الإثنين , نوفمبر 25 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الثقافة / مساهمة الأستاذة والكاتبة بلياسين نجاة: فريدا كاهلو (المرأة الفولاذيّة)

مساهمة الأستاذة والكاتبة بلياسين نجاة: فريدا كاهلو (المرأة الفولاذيّة)

هي مثال حيّ للإرادة الحديديّة والعزيمة والإصرار، امرأة حملت لواء الأنوثة الملتبسة بين الإستكانة لشروطها والتّمرّد عليها، كانت في الحالتين تضع الجمال والفنّ وسيلتين للمحاجة في أيّة معركة تدخلها.

فريدا كاهلو:(بالإنجليزيّة:frida kahlo): من مواليد 06 يوليو 1907م، في إحدى ضواحي * كويوكان* المكسيك.

تعرّضت فريدا في السّادسة من عمرها لمرض وأُصيبت بشللِ الأطفال، فتأذّت رجلها اليمنى، وترك هذا الأخير أثرا نفسيّا بالغ السّوء لفترة طويلة من حياتها، فهي لم ترتد الفساتين طِوالَ حياتها أسوة بمن حولها من البنات وبخاصّة أختها *كريستينا*، لقد كانت ترتدي الجوارب الصّوفية في عِزِّ الصّيف من أجل إخفاء إعاقتها.

وفي عامِ 1925م،  وفي الثّامنة عشرة من عمرها تعرّضت لحادث حافلة كانت تقلّها إلى منزلها، لتعيش مأساة أكبر حين اضطرّت للتّمدّد على ظهرها دون حركة طِوال عام بأكمله بعد أن عانت كُسورا في العَمودِ الفِقريّ.

كان لها سريرٌ متنقِّل، ومرآة ضخمة في سقف الحجرة، ومنذ تلك اللّحظة بدأت رحلتها مع الفنّ، فقد وجدت نفسها أمام مرآة لا ترى منها سوى وجهها، فطلبت ريشة وألوانا وأوراقًا لترسُم نفسها كما تراها.

هي امرأة لم تكن جميلة، لكنّها خلبت لبّ فنّانٍ مشهورٍ من طِرازِ *دييجو*، وسياسيًّ فذٍّ على شاكلة *كروتسكي*رغم قدمها المشلولة والحاجبين الكثيفين كأنّهما شاربان ثقيلان فوق عينيها.

تزوّجت <فريدا> من الرّسّام الجداريّ المكسيكيّ *دييجو ريفيرا*عام 1929م، وكان قد علّمها في بداية حياتها كيف ترسم لوحات عظيمة.

لقد كان ل فريدا طلبٌ عند دييجو ريفيرا عندما تعرّفت عليه إذ قالت:” طلبي اليتيم منك ألاّ تخدعني في شيئ”.لكنّ الزّوج صاحب الأفكار المتمرّدة تعدّدت علاقاته النّسائيّة إلى أن وصلت إلى حدّ الطّلاق.

ما سبّب لها صدمةً لا يمكن نسيانها، وانعكس ذلك على أعمالها الفنّيّة، وحتّى على حياتها الخاصّة، ومع ذلك كان زوجها موجودا روحًا وفكرا في لوحاتها الفنّيّة، فمرّة ترسم لوحة معبّرة عن حبّها له، ومرّة لوحة معبّرة عن كرهها له، ولوحات ترى فيه بما كان يسمّى آنذاك عبقريّة الثّورة.

قالت فريدا عن حادث الطّلاق:”تعرّضت لحادثين، الأوّل أدّى بي إلى شلل جسديّ، والثّاني حادث ريفيرا الّذي أدّى بي إلى شللٍ نفسيّ!!”.

لكنّهما تزوّجا من جديد في عام 1940م ليكملا معًا ما تبقّى من كفاح.

امرأة عرفت الحوادث المؤلمة، رُشِقَ في عظامها الكثير من المسامير، وارتدت المِشدّات من أجل إصلاح ظهرها..ومع هذا كانت فقد كانت امرأة ذات إرادة حديديّة، تقول في مذكّراتها:”ما أجملَ أن ينظر المرء إلى الجانب المشرق بين الأشياء ويستثمرها لتكون دافعا له ولغيره لبذل المزيد، فلابدّ من وجود ثقبٍ للضّوء في الأماكن المظلمة”.

لقد ترجمت فريدا الألم الذي عاشته إلى فنٍّ تقولُ:” لم أرسم أبدا أحلامًا، بل أرسم واقعي الحقيقيّ فقط”.ويقول زوجها*ريفيرا*:”لم تضعِ امرأة من قبلُ كلّ هذه المشاعرِ في قطعة قماشٍ، ما تعيشه هو ما ترسمه،  ولكن ليس هناك تَجْرِبةٌ إنسانيّة مهما كانت مؤلمة تستطيع أن تحوّله إلى فنٍّ”.

إنّ آلام جسدها هي منبع فنّها، امرأة ممدّدة في سريرٍ بجسدٍ متعبٍ بالصّفائح، ومحاطٍ بالمِشدّاتِ، ليس لديها ما تفعله سوى أن ترسم نفسها بتلك النّبرةالسُّورياليّة الخاصّة، وفاكهة الوحدة المضيئة، أو قنبلة مشبّثة إلى أعمدة من اللّغة حسب وصف *داندريه بريتون*لها.

توفيت *فريدا* إثر إصابتها بالتهابٍ رئويٍّ حادٍّ، في 13 يوليو 1954م، عن عمرٍ يناهز 47 سنةً.

يقول زوجها الفنّان ريفيرا*عن موتها في مذكّراته :”إنّ اليوم الّذي ماتت فيه *فريدا كان أحد أكثر الأيّام مأساوية في حياتي، لقد اكتشفت أنّ الجزء الأفضل من حياتي كُلِّها كان حبّي لها”.

إنّ ما ألفت نظري كقارئة لحياة هذه الفنّانة فريدا هو إرادتها القويّة والحديديّة، ونظرتها التّفاؤليّة المشرقة للحياة، إذ لم تمنعها إعاقتها وجسدها المتعب بالصّفائح، والمحاط بالمشدّات، من صنع عالم لها مليئ بالجمال والفنّ، عالم عكست فيه ذاتها الدّاخليّة، فحوّلت آلامها إلى ريشة رسم خطت أجمل الصّور واللّوحات.

فصنعت بعزيمتها بصيصا من الأمل، وخيوطا من شمس التّفاؤل أشرقت بين الغيوم المظلمة الحالكة الّتي خيّمت على حياتها منذ الصّغر…

ويشهد لها الفنّان بيكاسو حيث خاطب زوجها *ريفيرا بقوله:”لا أنا ولا أنت بمقدورنا تقديم البورتريه كما تفعل فريدا”.

الأستاذة والكاتبة بلياسين نجاة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super