهدف إلى تسريع وتيرة تطوير مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي، من خلال تضافر جهود الشركتين، وزيادة حجم الغاز المصدر باستخدام القدرات المتاحة لخط أنبوب الغاز “إنريكو ماتي” “ترانسمد”، كما أن هذه الاتفاقية ستسمح للشركتين بـ”تحديد مستويات أسعار مبيعات الغاز الطبيعي تماشيا مع معطيات السوق وذلك للسنة 2022-2023 وفقا للبنود التعاقدية المتعلقة بمراجعة الأسعار”.
كما وقعت الجزائر وإيطاليا في 18 جويلية الماضي، على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتعاون بين البلدين تشمل العديد من المجالات والقطاعات، وأهمها الطاقة أيضا.
وقد كانت الجزائر قد رفعت في 2022 من إمداداتها من الغاز نحو إيطاليا بأزيد من 3 مليار متر مكعب إضافية، ومن المقرر أن تواصل رفع إمداداتها الغازية إلى هذا البلد، لتصل إلى 28 مليار متر مكعب في العام 2024، حسبما كشف عنه الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الإيطالية “إيني”، كلاوديو ديسكالتسي أمس، وقد أكد أن الجزائر “شريك استراتيجي حقيقي” وتحترم التزاماتها التعاقدية فيما يتعلق بالكميات المتفق عليها.
كما أن الجزائر وإيطاليا تدرسان الكثير من المشاريع في مجال الطاقة الكهربائية، إذ تفكر الجزائر في مدّ كابل بحري لتصدير الكهرباء إلى هذا البلد الأوروبي.
بالإضافة إلى تعزيز الشراكة في مجال الطاقة، تهدف زيارة ميلوني كذلك إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية في مجالات أخرى ومن أهمها الصناعة الميكانيكية والطاقات المتجددة وغيرها، فالتقارب الجزائري الإيطالي جيواستراتيجي، من شأنه فتح المجال أمام مشاريع استثمارية ثنائية، ودعم الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية بعيدة المدى، كما من شأنها تحديد معالم هذه الشراكة في المرحلة القادمة برهان يجمع بين ورقتي الطاقة وتصنيع السيارات.
المصالح المشتركة تدفع إلى الإستمرار في مسار “الشراكة الإستراتيجية”
اعتبر متابعون للعلاقات الجزائرية-الإيطالية أن الوضع الدولي الحالي والداخلي لكلا البلدين، دافع قوي لهما من أجل التمسك بقوة بشراكتهما الإستراتيجية، بغض النظر عن طبيعة التيار الذي يحكم إيطاليا اليوم -اليمين المتطرف- الذي تنتمي إليه ميلوني.
من جهة تعتبر إيطاليا بلدا تربطه بالجزائر مصالح تجارية خاصة في مجال الطاقة، وهي فرصة أمامها لتعزيز هذا التعاون، لاسيما أنها أصبحت تعتمد بشكل كبير على الجزائر كمصدر تموين للطاقة خاصة الغاز، باعتبارها بلد غير طاقوي، إضافة إلى رغبتها الشديدة في التخلص من تبعيتها الطاقوية لروسيا، فترى أن الجزائر “الملاذ الطاقوي الآمن” لكون الجزائر “شريك موثوق واستراتيجي”.
من جهتها، تعتبر الجزائر إيطاليا بدورها شريك استراتجي، يمكنها الاستفادة منه في مجال الصناعة، كالصناعة الميكانيكية، وهذا ما سعت إليه فعليا، حيث كانت روما أول شريك تختاره الجزائر للتعاقد معها في مجال تصنيع السيارات، وذلك بعد أن وقعت اتفاقيات مع شركة “فيات”.
وتعد الفرصة مواتية اليوم أمام الجزائر للخروج بالشراكة مع إيطاليا نحو آفاق أوسع والتحول نحو نقل الخبرة والتكنولوجيا الإيطالية في التصنيع وغيرها من المجالات كالبحث العلمي والسياحة وغيرها.
التعاون بين البلدين انتقل إلى مرحلة العلاقات الإستراتيجية
قال الخبير الاقتصادي، مراد كواشي، معلقا على علاقة الشراكة بين البلدين إن “الطرفين يسعيان لتعزيزها لاسيما في مجال الطاقة، إذ أن الجزائر عملت مؤخرا على رفع حجم الغاز المصدر إلى إيطاليا واليوم هي تفكر جديا في تصدير الكهرباء إلى هذا البلد، إضافة إلى تفكيرها بانجاز أنبوب غاز آخر يربط الجزائر بجارتها الشمالية مباشرة”.
ويرى كواشي أن زيارة رئيسة الوزراء الايطالية إلى الجزائر التي تعد بالنسبة لميلوني الأولى منذ انتخابها في أكتوبر الماضي، “زيارة هامة”، تأتي لتكريس وتعميق علاقات التعاون المتميزة التي تجمع البلدين، إذ أن هذه العلاقات ازدهرت بشكل غير مسبوق مؤخرا، وانتقلت إلى مرحلة العلاقات الإستراتيجية أي تجاوزت العلاقات الاقتصادية إلى مصاف العلاقة الإستراتيجية، وهي نتيجة للتوافق السياسي الكبير بين البلدين في العديد من القضايا والملفات الدولية وفي مقدمتها الملف الليبي.
وأكد كواشي في تصريح لـ”الجزائر” أن “العلاقات الاقتصادية بين البلدين ستعرف ازدهارا خلال السنة الجارية والسنوات المقبلة، إذ ستخرج من النظرة التقليدية المنحصرة في مجال الطاقة إلى مجالات عدة كالفلاحة والصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، رغم أن مجال الطاقة يبقى أهم مجال وسيستحوذ على حصة الأسد في هذه الشراكة، لاسيما أن الجزائر سترفع من حجم إمداداتها الغازية لايطاليا خلال السنوات القادمة، رغبة منها في جعل هذا البلد الأوروبي منصة لتوزيع الغاز الجزائري في أوروبا”.
في المقابل اعتبر المتحدث أن “الجزائر تنتظر بدورها الكثير من الشريك الإيطالي، خاصة في القطاعات التي تعرف فيها ايطاليا تفوقا، كالصناعة الميكانيكية، صناعة السيارات، والنسيج والمؤسسات الناشئة وتنتظر استثمارات إيطالية كبيرة على أرضها في هذه المجالات”.
رزيقة.خ