إجازة الخط العربي كالإجازة في الحديث الشريف لها سند يتصل بسيدنا علي كرّم الله وجهه … ولا أبالغ إن قُلت أن الدكتور محمد سعيد شريفي الميزابي الجزائري هو أحد جهابذة الخط العربي في العالم الذين تحصلوا على إجازة الخط بكل أنواعه من كبار أساتذته المحققين، ومشايخه المعروفين كالشيخ الأستاذ الخطاط سيد إبراهيم من مصر، والفنان الكبير، والخطاط الشهير حامد الآمدي من تركيا … ومَهْرُ الإجازة في الخط العربي غالي الثمن وأعلى من كل الشهادات، وعمالقة الخط أشحة بها إلا على الذين أجادوا رسم الحروف العربية ورصفها بأصولها المعروفة بعد طول صبر، وطول زمان … محمد سعيد شريفي هو أول مَن خَطّت أنامله المُصحف الشريف الذي يجمع بين خط النسخ ورواية ورش عن نافع، وطُبع في الجزائر تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد رحمه الله، ولم يكن قبل ذلك يعرف الجزائريون سوى المصحف المكتوب بالخط المغربي الأندلسي الذي يضع نقطة الفاء تحت الحرف، وحرف القاف كما تُكتب الفاء، وتَكثر فيه المنحنيات والعُقد … وهو تُراث أندلسي جميل نعتز به كأحد موروثاتنا الحضارية، إلا أن جمالياته الفنية أقل جودة من الخطوط التي نمت وترعرت على أيدي كبار الخطاطين في الكوفة وبغداد ودمشق واسطنبول والقاهرة … وبقي الجزائريون قرونًا عديدة، وأزمنة مديدة من الزمن يتلون كتاب الله من المصاحف المخطوطة بالخط المغربي إلى أن جاء الأستاذ محمد سعيد شريفي فكتب المصحف الجزائري المتداول حاليًا بخط النسخ فأجاد وأفاد، بل كَتَبَ المصحف الشريف سِتُّ 6 مرات متتالية بروايتي حفص عن عاصم، وورش عن نافع … الأستاذ محمد سعيد شريفي مجاز أيضًا في خط الثلث الذي يُعتبر سيد الخطوط وأجملها، والذي لا يُجيد خط الثلث في نظر أكابر الخطاطين مهما أحسن وأبدع في بقية الخطوط الأخرى فهو لا يزال يحبو في هذا الفن الواسع الشاسع … وهذه مكرمة وأي مكرمة، وشرف وأي شرف، وفخر وأي فخر، أن يخصك الله بخدمة كتابه العظيم، ويوفقك لكتابته من أوله إلى آخره وبالرسم الإملائي الخاص بالقرآن الذي أجمع علماء الأزهر الشريف بمصر وعلماء الجزائر على جماله وكماله بعد تحقيق وتدقيق وطول تمحيص ونظر، وليس هذا وحسب، فقد أنفق الخطاط الفنان وقته وجهده في زخرفة المصحف بزخارف ومنمنمات تسر الناظرين … البروفيسور محمد سعيد شريفي هو إبن العلاّمة الكبير، والعالم الشهير، الشيخ عدّون أحد أعلام المذهب الإباضي في الجزائر، و مدينة القرارة بولاية غرداية هي مسقط رأسه، ومهد طفولته .. هذه المدينة التي خرج منها عمالقة كبار نذكر منهم أبو اليقضان، وإبراهيم بيوض، ومفدي زكريا، ومحمد سعيد كعباش …الأستاذ شريفي من مواليد 10 جوان 1935 يبلغ من العمر حاليًا 83 عامًا، أنفق أكثر من ثلاثة أرباع عمره يداعب اليراعات، ويتمايل طربا بين المحابر والأوراق ليبلغ نهاية الإبداع ومنتهى البراعة في كتابة الخط الكوفي، وخط النسخ، وخط الثلث، والثلث الجلي، والمحقق، والرقعة، والديواني، والفارسي … وكل الخطوط العربية بلا استثناء …
الأستاذ محمد سعيد شريفي ألف خمس كراسات في هذا الفن الإسلامي الجميل الذي أخذه عن جدارة واستحقاق بعد دراسة أكاديمية رصينة مكينة بمدرسة الخطوط العربية بمصر والتي تخرج فيها بديبلوم الخط والتذهيب، ثم انتقل إلى كلية الفنون الجميلة بالزمالك في مصر والتي أفاد منها أساسيات فن الخط وآليات الكتابة في الشرق والغرب، وليشبع نهمه أكثر من جماليات وأسرار الخطوط العربية، سافر الشيخ الدكتور محمد سعيد شريفي إلى تركيا، وحط الرحال في اسطنبول التي تُعتبر متحف كبير للخطوط العربية بكل أصنافها وأشكالها وأنواعها وألوانها ومكث هناك يُجَّود حروف الضاد بين يدي عملاق الخط العربي الأستاذ حامد الآمدي، فأجازه في خطي الثلث والنسخ، وبعد ثلاثة أشهر عاد الأستاذ محمد سعيد شريفي إلى الجزائر، وكان ذلك سنة 1964 ليتخذ من الخط مهنة يسترزق منها، فعمل خطاطًا في المعهد التربوي، فكانت جل نصوص الكتب المدرسية بخط أنامله، وبعد حصوله على شهادة الدكتوراة في تاريخ الفن الإسلامي اشتغل أستاذًا في مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر إلى أن تقاعد منها، وقد تخرج على يديه جيل من الخطاطين المهرة البررة … محمد سعيد شريفي كان في صباه ” أعسرًا “، أي يكتب بشماله، وظل على هذه الحال إلى مرحلة التعليم الثانوي، وكان يرى أن ذلك منقصة ينبغي التنزه عنها، لأن التيامن في كل شيء هو من آداب ديننا الحنيف وتوجيهات نبينا الأكرم سيدنا محمد صل الله عليه وآله وسلم، فراح يكابد نفسه إلى أن طوّع اليمين على الكتابة فصار يكتب بكلتا يديه اليمين والشمال، ولا تقل جودة هذه عن تلك، وذلك فضل الله يؤته من يشاء والله ذو الفضل العظيم … الشيخ الدكتور محمد سعيد شريفي هو مصمم العملات الورقية لمطبعة بنك الجزائر وهو الذي خطها بيمينه وزخرفها وزينها، وهو الذي صمم العملة النقدية النحاسية ذات الأضلاع العشرة من فئة عشرة دنانير، وهو الذي كتب كل وثائق الهوية المتداولة في الجزائر بخطه الجميل، كما كتب على جدران كثير من مساجد الجمهورية تحفًا من إبدعاته في الخطوط العربية المختلفة، وهو مصمم جل شهادات التعليم العالي في الجزائر … حصل الدكتور محمد سعيد شريفي على شهادة تقديرية من رئاسة الجمهورية سنة 1987، وتحصل مرتين على الجائزة التقديرية لمهرجان بغداد العالمي للخط العربي والزخرفة الإسلامية، الأولى سنة 1988، والثانية سنة 1993، وحضي بتكريم من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ونال جائزة الفنون والآداب للسطان قابوس في سلطنة عمان سنة 2015، وهي شهادة رفيعة القدر عالية القيمة، وتحصل على درع محبرة التراث من مخبر المخطوطات بجامعة أدرار سنة 2016 … وتحصل على جوائز وتكريمات أخرى يطول سردها … نسأل الله أن يجزيه جنّات ونعيمًا، وأن يطيل في عمر الشيخ الدكتور محمد سعيد شريفي وأن يُبارك في تلامذته الخطاطين من سائر بلاد العالم.
الأستاذ محمد رميلات