قراءة في مسرحية ” الخندق .. و أحجية سمكة أفريل ” مسرحية موجهة للأطفال لكاتب النص الكاتب محمد الكامل بن زيد .
يطل علينا المبدع محمد الكامل بن زيد في كل مرة بنص له قيمة في واقع الحياة الأدبية و الواقعية التي تهدف إلى رسم معالم المبادئ و القيم، و في مسرحيته ” الخندق و أحجية سمكة أفريل ” يتجه إلى فئة عمرية غاية في الأهمية على مستوى اليومي الذي يعيشه الطفل و إذا كانت المسرحية موجهة إلى مرحلة مابعد 12 سنة فهي بداية المراهقة و هي مرحلة صعبة في بناء شخصية رجل و امرأة المستقبل، و واقعية المسرحية تدخل في إطار المنجز الموجه للطفل عموما قد تكون هذه الكتابة في منطلقها أدبية لأنها تهتم بالمسرح و الحوار و الذي تقام عليه و لكن جملة هذا المنجز تخدم الفكر و الخيال و ذكاء الطفل و هذا ما يجب أن نبحث عنه في التأسيس للكتابة النوعية الموجهة إلى نمط معين و متلق يؤثث زوايا تفكيره مما يستقبله من خارج ذاته، و لكن هذا النص ذو الأهمية الواقعية تم بناءه على الخيال الذي يجنح له الطفل ويتفاعل معه أكثر ليحدد واقعه، خيال رسم له حدود وفق حوار ممنهج قوامه شخصيات محورية ” الرجل، العجوز، الطفل موسى و عيسى ومحمد، “.السمكة الصغيرة وسمكة القرش
كأنموذج نأخذ الفصل الأول : و مشهد المدن المهدمة و الصراخ المنبعث من أشخاص يجسدون ظلم الحروب و واقعها الذي ضرب حياة الأفراد خاصة في عالمنا العربي بوعي اللحظة و الحقيقة الأنطولوجية تعكس إلزامية الفهم لهذا الخراب الذي يعيشه الطفل و المراهق بمشاعر خاصة قد تؤثر فيه سلبا و قد تنقذه من تراكم الشر الذي يتلقاه من عالمه الخارجي و الذي لا يفهمه إلا في حدود إدراكه.
أما المشهد الثاني: يعتمد فيه الكاتب نفس المشهد على المسرح و يضعنا أمام صورة لثلاثة أطفال وهم ” موسى و عيسى و محمد” هي رمزية دينية تختصر الشر و دمار الحروب الذي يسكن النفوس الشريرة، هذا العنف الذي لا دين له بل هو طبيعة بشرية إذا استفحلت أتت على الأخضر و اليابس، حوار بين الأطفال الثلاثة يعكس المقصدية الهادفة إلى التسامح و التشارك في التصدي لكل ماهو غير إنساني و بناء وعي ديني بالحياة التي تجمع الإنسانية كافة.
خيال على خشبة المسرح يثير فكر القارئ “الطفل” و حتى الراشد يقفز إلى أفق أبعد، خيال ينجز واقعا، فكل واقع يبنى على فكرة من خيال ينتهي إلى الممارسة الفعلية فكما الأدب وكما المهن كلها تحتاج إلى خيال خصب يعود بنا إلى واقع أجمل يجمع العقول حول حقيقة الخير الذي ينشده العقل مادامت الطفولة مرحلة طافحة بالخيال و بحجم هائل للأسئلة، و منه كان الكاتب محمد الكامل قد استثمر في هذه الملكة و على ركح المسرح القريب من هواية الأطفال لأنها تقربهم من عالم اللعب و الأشياء في الأمكنة، استثمار في مرحلة عمرية بمسرحية تلامس الحاجات الفكرية و النفسية و البيئية قد تنقل الخيال من الموروث إلى تحديد آفاقه، خيال مبتكر يحلق بعقل الطفل إلى مستقبل يكون فيه التعايش و احترام الآخر من المبادئ التي ينشدها في هذا الكون، خيال لا يجنح إلى ماهو أسطوري بحت أو يترك خيال الطفل في غياهب بعيدة عن واقعه و حياته، مسرح فيه من التسلية و الإمتاع، فيه من الأحجية، فيه من الخيال الكاذب و الذي يصححه الواقع بنتائجه، المسرح هو حالة يعيشها الطفل تعادل قراءته للعديد من الكتب خاصة في راهن أصبحت فيه التقنية سيدة لدى الأطفال فلا يمكننا النجاح إلا بفضاء ثقافي يتقدمه المسرح الذي يملأ الفراغ الهائل الذي يعيشه عقل الناشئة في مجتمعاتنا العربية بمختلف اديولوجياتها في واقع لم يعد فيه تسليم الطفل إلى ذاته في قراءة الكتب، نحن من يختار له لأن القيم التي تحاصره قد اختارت له أنموذجا لم نعد كنخب قادرين على التصدي إلا بمحاولات جادة و مفيدة و المسرح هو أحد هذه المقومات المقاومة لعنف الواقع الذي يعيشه الطفل، واقع يلزم الكاتب بالصدق لأن الكذب مع هذه الفئة العمرية نحصد نتائجه في مستقبل الأيام، الطفل و المسرح خيال و تسلية و فهم و بناء لشخصية لا نخاف عليها في القادم من الأيام، مسرحية تضع رقما على اليمين لمشهد الأدب الموجه للأطفال حتى لا يظل هؤلاء غرباء عن عالمهم، مسرحية ندرك من خلالها حجم المسؤولية و الصعوبة التي يجب أن يلتزم بها الكاتب ليجعل خيال الطفل واقع أجمل من الخيال .. شكرا للجنرال الذي كتب مخاطبا الجنرال الطفل الذي يعيش بداخله و يصاحب كل إنسان يحاول أن يقرأ ذاته بكل وضوح و شفافية.
الأستاذ عبد القادر العربي