تعود اليوم ذكرى أحداث 5 أكتوبر 1988 والتي خرج فيها الشعب الجزائرية تعبيرا عن تذمره على الوضع المعيشي المزري لتكون هذه الأخيرة البوابة التي أحدث فيها القطيعة مع الأحادية الحزبية والجزائر من خلالها طرقت باب التعددية.
وأجمع السياسيون من جهتهم على أنه على الرغم من اعتبار أحداث 5 أكتوبر 88 منعطفا هاما في تاريخ الجزائر غير أن المكاسب التي قام من أجلها الشعب الجزائري وبعد مرور 29 سنة بقيت مجرد حبر على ورق وأن الجزائر تجد نفسها اليوم أمام نفس الديكور غير أنها لن تعيش الأحداث ذاتها لكون الشعب اليوم صارواعيا بما فيه الكفاية .
سفيان صخري:
الجزائر لم تجن سوى ديمقراطية وتعددية افتراضية
واعتبر المحلل السياسي سفيان صخري أن أحداث أكتوبر 1988 وإن شكلت نقطة تحول حقيقية في تاريخ البلاد غير أن المطالب التي خرج الشعب من أجلها حينها نفسها التي يطالب بها اليوم وأشار إلى أن الجزائر وبعد 29 سنة من أحداث 5 أكتوبر 1988 لا تزال تقبع في نفس الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فلا اختلاف يذكر نفس التذمر من الوضع المعيشي والأزمة الاقتصادية على خلفية انهيار أسعار البترول .
وأوضح صخري في تصريح ل “الجزائر” أمس :”ما تعيشه الجزائر اليوم يشبه تماما الأوضاع التي سبقت أحداث أكتوبر 1988 انهيار أسعار البترول وتراجع القدرة الشرائية والمطالبة بهامش كبير من الحريات” مستبعدا في السياق ذاته فرضية خروج الشعب الجزائري للشارع وقال أيضا:”الشعب اليوم صار واعيا حتى وإن كانت الأوضاع التي تمر بها الجزائر حاليا شبيهة بما سبق أحداث 5 أكتوبر 1988 من تدهور اقتصاد البلاد وضعف القدرة الشرائية غير أنه لن يغامر بالخروج للشارع لأنه ذاق مرارة ذلك وما صاحبه من عشرية سوداء أعادت البلاد للوراء كثيرا على مختلف النواحي” وأردف :” على السلطة اليوم أن تخرج من أحاديتها وتفتح باب الحوار للجميع دون إقصاء تجنبا لتكرار الغليان الاجتماعي على خلفية القرارات التي اتخذت مؤخرا لمواجهة الأزمة المالية وما سيتبعها من إجراءات تقشفية سيتضمنها قانون المالية لسنة 2018 ” وأكد:”لا أحد منا يريد تكرار السيناريو حتى وإن كانت الأرضية خصبة لذلك فالجميع يريد تغييرا سلميا توضع فيه مصلحة البلاد فوق أي اعتبار” وأضاف :” كل الأسباب والمعطيات التي دفعت لأحداث 5 أكتوبر 1988 موجودة الآن غير أنه لا مؤشرا ت على غليان شعبي أو انتفاضة”.
عامر رخيلة:
بعد 29 سنة لازلنا في ديمقراطية الواجهة
ومن جهته أشار المحلل السياسي عامر رخيلة أن الجزائر وبعد 29 سنة من أحداث الجزائر لا تزال تقبع في ديمقراطية الواجهة مؤكدا أن التاريخ و إن كرر الديكور ذاته وأعاد الأرضية نفسها غير أن الغليان الشعبي لن يكون حاضرا.
وقال رخيلة في تصريح ل “الجزائر” أمس: “نحن نعيش في ديمقراطية الواجهة مشوهة بحريات نسبية فلا وجود لمعارضة حقيقية تقوم بالدول المعهود على التيار المعارض ولا موالاة بل هناك تملق ونفاق سياسي و إزدواجية في الخطاب لتجد الجماعات النفعية مناخا وأرضا خصبة للنشاط ” وأردف :” فلا جديد ومكتسب تحقق ما عدا دستور نص على التعددية سنة 1989 غير أن الأمور بقيت في حدود التسمية ولا تجسيد لها بصفة كلية على أرض الواقع “.
ورفض رخيلة في سياق آخر الربط بين مصطلح الربيع العربي وأحداث 5 أكتوبر والقول أن الجزائر عاشت ربيعها العربي وصنعت الاستثناء مقابل عديد الدول العربية التي لا تزال تتجرع التبعات السلبية لذلك :” الربط والمقارنة ليست في محلها لأن الربيع العربي الذي عاشته بعض الدول العربية كان وليد ديكتاتورية والرؤساء وليس الغبن الاجتماعي الذي دفع الجزائريين للخروج للشارع في 5 أكتوبر 1988 “
ناصر جابي:
نحن أمام الديكور ذاته لأحداث أكتوبر 88
ومن جانبه أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي ناصر جابي أن ديكور 5 أكتوبر 1988 يشبه لحد كبير أكتوبر 2017 لحضور نفس الأسباب التي أدت لغليان الجبهة الاجتماعية والانفجار الشعبي والتي من بينها الأزمة الاقتصادية والمالية الحاضرة بقوة على خلفية انهيار أسعار البترول .
وأضاف جابي في مقال كتبه عن أحداث 5 أكتوبر أنه ورغم التشابه بين خلفية ديكور الأحداث التي فجّرت أكتوبر 1988 وما هو حاضر من ديكور هذه الأيام غير أن التوقعات لم تتحقق ولا مرة بتكرار السيناريو على مر السنوات الماضية وذكر :”بعد أكثر من ربع قرن من التعددية التي جاء بها أكتوبر 88 الجديد بالمقارنة مع أكتوبر 88 أن هناك خوفا كبيرا من التغيير ركب الجزائريين أفرادا ومؤسسات بعد تجربة الفشل في إصلاح نظامهم في السابق بعد أحداث أكتوبر88 تحديدا التي وعدوا فيها بنظام تعددي واقتصاد حر وحل لأزمتهم الاقتصادية عن طريق دستور جديد لم تمنح له فرص التطبيق على أرض الواقع لغاية تعديله.”
وأشار جابي إلى أن: “أحداث أكتوبر 1988 كانت لعبة سياسية مزيج بين الأمني والسياسي وراءها أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة سببها الرئيسي كان التدهور الكبير في أسعار البترول التي لاحت منذ 1986 وأثرت بشكل واضح على الأداء الاقتصادي والمالي للبلاد فزادت نسب البطالة وتدهورت حياة الجزائريين.” وتابع:”الخلفية التي كانت وراء أحداث أكتوبر 1988 لم تكن اقتصادية واجتماعية فقط رغم أهمية هذه العوامل فقد كانت هناك أزمة سياسية حادة مست النظام السياسي كان لها التأثير الكبير في اندلاع الأحداث.
ولخص جابي وضعية البلاد وذكر:”الجزائر تشبه هذه الأيام طبق طعام استوى على نار لكن لا أحد من أبناء العائلة الجائعين يريد أن يبادر بوضعه على الطاولة والانطلاق في الأكل فالكل جائع لكن الكل خائف من فتح القدر الذي بدأ يحترق من طول وضعه على.”
زينب بن عزوز